العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    الرئيس العليمي: هذه أسباب عدم التوصل لسلام مع الحوثيين حتى الآن    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    التعاون الدولي والنمو والطاقة.. انطلاق فعاليات منتدى دافوس في السعودية    ميسي يصعب مهمة رونالدو في اللحاق به    الهلال يستعيد مالكوم قبل مواجهة الاتحاد    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    تجاوز قضية الجنوب لن يغرق الإنتقالي لوحده.. بل سيغرق اليمن والإقليم    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقدام مافيا التهريب على شاطئ المخاء (تحقيق)
نشر في المصدر يوم 18 - 02 - 2013

في المخاء لم يعد التاريخ سوى مسخ.. لقد استبدلت روائح البن العطرية وأريج التاريخ بعفن التهريب، لقد كانت كمدينة وميناء قديم مشهورة، ذكرتها النقوش الحميرية باسم (مخن)، فيها جرت معركة مشهورة تاريخيا بين الملك ذو نواس وجيش الأحباش كما دار صراع فيها بين البرتغال والعثمانيين، وأصبحت اليوم عشاً مهجوراً لمجموعة الدبابير.

جئت المخاء وروحي تسبقني إليها ربما حكايات أجدادي التي يتداولونها عن جدهم الأول الذي عمل مصدرا للبن عبر منفذ المخاء إلى خارج اليمن كان له أثر في اللوعة العاصفة لزيارة هذا المرفأ المشهور عالميا منذ القدم بتصدير البن حتى أن الأجانب اسموا القهوة باسم المخاء (موكا). في هذا التحقيق المطول الذي ينشره «المصدر أونلاين» الحلقة الأولى منه، نحاول البحث في عمليات التهريب في منطقة المخاء الواقعة أقصى جنوب غرب اليمن.

في مواجهة جديدة، أو ثالثة، قد تكون هي الأعنف مع قوى الظلام، من المهربين والمتعاونين معهم من قيادات أمنية وعسكرية ومدنية ومؤسسات حكومية، يظهر عبد الواحد على العمراني، رابط الجأش لم تهزه التهديدات الساخنة، أو الإغراءات الناعمة بالمال، وهذه المرة حاولت شكواه المرفوعة إلى المحافظ شوقي هايل أن تحكي بعض أرقامها قصة ضياع مخزون وطني هائل من الأموال التي تتكبدها خزينة الدولة والتي تبلغ سنويا قرابة «18 مليار ريال».

الوضع بائس في مجتمع المخاء ومعظم قرى المنطقة بدون كهرباء وبدون ماء ووحدها بيوت المهربين «مسرّجة»
سر عودة الحماس لإثارتها يعود الى نجاح ثورة التغيير وتسلم الرئيس هادي مقاليد الحكم ما أعطى العمراني ومجموعة من الوطنيين حافزاً لوضع حد لمافيا التهريب وتصحيح وضع الساحل الغربي وخشيته فقط أن تصل الثورة إلى مقبرة التهريب كما وصلت إلى مقبرة الشهداء، كما يقول. لقد كانت شكوى العمراني مفتتحا لبحثنا في هذا التحقيق في طبوغرافيا المكان والإنسان لمعرفة أسرار استكانة الناس في المكان وسكوتهم عن التهريب وعصابات المافيا التي تقف وراءه كقراءة أولية للدخول في قراءة شاملة عن التهريب والمهربين في تحقيقات قادمة، دخلت المخا وبعض المرافئ الساحلية الأخرى في الظاهر ككاتب استطلاعات زمكانية (تاريخية سياحية) كي أتمكن من التحرك بعيداً عن العيون المتربصة وانجز تحقيقاً عن التهريب.

منطقة التهريب
ربما السواحل اليمنية كلها غارقة في عمليات التهريب المختلفة، ومع ذلك يختلف التهريب فيها عن التهريب الأشد كثافة وخطورة في المنطقة الواقعة على الساحل الغربي ما بين المخاء وباب المندب بالإضافة إلى موانئ الخوخة و»يختل» والسبب إطلالة هذا الساحل على القرن الأفريقي (الصومال وجيبوتي واريتريا)، هذا إلى جانب امتياز مدينة جيبوتي بمينائها الحر الذي لا يجري فيه تفتيش المنتجات التي تحملها السفن إلا في حال إبلاغ الدولة الجيبوتية بوجود أسلحة، ولذا يسهل تمرير بضاعات ممنوعة هناك دون عناء وسوق اليمن أخصب الأسواق، كما أن نظام الفوضى الذي تعيشه الصومال وموانئها المفتوحة، يتيح للمهربين اليمنيين التعاقد مع عدد من الصوماليين لإيصال بضائعهم المهربة حتى ميناء المخاء والمراسي المجاورة، والموانئ الساحلية الأخرى، بالاضافة الى تعاون جهات رسمية في اريتيريا للمهربين للعبور بمهرباتهم، هذا إلى جانب أن معظم المخدرات يأتي بها المهربون من السودان المتصلة بدول القرن الأفريقي هذه بعض الأسباب القوية لاختيار هذا الساحل لتنفيذ عمليات التهريب، الموقع الاستراتيجي للساحل أدى إلى استفحال التهريب فيه واستفحال المهربين الذين جاوز ثراؤهم حدود اللامعقول.

ادخل المخاء بصفتك صياداً، فالمهربون يمارسون رقابة شديدة على الزائرين، وينظرون إلى الصحفي كعدو
كن مخبراً
عندما فكرت بالذهاب إلى مركز أو وكر التهريب (المخاء وعموم الساحل) لمعرفة بعض الحقائق لم أكن أتصور وجود عوائق، لكن يبدو أن لا مجال للتصرفات العفوية في هذا المكان الساحلي، هناك حذر من عواقب وجود كاميرا مثلا، أو كل ما يشي بوجود صحفي، قال لي أحد الأصدقاء اذهب بصفتك صياداً، أو زائراً لصديق: لا تحتاج لكاميرا لأن أمرك سرعان ما سينكشف، فرقابة المهربين شديدة، ومخابراتهم أقوى من مخابرات الدولة، ستشعر هناك بأن الجميع موظفون لدى مافيا التهريب، وللحصول على المعلومة عليك أن تكون مخبراً لا صحفياً «لقد صار الصحفي بالنسبة لهم عدواً خاصة بعد أن نشرت إحدى الصحف في وقت سابق أسماء من أدلوا لها بمعلومات عن تهريب الديزل فلاقوا أشد المهانة والتعذيب والقهر على يد المهربين».

مهما حاولت فإنك لن تشعر في هذا الساحل بوجود شيء مخل بالنظام أو القانون لأنه ليس ثمة من قد يشعرك من السكان بذلك، الحياة تسير بتلقائية، الكل يتعامل مع الغريب بحذر وحيطة، لا أحد يكلمه إلا فيما ندر شريطة أن لا يكون له دخل بالبحث عن معلومات تتعلق بالتهريب، فالتهريب حسب من تلقاهم هناك ليس له من وجود البتة- لهذا لسبب لن يشعر القادم الى هناك بتاتا بوجود شيء يحدث إلا إن أتى وعنده معلومات سالفة، والسبب صمت الأهالي المطبق عن مثل هكذا أعمال أضف إلى أن حركة التهريب، كانت في السابق - تعتمد بدء حركتها في زمن ما بعد منتصف الليل، وقد تجاوز المهربون نظامهم هذا، فبعد الانفلات الأمني الذي شهدته فترة الثورة الشبابية والفوضى التي تسبب بها الانقسام الأمني والعسكري منحت العصابات لنفسها فرصة للعمل ليلاً ونهاراً.

هناك حركة نشطة والمراسي البديلة عطلت الميناء المركزي بالمخاء وهي مراسي مهملة ولا تصل إليها الدوريات الأمنية
وطن الظلمة
السكان في هذه المنطقة يجبرهم الفقر على التعاطي مع هذه المشكلة بتساهل شديد لدرجة ان تهريب الممنوعات بات عندهم امراً طبيعيا، وكل ما يهمهم هو الحصول على عمل لدى زعماء عصابات التهريب كي يقتاتون منه، والذين يشغلون الجميع لديهم كعبيد بأدنى الأجور.

تجرأ أحد الشباب ذات يوم وقام بالابلاغ عن عمليات تهريب ليفاجأ بسجنه من قبل قوات عسكرية تتمركز في ذات المنطقة، يقول: «المصيبة أن من قام بسجني هم قيادات عسكرية، وليس عصابات التهريب».

الخوف والهلع والشك هنا هو سيد الموقف، الكل ينظر إليك بريبة، الكل يعتقدك مخبراً تعمل ضد مافيا التهريب، عامل الشك والخوف من التصنت يدفع للشك حتى بالمتسولين فأحد المتسولين لا يدري أثناء مد يده لماذا ربط وأدخل في شوال ليرمى به في أحد السواحل، لذا كان الكل يجتهد ليبلغ عنك قيادات المافيا، لأن الكل يخافونك ويعتبرونك بذات الوقت مصدراً جديدا للكسب والحصول على لقمة عيش، هم يتقاضون مبالغ مالية تسديها المافيا جراء البلاغات عن كل حركة أو وجه جديد يدخل المنطقة، فبقدر ما يعطي المواطن من معلومات يعطى مالاً، لم يعد الخوف وحده من يدفع للصمت أو إنكار السكان ورفضهم الإجابة عن سؤال: ماذا تعرف عن عمليات التهريب في هذه الموانئ؟ إذ التهريب صار مصدرا أكثر من ملائم للحصول على المال، جراء العمل المستمر لدى عصابات التهريب، من خلال إنزال الحمولات أو رفعها من وإلى السفن والقوارب، أو مساعدة المهربين داخل البحر وأشياء أخرى، ومن يحاول المساس بالمهرب كأنما يحاول المساس بأمن حياتهم الغذائي وشريانهم الحياتي، لهذا ينكرون، بل ويدافعون عن شرف المهربين، لأنك في نظرهم ليس أكثر من قاطع أرزاق حتى الأطفال يعملون في التحريات وجمع المعلومات ويموهون، ولا يتحدثون بالحقائق بل يجيدون المغالطات وبذكاء كما حدث مع طفل الجديد الفار من أمام عدسة كاميرا التصوير.

يلتزم السكان المحليون الصمت ويبحثون لأولادهم عن عمل عند زعماء عصابات التهريب
امتهان بشري
قد يتساءل أي منا عن أسرار أخرى للكتمان غير سبب الحصول على المال؟ ليجد أن أهم الأسباب صنعتها مجموعة من الأحداث التي قامت بها عصابات التهريب والتي كانت سببا في صناعة نفسيات السكان وإعادة تشكيل السلوكيات الاجتماعية لتصبح غير سوية، فالعصابات اعتمدت على قهر الأشخاص المناوئين، وبمساندة قيادات عسكرية وأمنية، ومشائخ وشخصيات اجتماعية مستفيدة، حتى وصل الأمر بالمواطن درجة التسليم بقدر عصابات التهريب كواقع قوي لا يمكن تجاوزه أو المساس به، فالمواطن يعلم مسبقا أنه قد يدفع حياته جراء أي تصريح ولو بسيط عن التهريب لذا يفضلون الصمت لدرجة الشعور، بأن لا قيمة للحياة هنا، فالكل - ماعدا المهربين - في حكم الميت، لأنهم فعلياً يعيشون لحظات موت محققة، فأهم أساليب القهر الأساسية للمهربين، اتباع أسلوب القتل بدم بارد، أو السجن، أو إثارة المشاكل حول الخصوم وإلصاق التهم، ولضرب أمثلة على ذلك نحتاج لمؤلفات لنشر قصص أليمة ليس أقلها وأهمها إسقاط عقوبات القتل في حق كل من يشكل خطرا، أو تتوهم العصابات خطره سواء كان من المواطنين أو من رجال الأمن الشرفاء وتعتمد العصابات على تنفيذ أعمالها الإجرامية على أكثر من أسلوب، من ذلك القتل المتعمد أو الحوادث المرورية المدبرة ولهذه الأساليب أكثر من قصة يستحضرها بعض أبناء الساحل من الشباب إذا ما تأكدت ثقته بك - رغم أنهم لا يعطون معلومات للغرباء عدا فيما بينهم - أو اعتمدت مع البعض الآخر أسلوب خداعي يعتمد على التقية والإيهام، وإبداء تعاطفك الكبير مع قضايا المهربين وهذا يقربك من البعض الذي يبدأ إيراد قصص يعدها بطولية لأشاوس المهربين ضد أعدائهم وقد يرويها بعض ممن قاموا بتنفيذ أو مساندة بعض العمليات، يحكي (ع. س) أن أحد المشايخ المساندين للتهريب وجه مجموعة بقتل عنصر أمني في منزله ليتخلص من شره الذي يتوقع، قائلاً «اعملوا أجر لله، اقتلوا فلان لأنه يشغلنا» المجموعة نفذت العملية، ولكن عمليتها لم تؤد إلى مقتله، أصابته فقط، لذا دفع لهم من مائة ألف معاتباً: «أخطأتوا الهدف»، وكلف مجموعة ثانية للإجهاز عليه في أحد المستشفيات، فنجحت العملية وأعطاهم مبالغ أكبر، هذا الشيخ شخصية مرموقة في الدولة وسبق وتناولت له الصحف عدداَ من القصص الوحشية، المشايخ في تلك المنطقة يعملون لصالح المهربين حفاظاً على لقمة عيشهم أيضاً كالمواطنين تماماً، مع التفريق بين كيفية حفاظ المواطن على لقمة عيشه وكيفية محافظة الشيخ عليها كل بحسب مقامه وقدراته.

الكل ينظر إلى الوافدين بريبة لدرجة أن أحد المتسولين ألقوه في «شواله» ثم ربطوها وقذفوه إلى الساحل
قصة شاب آخر جاءوا به مقتولاً و رموه في الساحل ورشوا جسده بماء النار (الأسيت) لتشويه ملامحه، ومن ثم دفنوه، الجندي الشريف أيضاً ليس بمنأى عن الاستهداف فحوالي 17جندياً من قوات البحرية قتلوا في السواحل القريبة من المخاء، وكذلك ما بين العشرة والعشرين قتلوا في ذباب دون أن يحدد من القاتل، وقصص أخرى يشيب لها الولدان حتى صار طبيعياً أن يرى السكان القتلى ولا يسالون بأي ذنب قتلوا؟ أما الحوادث المرورية فحدث ولا حرج، فحسب البعض، أن أكثر من 16حادثة مرورية في منطقة الكدحة فقط، وأكثر من عشرة ماتوا خلال شهري شعبان ورمضان فقط فكيف بقية أشهر العام؟ أساليب القتل تضاف لأساليب التعذيب الوحشية المختلفة، هذه أمثلة بسيطة للبرهان فقط، وأما عن أساليب التعذيب وإثارة المشاكل حول الأشخاص فهناك أمثلة ونماذج كثيرة لا تعد، منها أن أحد المواطنين كان يعمل مندوباً للعمال قام بطلب زيادة رواتب لهم، فقام المهربين بفتح مشكلة له، وسخروا له شخصاً غير قريب ولا وارث أدعى بالمحكمة وراثة غنم من جده المتوفى من أكثر من خمس سنين وبأموال المهربين، حصل الوريث المزور على حكم وراثة ابتدائي من محكمة موزع، هذا أنموذج لإثارة المشاكل وإشغال من يحاول المساس بهم، حتى وصل بهم الأمر حد استخدام السحر، أو محاولات شراء الذمة، ومن ذلك إيقاف موظفين عن وظائفهم ليتحولوا إلى مجرد عمال عاديين، كإلغاء وظيفة شخص يدعى «أبو رامز»، ومحاربة البعض في أرزاقهم، كما عملوا على إلغاء مكافآت عدد من موظفي الدولة، كانوا يتقاضونها مقابل تقديم خدماتهم عن طريق عدد من أياديهم النافذة في الجهاز المدني أو العسكري، ومن يقومون بمهام الدولة هناك فهم في واد آخر لا علاقة لهم بالمهام التي هم مكلفون بها، فمصالحهم مقدمة على كل شيء، لذا فهم أول من يتعاون مع المهربين بحسب أبو سهيل، ويضيف «الدولة لا تستحق أن نلجأ إليها، لأنها أول من يقف ضدنا، وأول من يجلدنا ويهيننا ويسجننا إرضاء للمجرم».

يخافون الله
ذات يوم تجرأ شاب وأبلغ عن شحنة مهربة فزج به القائد العسكري إلى السجن جزاء ذلك
المهرب كإنسان وعبد لله فهو إلى جانب التهريب يخاف الله كثيرا، وهذا ما لحظناه خلال الزيارة، فكبير حيتان البحر الحاج (ز.خ) مثلا يحج سنوياً ولا يشرب الخمر رغم أنه أعظم موردي الخمر على الإطلاق، بل وكبير مهربي أنواع البضائع والمخدرات، أما المهرب (ع ح م) فقد دفعته تقواه لينفرد بتسمية زورق التهريب الخاصة به باسم «ما شاء الله «ليقيها شر حاسد إذا حسد، بل لقد وصل به ورعه لتذكير الناس بأهمية الصلاة على رسول الله، إذ ستجد ذلك مجسداً بالقرب من جانبي الباب الشرقي لحوشه الخاص بحفظ أنواع البضائع المهربة، فقد كتب وكرر جملة «صلوا على النبي «، أما أعلى الباب الشمالي للمنزل الذي يقع داخل الحوش فقد سجل «يا داخل الدار صلى على المختار «، أما ما شد إعجابي أكثر زاهد من المهربين يدعى (ع ط) يعمل في مصنع بالخارج للخمور فقد بنى في قريته الكدحة مسجدين متجاورين لا يفصلهما سوى مترين لم أدر سبب ذلك.. وأنعم بتقوى المهربين، فهم أيضا يجسدون تقواهم في واقع الناس أيضا، إذ أن معظم منطقة «واحجة» جنوب المخاء الكبيرة والمبعثرة قراها هنا وهناك ذات المساحات والأراضي الشاسعة ويدخل فيها الكدحة أيضا، لا توجد فيها كهرباء إلا في بيوت رموز التهريب الذين يستخدمون المولدات فيما تعيش كامل قرى منطقة واحجة ظلاما دامسا، فيما المخاء بكهربائها العمومية التي تغذي الجمهورية اليمنية كاملة، لا تبتعد عن واحجة سوى سبعة كيلو مترات تقريباً، وقد تم إيصال الكهرباء لمناطق خارج المخاء ابعد بكثير من واحجة كمنطقتي يختل -20 كم- شمال المخاء، والظرافي والثوباني - 25 كم - سر زهد كبار المهربين - والى جانبهم أعضاء المجلس المحلي العاملين في التهريب أيضا- عن توفير الكهرباء للمنطقة يكمن في رغبتهم بعزل المنطقة وصرف الأنظار عنها حتى لا تكون جاذبة للسكان ويزحف العمران إليها وتصبح حية فتفضح تهريباتهم، هم يريدون العمل بهدوء تام، وعند انتظاري للشباب الذين أمدوني بمعلومات بقيت داخل إحدى عشش وادي واحجة الفسيح ما يقارب ساعة ونصف تحت جنح الظلام حتى يكتمل حضور الشباب ومن ثم جرى توصيل مصباح كهربائي ببطارية دراجة نارية وهذا هو حال الجميع في واحجة، أما مشروع ماء واحجة فهو مجرد هيكل إسمنتي لا يوجد فيه شربة ماء والحاصل أن كل مواطن يحصل على 200 لتر ماء من الوايتات بسعر يصل من (500 - 1000 ريال).

مرافئ جديدة للتهريب
يشغِّلون الناس لديهم كعبيد وتبدأ حركة المهربين تدب بعد منتصف الليل
ميناء المخاء كميناء هام وشهير، وواجهة بلد ومزار سياحي لتاريخيته، لجأ بعض المهربين في فترات ليست ببعيدة لاستبداله بموانئ مستحدثة هي عبارة عن قرى ساحلية كالكدحة وواحجة خارج المخاء أو «الجديد» في ذباب، لتتكشف خطورة المهربين في الاستبدال لأجل التغطية وعدم لفت الأنظار، حيث جرى إيقاف إدخال بضائعهم رسميا من المخاء، لتحل محلها الموانئ المذكورة التي لا تبتعد عن المخاء سوى مسافة لا تزيد عن 7-12 كم جنوبا، وإلى جانب هذه الموانئ يجري التهريب عبر موانئ «الخوخة» و«يختل» شمال المخاء و«ذباب» و«باب المندب» جنوبا، لكن أخطر هذه المراسي البديلة مراسي «واحجة» كمرسى «عينة» ومرسى «التانكي» ومرسى «الرباح» وكذلك مراسي ذباب كمرسى الجديد وذباب ورأس عيسى، ليجرى توزيع مهام رئيسية لكل مرسى تتمثل في تخصصات في نوع أو أنواع من مواد التهريب، فيتركز تهريب الديزل والسموم والسلاح والمخدرات والمواد الكيماوية، في مراسي «واحجة» إلى جانب أنواع المهربات وفي مراسي ذباب يتركز تهريب البشر والديزل وأنواع البضائع المهربة.

المراسي البديلة للمخاء والتي أدت إلى تعطيله، رغم حراكها التجاري المستمر، إلا أنها تقع تحت خط الإهمال المتعمد من الدولة وكأن ثمة خطة متعمدة لجعلها بعيدة عن الأنظار، ليتمكن زعماء التهريب لممارسة أعمالهم بكل أريحية دونما أدنى رقابة، فكما يفيد الأهالي، بأن لا أحد يسأل عنها من جهات الدولة المسئولة، لا خفر سواحل ولا أمن ولا قوات بحرية، الخ فالدوريات الأمنية أو العسكرية لا تصل إلى هناك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.