مساء الأربعاء الماضي كان الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني يتحدث بألم لأحد برامج الفضائية اليمنية عن الأخبار الصحفية التي تكتب عن كل شيء ما عدا الحقيقة، وقال الدكتور أحمد عوض إنه يحضر اجتماعات ثم يقرأ في اليوم التالي عن الاجتماع ما لم يحدث فيه. ويقول زملاء إن نصف ما تنشره وسائل الإعلام الحزبية يكتب في جلسات المقيل ولا علاقة له بما كان قيل أو حدث. جانب من الإعلام في اليمن هو جزء أصيل من مشكلات البلد، وكنت قد شاهدت صحفيين يذهبون إلى أماكن لفعاليات أو مؤتمرات، فيهملون ما يحدث ويقال، ويبحثون أو يتصلون بشخص ما لطرح السؤال: "كم عايوقع لنا"؟ وإذا كان لدى الصحفي بقية من حياء فهو يسأل: "ما تشتي نكتب؟" وفي الحالتين فإن هذه الأسئلة لا علاقة لها بالصحافة، كما أن التجسس على الرسائل أو التنصت على المكالمات كما حدث للزميل نبيل الصوفي لا علاقة له بالعمل الصحفي قدر ما له علاقة بجرائم التعدي على حقوق الآخرين وانتهاك خصوصياتهم، وبعض الصحف تضبط عناوينها في الصفحة الأولى على المزاج السيئ تجاه طرف ما أو شخص معين.
أول ما يتعلمه الصحفي في قواعد المهنة هو "العدالة والإنصاف" أو كما يقولون" الدقة والموضوعية"، والفكرة الرئيسية هي أن يكون الصحفي مهنياً، وليس موظفاً، أي أنه يحاول باستمرار التجرد - بالقدر الذي يستطيعه - من أي اعتبارات سياسية أو مذهبية أو غيرها وينقل ما يراه أو يسمعه بعد أن يتأكد منه، وفي الصحافة الغربية الرصينة لا يمكن نشر الخبر إلا بعد التحقق منه من مصدرين مستقلين.
يخطر على بالي دائماً الفيلم العظيم "كل رجال الرئيس"، الذي عرض في 1976 وفاز بأربع جوائز أوسكار وترشح لأربع أخرى، والفيلم مأخوذ من كتاب يحمل الاسم نفسه، كتبه الصحفي وود وورد، الذي اشترك مع زميل له في صحيفة "واشنطن بوست" في تفجير فضيحة "ووترغيت" التي استقال على إثرها الرئيس الأمريكي نيكسون في بداية ولايته الثانية. ولو كانت لديّ أمنية الآن لطالبت بأن تكون مشاهدة الفيلم من ضمن شروط نقابة الصحفيين اليمنية للحصول على العضوية.
المقارنة بالإعلام الغربي فيه ظلم كبير للزملاء الصحفيين اليمنيين، المقارنة واسعة في الاحترافية والمهنية وقواعد العمل والأجور أيضاً، وكنت سمعت جهاد الخازن في ندوة إعلامية في دبي قبل 6 سنوات تقريباً يؤكد فيها أن دخل وسيلة إعلام أمريكية مثل "نيويوك تايمز" يعادل دخل كل وسائل الإعلام في الوطن العربي، وعندما سألته مستغرباً: "حتى الإعلانات التي تحصدها مجموعة الإم بي سي وصحيفة جلف نيوز في الإمارات"! ابتسم في وجهي وأكمل طريقه.
الصحفيون ومؤسسات الإعلام هم جزء من نسيج المجتمع، ومثل كل شيء في اليمن فإن الحرفية والاتقان يأتيان في آخر الأولويات، ولا توجد البيئة المناسبة التي تساعد على أن يكون المرء صحفياً مهنياً أو كاتباً متفرغاً، لا المؤسسات الصحفية قادرة على مساعدة المحررين والصحفيين، ولا الأخيرون قادرين على دعم أنفسهم أو التفرغ لأداء العمل باستقلالية بسبب الارتباط براتب آخر الشهر وصعوبة الحصول على عمل آخر.
أغلب الصحفيين مظلومون، والقليل الذي استطاع أن يكون شيئاً ما لا يسلم من الضغوط والترهيب، أو الوقوع في مكيدة الاستقطاب والتشيّع لهذا الطرف أو ذاك، ولذلك يستطيع المتابع للصحافة اليمنية أن يشاهد بوضوح الاتجاه السياسي لهذه الصحيفة أو ذاك الموقع الإلكتروني.
ما أود التأكيد عليه هو التالي: إن البيئة غير المساعدة و"مصروف القات والعيال" لا يبرران مطلقاً خلق الأكاذيب وخداع الناس، وهما فوق ذلك يدمران مصداقية المهنة، ويحولانها إلى "هو إلا كلام جرايد" يعني حاجة تافهة وحقيرة، لأن الكثير من الناس بسبب بعض الزملاء كره الصحافة وكل وسائل الإعلام بسبب الأكاذيب والتلفيقات التي لا تنتهي على لسان بعض الصحفيين.
يقولون "الخبر مقدس أما الرأي فحرّ"، ويستطيع الكاتب أو الصحفي الذي ينشر رأيه أن يعبر عن أفكاره بأي صيغة يشاء، لكنه عند كتابة الخبر لا بد أن يلتزم بتقديم المعلومات حتى وإن كانت ضد ما يرجو ويأمل، وأن يتحقق من مصادر الأخبار، أما "المصدر المسؤول" و"المصدر المطلع" فلم يعد أحد يصدق ما يأتي بعد هذه الصيغة المخادعة، لأنها مصادر مجهولة ولا يثق فيها القارئ، ولا يتم اللجوء إليها إلا في حالات نادرة بعد أن يتأكد الصحفي منها.
أكتب للقارئ العادي أكثر مما أكتب للزميل الصحفي الذي قد يغمغم: "بيتفلسف علينا من الخليج وهو ولا داري حاجة"، أعرف أن البيئة معقدة والظروف المحيطة تزيد إلى مهنة المتاعب متاعب أخرى، لكن هناك شيء واحد هو أن الزميل الصحفي ليس مضطراً أبداً للكذب أو خداع الناس، وإذا لم يستطع عليه أن يجرب عملاً آخر أفضل له وأشرف.