في مدينة زنجبار وحده الدمار والبؤس يستقبلك. فمنذ عام ونصف مضت على تحرير أبين من مسلحي تنظيم القاعدة أو ما كان يعرف ب«أنصار الشريعة»، مازال الوضع على حاله من التعقيد على مختلف الصعد الأمنية والاقتصادية والخدمية. لحظة وصولنا الى أمام المجمع الحكومي بمدينة زنجبار، عاصمة محافظة ابين، فاجأتنا حشود غفيرة من المواطنين؛ كل واحد منهم يسابق الآخر لعرض همومه ومعاناته، فكل واحد منهم يحمل معاناة خلفتها الحرب.
من بين هؤلاء المواطنين «محمد عنبول»، والذي فضّل أن يجيب على سؤالنا له عن معاناته بأبيات شعرية شعبية: قالوا لي ياعنبول دارك تحطم فقلت كيف ابكي على داري وتحطيمه قهرنا عصابة الإرهاب في أبين ما عاد تفزعنا خفافيشه وتنينه
فيما آخر بادرنا بالقول: «نحن أبناء ابين أخرجتنا المدافع من بيوتنا، وعدنا اليها من عدن بالديون والأمراض».
ورغم هذه المعاناة إلا أن كثيراً ممن التقيناهم من سكان زنجبار يناشدون السلطة المحلية أن تسارع في العودة إلى المحافظة لإدارتها. وحين سألنا مدير عام مديرية زنجبار ورئيس مجلسها المحلي عن سبب غياب دور السلطة المحلية في المحافظة واستمرار نزوحها في عدن رغم عودة المواطنين، أجاب: «نحن أنفسنا نعاني ما يعانيه المواطنون وأنت تلاحظني الآن استقبل مطالب المواطنين في هذه الحالة.. لا مكتب ولا اتصالات ولا خدمات؛ لكن ان شاء الله تكون الحكومة جادة في سرعة إعادة تأهيل البنى التحتية والمرافق الحكومية ليتسنى لنا أداء مهامنا بالشكل المطلوب».
أمراض العودة عاد النازحون بعد طرد العناصر المسلحة من مناطقهم بنوع من الطمأنينة، لكنهم فوجئوا أن أمراض الملاريا والإسهال كانت لهم بالمرصاد، فما بين خمسين الى مائة حالة تستقبلها عيادات خاصة في أبين، تشكو هي ذاتها من ضيق المكان، وانعدام الأدوية لكثير من الأمراض.
وقالت سمر عبدالله وهي فنية مختبرات في هذه العيادة: «إن أطباء زنجبار وجهوا نداءات متتالية الى الجهات المعنية في المحافظة ووزارة الصحة لكنهم لم يلقوا استجابة حتى الآن».
من جانبه، يؤكد الشيخ علي ناصر جابر عضو مجلس زنجبار الأهلي إن المحافظة تحتاج لزيارة فرق طبية متخصصة للحد من انتشار الامراض الناجمة عن تلوث المياه، وانتشار مياه الصرف الصحي في معظم الأحياء كنتاج لما خربته الحرب.
ويقول: «لم يعد المواطن في أبين يطيق تحمل مزيد من الأعباء، يكفينا أن نعيش صراعاً مع لقمة العيش ومتطلبات الحياة اليومية».
بؤس معيشي في مدينة جعار اقتربنا من معاناة الناس، وزرنا مكان توزيع المواد الغذائية المقدمة من منظمات إنسانية مانحة، فوجدنا جموع المواطنين يتزاحمون أمام مكان الصرف بصورة تكشف مدى صعوبة الحياة لدى شريحة واسعة من سكان المحافظة.
وفي مكان واحد يتم توزيع وحدات غذائية لنحو عشرين ألف مستفيد من مختلف مديريات أبين، بحسب تصريح منصور مشدف مشرف توزيع معونات جمعية الاصلاح الاجتماعي الخيرية.
يضاف الى كل ذلك الحاجة الى الأمن؛ فالشواهد تؤكد أنه حتى الآن لم تبدأ الأجهزة الأمنية مزاولة أعمالها، وهو ما يشكو المواطنون منه. ووفقاً لشهادة المواطنة اشواق محمد، فإن اللجان الشعبية هي التي تحل محل الأجهزة الامنية «ولولا اللجان الشعبية لما شعر المواطن بشيء من الأمن».
يلاحظ ذلك، حيث تتواجد نقطة عسكرية في مدخل مدينة زنجبار للجيش وبمشاركة من أعضاء اللجان الشعبية. أما في وسط مدينتي زنجبار وجعار فلا أثر لأي من أجهزة الأمن، وكل ما في الأمر نقاط تتوزع في أحياء المدينتين وتقاطعاتها الرئيسية.
وأكد الشيخ محمد كريد الجعدني القائد الميداني في لجان زنجبار أن دور اللجان بعد «تطهير أبين هو ضبط مشتبهين من عناصر القاعدة وحتى حراسة منشآت رسمية، وما تبقى من ممتلكات الناس من السرقة».
وأضاف «البعض استغل الفوضى التي عاشتها المحافظة في نهب وسرقة العديد من المرافق، كما حدث في ملعب الوحدة الرياضي، وكذا كلية التربية ومبنى المحافظة وعدد من المدارس ومرافق الدولة في زنجبار».