لا يمر يوم إلا وسفن ترسو قادمة من البحر، أو منصرفة عن شواطئنا في مهمة تهريب، كما لا يمر يوم إلا وهذه السفن تدفع أموالا طائلة كي تمر بسلام، وألا يقبض عليها بداعي الوطنية، حتى تدفع استحقاقات بيع الوطن، وقد يبالغ بعض رجالات الشاطئ من الجيش والأمن حين يعلنون إتلاف كمية مهربات، وفي الواقع أن الإتلاف مجرد مقدمة تهديد للمهربين، لتقريبهم عاجلاً للجلوس في مفاوضات دفع الرشاوى. بعضنا قد يتذكر أن الحقائق المروعة لأعمال التهريب الممنهج في ميناء المخاء والموانئ القريبة منه، قد دفعت قبل 3 أعوام 2009م إلى قيام أحد الألوية المرابطة في المخاء باحتجاز المواطن عوض ثابت إبراهيم بسبب تسريبه معلومات عن تورط مسؤولين أمنيين وعسكريين في عملية تهريب واسعة النطاق تكبد الدولة خسارات مالية تزيد عن 300 مليون ريال يوميا ومن ثم إخفاء الاستخبارات العسكرية بتعز لعبد الواحد العمراني، بسبب شكواه التي اتهمت بعض الوحدات العسكرية بالقيام بتسهيل عمليات تهريب واسعة النطاق من والى داخل وخارج الوطن عبر منافذ المخاء وذباب وباب المندب مقابل نسب مالية محددة من ذات العيار الثقيل، لتؤكد الشكوى بشاعة التهريب المنظم الذي تزاوله مافيا التهريب بمساندة وحماية عسكرية وأمنية، ومن ثم سجنه لذات السبب في العام 2010م، على إثر مواجهات مسلحة في منطقة البرح بين مهربين من العيار الثقيل ومعهم مشايخ قبليين من جهة، وبين أفراد أمن من جهة أخرى، أحداث المواجهة بين شخصيتين وطنيتين وقوى الظلام كانت بداية قصة حقيقية لمواجهة غير متكافئة القوة إلا أن الحق الذي يملكه «العمراني وعوض» كان القوة الدافعة لاستمرارهما في مواجهة قوى الظلام حتى اللحظة، وهذه القصة التي أوردناها كنموذج لحالة من حالات عديدة لإثبات تغلغل المافيا في عمق الدولة وصلبها فقد حرم الأول من مكافآته التي كان يحصل عليها، فيما الثاني فقد وظيفته الحكومية.
وصل نفوذ المهربين إلى درجة شراء دفاتر البيانات الجمركية الجاهزة بالختومات الرسمية ليصل قيمة الدفتر إلى 50 مليون ريال لاستخدامها في الأوقات الصعبة إخطبوط البحر يمكن وصف «ز ع خ» بأنه زعيم لوبي التهريب في اليمن والقرن الأفريقي إن لم يكن في منطقة الجزيرة العربية، يعرف عنه بأنه أكبر وأخطر مهرب للخمور وأشياء أخرى إلى اليمن والخليج عبر ميناء المخاء والموانئ القريبة وبتصاريح رسمية عليا، لذا يتم إنزال حمولات خموره في الساحل، كأشبه ما يكون بإنزال حمولة الطماطم، كما يعبر عن ذلك أحد المواطنين المعايشين، هذا إضافة إلى تهريبه المخدرات فهو - حسب أحد المصادر- داخل في عمليات تهريب مخدرات بالشراكة مع شخصية قريبة من النظام السابق«ي م ع ص» ويؤكد البعض أنه يقوم باستقبال إحدى سفنه، بطريقة منتظمة مع كل وصول ليأخذ طرودا لا أحد يعلم محتواها سواه ليختفي بعدها ثلاثة أيام لا يدري خلالها أحد بمكان غيبته، لذا يخمن البعض انه يقوم بتهريب المخدرات بطريقة سرية نحو حدود دول الجوار، وإلى جانب المخدرات فإنه يقوم بتهريب الأسلحة، وعدد من المواد الأخرى الخطيرة كالمواد الكيماوية المحرمة وغير المحرمة، ومعلوم أن تهريب المخدرات والأسلحة والمواد الكيماوية المحرمة يعد أخطر أنواع التهريب المحرم، وإلى جانب ما سبق يقوم بتهريب الدراجات النارية وأنواع المبيدات والألعاب النارية والسجاير وغير ذلك.
يمتلك «ز ع خ» ثلاث سفن بحرية تقوم بالتهريب إلى الداخل والخارج، كل سفن المهربين في منطقة «واحجة» لا تقف بالساحل أو تنزل حمولتها إلا بإذن منه، حتى خلافات تجار ووكلاء التهريب ترجع إليه لحلها، خطورة «ز ع خ» تكمن في قدرته الفائقة على ترويض المسؤولين والقادة عن طريق الإغراءات وشراء الذمم وإعادتهم لحظيرة طاعته العمياء، وأكثر من ذلك تحويل أهدافهم من حماية المقدسات الوطنية إلى حمايته الخاصة والعمل ضد مصالح الوطن، فهداياه المغرية تستطيع أن تجعل منهم أدوات بيده يحركها كيفما يشاء، هداياه لا تقل عن تسليم مفتاح سيارة آخر موديل، أو فيلا جميلة، أو بضعة ملايين الريالات كأقل هدية، ولهذا عملت بعض القوات البحرية وبعض الكمائن البحرية التابعة للدولة، والقوات الأمنية، وأماكن الرادارات، وخفر السواحل والدفاع الساحلي على حماية وتأمين مواده المهربة ومواد المهربين، بدلاً عن حماية وتأمين الوطن، فهي تقوم بإبلاغ حوت البحر«ز خ» وبقية القروش من المهربين الكبار أمثاله أو الصغار عن أي جهة قد تقوم بمتابعتهم بدلا عن الإبلاغ عنه وعن مافيا التهريب، يمتلك«ز خ» مصنعاً للخمر نوع «الفودكا» في جيبوتي وله شريك ووكيل في فرنسا يدعى«ع ط» يرتبط كبير حيتان التهريب «ز خ» بعلاقات وطيدة بشبكات من القيادات العسكرية والأمنية في الداخل والخارج دول الجوار البحري كدول القرن الإفريقي جيبوتي واريتريا والصومال وجزيرة فاطمة الاريترية التابعة للمد والنفوذ الإيراني في الوقت الراهن، كالقيادات العسكرية البحرية ورؤساء ومدراء الموانئ ومشايخ القبائل، وقيادات الفرق العسكرية، أما في الداخل فإن المهربين وعلى رأسهم «ز خ» يرتبطون بشبكة علاقات ترتقي إلى مستوى قيادات عليا ومشايخ وأعضاء مجلس النواب، وبعض قيادات وأعضاء النيابات العامة وبعض الجهات المعنية كالجمارك والرقابة والمحاسبة، وكل الجهات المالية المكلفة بأعمال المتابعة، هذا إلى جانب القيادات العسكرية والأمنية، ووصل السوء حد شراء المهربين لدفاتر البيانات الجمركية الجاهزة بالختومات الرسمية والتوقيعات ليصل قيمة الدفتر الواحد إلى (50 مليون ريال) يجرى استخدامها في الظروف المستعصية، يتصرف بها المهرب كيفما يشاء ومتى شاء بحيث إذا ما أحبطت لهم عملية تهريب، في نقطة من النقاط التي يتواجد فيها عناصر وطنية شريفة، يقوم المهرب بإخراج البيان الجمركي المزور، ليمر بسلام.
إخطبوط البحر«ز خ» يتنقل من مكان إلى آخر برفقة موكب يتكون من أكثر من 30 فردا من المرافقين ويسير إلى تعز بمجموعة أطقم، كما أن له عدداً من الوكلاء العاملين لإدارة أمواله في أنواع مواد التهريب.
إن نجاح كثير من المهربين في بلوغ أهدافهم يرجع إلى تغاضي كثير من جهات الضبط الأمني في نقاط التفتيش.
أحواش المواد الخطرة كل مادة من المواد المهربة جهز لها حوش أو مخزن خاص لحفظها ومن ثم توزيعها كالأحواش التي تحوي الدراجات النارية، والسجائر وبعض أكياس المواد الكيماوية أو السموم، التي بعضها إسرائيلي محرم، يقال بوجود 50 مخزنا للسموم، منها 80 صنف محرم استخدامها، وغير ذلك من المواد، ماعدا المواد الخطرة كالسلاح وغير ذلك من المواد المحرمة مطلقا فإنه لا يمكن نقلها، إلا عبر عمال مختصين، وقوارب خاصة، ولا تدخل الأحواش والمخازن وإنما يجري توزيعها مباشرة إلى الجهات المشترية، حتى لا يعلم بها أحد، كما أنهم يقومون باستغلال الأطفال لإنزال حمولة البضاعة بإيجار زهيد الليلة بألف ريال، أما الطفل المحظوظ وهو الوحيد من بين أقرانه، فقد حصل في إحدى الليالي على مبلغ 5000 ريال بدلا عن 1000ريال ليس تقديرا لأن والداه يعملان في التهريب، ولكن لأن كرتونه الذي يحمل تمزق وسقط منه أحد المسدسات المكرتنة، الطفل ظن ذلك مسدس لعبة صيني، ولأن إنزال الحمولات الخطيرة لا يطلع على محتوياتها العمال، فقد قام عدد من المهربين تلقائيا بالقبض عليه وأخذ المسدس ورفع أجره إلى 5000 ريال وحذروه من الإفصاح ظنا منهم أنه تعرف على المسدس.
لوبي حماية التهريب تتغلغل مافيا التهريب في العمق الاستراتيجي للدولة، ولا عجب أن يصطدم أحد بلوبي مساند للمافيا يعمل في قلبها، إذ منهم المشارك في عمليات التهريب المنظم إلى جانب المهربين، وخاصة في عمليات تهريب مواد الديزل والبترول والغاز، إذ يوجد منهم الكثير، فالكل يبيع حاجة الوطن، ليس من المقربين فقط بل ومن القادرين على التأثير حتى على مصادر القرار وعلى مدى العقود الثلاثة من عهد النظام السابق.
يتمكن لوبي التهريب من مراقبة عملائهم من الموظفين الحكوميين في صنعاء ومتابعة تحركاتهم ويملكون شبكة من العملاء مهمتهم التغطية على حركة التهريب هناك مسؤولين كبار أو داعمين عسكريين أو مدنيين أو أمنيين مهمتهم ممارسة الضغوط والتوسط للإفراج عن كل مادة من مواد التهريب الواصلة بحرا وبرا إلى أعماق الوطن اليمني أو الإفراج عن الأشخاص المقبوض عليهم وكذلك ممارسة أعمال التضليل من قبل الوسطاء إذا ما تم القبض على أية مركبة أو أشخاص في البحر من قبل القوات البحرية ومن ذلك مثلا المغالطة بأن هذه المركبة متجهة إلى الصومال وليست ذاهبة إلى اليمن بغرض التهدئة في التحقيق وإغلاقه بداعي أن هذه المواد مشتراة من الأسواق اليمنية، والمبرر قد يأتي بما يتناسق مع المادة المهربة، فمثلا إذا كانت المادة المهربة أسلحة إلى الداخل فإن المافيا المتعاونة تقوم بقلب الحقيقة لتثبت بأن الحمولة ذاهبة من الداخل نحو الخارج بهدف تخفيف الأسلحة الموجودة في أسواق السلاح اليمنية وإخراجها إلى الخارج.
أساليب التضليل لا تستخدم فقط داخل المؤسسات الحكومية اليمنية فقط، بل وعلى الأرض حيث يستخدم مثلا، بعض من مهربي الأسلحة عمالا من جنسيات يمنية واريترية وصومالية للعمل على مراكب التهريب ومرد التمويه هذا إلى كون مهربي الأسلحة مدعومون من قادة عسكريين في بلادنا ويحظون بدعم ارتيري من قيادات تقوم بتسهيل كافة الإجراءات للمهربين في المواني الاريترية، وما نأسف له أن بعض القادة العسكريين في بلادنا يعملون على ممارسة تهريب الأسلحة بكل سهولة ويقومون بالتضليل لمجرد قيام أية جهة أمنية أخرى بالقبض على حمولات أسلحة مهربة ويتم إغلاق ملف القضية دون معرفة خيوطها ومن يقفون وراءها.
نحتفظ بعدد كبير من الأسماء الحقيقية لأشخاص مافيا التهريب، وعدد آخر، من الأشخاص المتعاونين معهم ممن يستغلون مناصبهم الحكومية لدعم مثل هذه العمليات الحقيرة من القيادات العسكرية والأمنية، والاستخباراتية، والمدنية، تحدد بالتفصيل الدقيق كم يتقاضى كل واحد منهم من حصص مالية مع كل صفقة من عصابات مافيا التهريب، التي تمتلك ممثلين يعملون لها في الداخل والخارج، فثمة مؤسسات أو قطاعات عامة تعمل في إطار حماية مافيا التهريب، سواء كانت عسكرية أو أمنية مدنية ذات علاقة، أو استخباراتية، أو النقاط والممرات، أو الشخصيات الاجتماعية، أو الأشخاص المتواجدين في مناطق مرور التهريب، أو أسماء المندوبين لكل شخصية، وهذه الأسماء والمسميات محلية أما على مستوى إقليمي ودولي فهناك من المؤسسات والشركات العاملة مع لوبي التهريب سواء في الصين أو في جنوب السودان أو مؤسسات إسرائيلية وإيرانية واريترية أومن دول القرن الأفريقي، أما عن وسائل التهريب فإن كل مهرب يستخدم مجموعة وسائل لإيصال مهرباته وحفظها من ذلك السفن والقوارب والمخازن والأحواش.
لقد بلغت مافيا عصابات التهريب من الذكاء حد مراقبة اللوبي الخادم لها داخل أجهزة الدولة المختلفة، وليس تسخيرهم فقط وذلك عبر شبكة مخابراتية خاصة، ممن يتم استقطابهم في أوساط العمل في المؤسسات والمرافق العامة، والمعسكرات وتجنيد الأشخاص المقربين من القيادات والمدراء العاملين للمافيا، لذا يتلقى أفراد المافيا البلاغات أولا بأول عن تحركات القيادات العسكرية والمدراء، مقابل مكافأة بالإضافة إلى رواتب شهرية، مهمة الجميع، قادة، ومدراء، وأعضاء نيابات أو ضرائب أو جمارك أو ماليات، وجميع الجهات ذات الصلة، وموظفين ومخبرين، في المديريات، أو عواصم المحافظات، أو حتى لدى مكتب النائب العام، مهمتهم إطفاء قضايا التهريب، كل في موقع عمله، كل شخص يتقاضى راتبه إلى جانب المسلوم عن السفن التي يطلقون عليها «صنابيق».
المندوب المندوب، هو رأس حربة، أو شخصية، يتفق بشأنها عدد من المهربين، مع عدد من المسؤولين الحكوميين مدنيين وأمنيين وعسكريين، ممن لهم صلة برعاية التهريب، ليكون وسيطا بين الطرفين، لإيصال النسب المالية عن الصنابيق السفن المحملة بالمواد المهربة، وكذلك إيصال الرواتب الشهرية من المهربين إلى المسؤولين، بشكل منتظم لقاء حمايتهم والتستر عليهم في عمليات التهريب المنظمة داخل البحر وفي الساحل وشبكة الطرق الداخلية لليمن، وحتى تتضح المسألة، فإن لكل مسؤول يعمل في حماية المهربين من موقعه، نسب مالية يتقاضاها عن كل حمولة تقوم بإفراغها السفن السفن تسمى صنابيق الواصلة إلى الساحل كل يومين أو ثلاث والنسب هذه يحددها المندوب المتواجد نيابة عن المسؤول أثناء إفراغ الحمولات، وذلك بعد إبلاغه المسئول بعدد الصنابيق الواصلة، وإلى جانب حصول المسؤولين على النسب، يتقاضون رواتب شهرية يتفاوت حجمها حسب مقام المسؤول فمنهم من يتقاضى راتب شهري 3 ملايين ريال ومنهم مليونين ومنهم مليون ومنهم من يتقاضى مئات الآلاف، والمندوب قد يكون أحد المهربين، لكنه معتمد لدى طرفي المصلحة المهرب والقائد، والمندوب قد يمثل شخص بعينه في منطقة ما، أو قد يمثل مجموعة أشخاص في منطقة كاملة، ويتقاضى حصة من «المسلوم» فمثلا، المهرب «ع س ه» مندوب قيادات المخاء ومسؤولي محافظة تعز، ومن المندوبين في المخاء الشيخ «م ا ع» بالإضافة إلى «ع ر» الذي يعد مندوب خاص بقيادة كبيرة تعمل حالياً في صنعاء، ومن المناديب «ع ع ب» مندوب للقادة العسكريين في منطقة ذباب.
وحصل الموقع على كشف يضم أسماء عدد من القيادات العسكرية والأمنية والمدنية من المتعاونين مع المهربين في الساحل الواقع بين الخوخة والمخاء باب المندب مع تفصيل للرواتب التي يحصلون عليها من مافيا التهريب مع النسب عن كل سفينة.