ما إن بدأ قلب صنعاء يكف عن الخفقان، ويختفى ذلك الوميض شيئاً فشيئاً من ساحة التغير والمشبع بلوحة ما عرفت اليمن مثيلا لها منذ عقود، حينما قرر الشباب أن يصنعوا مجداً لهذا البلد المنهك وأن يقتلعوا جذور طاغية وان يقطعوا أشواكه الممتد حول الوطن. خرجت اليمن بعدها بلون الفقر مثخنة بجراحات تحتاج إلى زمن طويل لتتعافى منه. وإذا كانت التراجيديا السياسية التي خلعت على صالح من سدة الحكم وأبقته جسداً مزعجاً على الساحة السياسية ينغص ما استطاع إليه سبيلاً في إقلاق وصناعة الأزمات رغم الإشارة الدولية التي أعلنت اسمه جهرا برفقة البيض أنهما معيقا التسوية السياسية في البلاد التي أرعبته، لكنه ومع ذلك هرب إلى الأمام ليبدأ تحالفاً واضحاً وفاضحاً مع أعداء الأمس، حراك البيض وحوثيي إيران، والانتقال بهم من الشعارات (والمظلوميات) إلى أعمال عنف وتخريب.
وتناسى هو نفسه خطه الأحمر في الوحدة ليبدأ الحديث عن الحقوق والحريات التي كان يذبحها في عهده في اليوم ألف مرة. وإذا كانت الأطراف الثلاثة تمثل اليوم محور شر تهدد مسيرة اليمن نحو التغيير فإن حساباتهم لم تكن دقيقة، فيمن اليوم غير الأمس، والحالة السياسية والنضوج الذي اكتسبته القوى السياسية الوطنية يؤهلها لإخراج البلاد من أزماته.
صحيح أن هناك ماراثون بين محور الشر(صالح. البيض. الحوثي) والقوى الوطنية، كلما اقترب موعد الحوار الوطني والهدف أن لا يصل اليمنييون إلى طاولة الحوار لحل مشاكلهم، لذلك نرى سرعة وتيرة العنف في الجنوب، وقد نشهدها في بعض المحافظات الشمالية أيضا، إلا أنهم في اعتقادي أبطال من ورق وسيبقون من ورق تفنيها وتنثرها رياح التغير، ودكاكين بيروت لن تجدى بضاعتهم لأنها في الأصل فاسدة وغير قابلة للانسجام والاندماج في جسد الوطن، فالبيض الذي بعث بأصابع قوى خارجية لا يملك إلا صوتاً أبله هو صوت الإنفصال، وهو صوت مبتور ليس له محل من الإعراب في مفردات اليمن الجديد.
والحوثيون الذين تبنوا تصدير الثورة الإيرانية بشعارات السبعينات أيضا لن تجدى، وأذكر رافعي هذه الشعارات (الصرخة) أن حركة أمل الشيعية اللبنانية رفضتها في ثمانينيات القرن الماضي، وقالت حينها إنها حركة لبنانية بمفردات لبنانية وليس إيرانية، رغم صلاتهم المذهبية، ليتم بعد ذلك تأسيس حزب الله الذي رفع الشعار وقبل التبعية الإيرانية.
ورغم استمراره منذ التأسيس بمقاومته للعدو الصهيوني وإن كان بصبغة مذهبية وكان يردد دائما أن سلاح الحزب موجّه للعدو الصهيوني حتى تغيّر مفردات المنطقة وتحول سلاح الحزب إلى اشقائهم في سوريا. إلا أن الحوثيين منذ البداية وجّهوا سلاحهم ضد أبناء الوطن من قتال نظام صالح إلى التحالف معه الآن، بسيناريوهات باهتة ومبتذلة.
إن صالح المخلوع اليوم يلبس قناع الفضيلة ويقود ذلك التحالف كعادته وسيبحث عن أوراق أخرى إذا فشلت، وكما هم يعيشون بأوهام (مقدسة) هو أيضا يعيش أوهام (الزعيم)، ومن ظن أن للثعلب دينا فهو مخطئ.
وبما أن اليمن بلد استثنائي بكل المقاييس، فالتاريخ لا يعيد نفسه في اليمن، فلم يعد يعيش البلد في عزلة إقليمية ولا دولية، فالعالم اليوم غير الأمس، والتجاذبات السياسية ومقتضيات المصلحة تختلف عما كانت عليه في السابق، ومشاريع صالح المخلوع لن تقدم أي بديل سوى الدمار وإنهاك البلد وتقوية الإقليم وجبروته وفرض مفرداته.