وسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات هي أدوات للمعرفة تبحث وتكشف المشاكل وتقدم لها الحلول الواقعية والمنطقية وتقود المجتمعات من خلال رفع الوعي لديها للمساهمة في حلها إلى جانب السلطات الحاكمة، لكن هناك من يريد تحويلها اليوم إلى مجرد غرف خاصة وتابعة للأجهزة الأمنية أو أدوات عصبوية، تحرض الناس ضد بعضهم البعض ،وتؤلب جهة على جهة، تشعل الحرائق وتثير الفوضى في كل مكان. أشعر بالحزن تجاه هذا الانحطاط المزري الذي ارتضى البعض لأنفسهم فيه الاشتغال بذهنية المخبر ورجل الشرطة.. بدلاً من المثقف والمفكر الذي يقدم المعرفة للناس للنهوض بوعيهم ومن ثم بالمجتمع.
معاناة الوطن العربي طوال العقود الماضية كانت مع هذه الذهنية التي عطلت أدوات الفكر والمعرفة والإبداع وأغرقت المجتمعات في الفوضى والفساد والاحتراب لتصنع بذلك معيقات وكوابح كبيرة أمام مشروع النهضة العربي.
الربيع العربي..أمام تركة ثقيلة معقدة ومركبة.. وإنجاز مشروع النهضة بحاجة إلى تحرير العقول أولاً كي تتمكن من فتح أبواب المعرفة وآفاق النهضة والتحول أمام الشعوب، لا أبواب الحرائق والاقتتال والسجون!!
الذهنية القديمة.. ذهنية الإقصاء والاستحواذ والاستفراد هي التي تقاوم اليوم عملية التغيير من خلال رفضها حل مشاكل الناس وإيجاد حلول عادلة للقضايا الوطنية.. تناقض نفسها إذ تتحدث عن مشروع كبير وترفض استيعاب الشعب في إطاره.. فكيف يمكن أن يكون هناك وطن آمن مستقر في معادلة مختلة وغير متوازنة وطبيعية وآلة قمع تفتك بالناس كلما رفعوا أصواتهم يطالبون بمواطنة وعدالة.
الحديث عن المشاكل يكاد يستنفد الوقت والجهد.. الأفضل البدء بالحديث عن الحلول والتخلص من المخاوف والهواجس المعطلة لعملية التغيير والتي تتحول إلى معيقات تكبل أصحابها وتعيق نهوض المجتمع والأمة.