لا أستطيع أن أتخيل شيئاً غير النجاح لمؤتمر الحوار، أو أنني لا أريد أن أتصور شيئاً غير ذلك. عندي من الهواجس ما يكفي لإحالة هذا المساحة إلى سواد معتم، ولا أنا ولا القارئ بحاجة إلى ذلك بعد يوم واحد من انعقاد المؤتمر، أخشى فقط من أولئك الذين يقولون إن النجاح شيء مؤكد، هؤلاء المفرطون في الثقة والحازمون جداً يثيرون المخاوف والشكوك. الذي أعرفه أن التحديات لا تُحصى وقرارات التهيئة لم تأتِ كما كان يأمل كثيرون، والقضية الجنوبية وتمثيلها لا تزال عقبة حقيقية، وبعض المشاركين في الحوار مجرد ألغام أو عائلات تثير اليأس والغضب، لكن هل هذا كل شيء؟ بالتأكيد لا. وثمة ما يدعو للتفاؤل والرغبة في استمرار الحلم وإمكانية تحقيقه.
السؤال: ما الذي يمكن لمواطن عادي مثلي ان يقرره تجاه مؤتمر سيتوقف عليه كما يعتقد مستقبل بلده وأولاده؟ والجواب: أن يراقب ويدفع باتجاه ما يراه صحيحاً، وأن يتوقف عن التبرم والشكوى، وهذا ما أفعله، لأنه لا يمكن أن يدير المرء ظهره للحوار ويتأفف فحسب.
أما إذا سألتني عن الذي كنت أرجوه فسأقول: أن يكون هناك تجمع موازٍ لمؤتمر الحوار يتجمع فيه الأصدقاء الذين أحب أن أكون إلى جوارهم، شيء شبيه بما كان يدعو له المحامي هايل سلام وهو يدعو لمبادرة وطنية تحمي فكرة التغيير الذي استشهد ابنه وهو يحلم به، والآن أتلفت ولا أجد شيئاً سوى كتابات جريئة وأصوات ذكية في الفيس بوك وهذا شيء جيد، يجعل المرء يشعر أنه ليس وحده، وأنه يستطيع أن يستمر ويناضل، حتى وإن كانت كلمة النضال هنا مجرد كلمة مفردة باهتة لا ترتقي إلى مكانة النضال الحقيقي.
ثم إني لا أستطيع الادعاء بأنني أناضل، في الكلمة شيء من التبجح، وكثير مما أكتبه مجرد خواطر ووصف للمزاج من مكان بعيد، بدون معلومات أو مصادر حقيقية أقول من خلالها أسراراً جديدة، غير أنني في كل مرة أظن أنني أكتب لقارئ قد يجد نفسه في ما أكتب، مثل أن أقول له: "إننا نشترك في نظرتنا لهذا المؤتمر ونستطيع أن نتفاءل معاً ونؤثر بطريقة ما".
لكن كثيرين من جيراني في وصاب لا يحسون بالارتياح تجاه مؤتمر الحوار لأنه تجاهلهم.
لقد كتبت كثيراً من القصص الجيدة والملهمة عن جيراني الوصابيين في هذا العمود، ولا يوجد واحد من بينهم سيكون اليوم حاضراً في مؤتمر الحوار الوطني. الأحزاب وقائمة الرئيس وممثلو منظمات المجتمع المدني والمرأة والشباب، جميعهم نسوا الكتلة البشرية التي تزيد عن نصف مليون بني آدمي في وسط البلاد ولم يعرْهم أحد أي اهتمام.
أشعر الآن أن ثمة وصابياً جميلاً وبسيطاً ومثقفاً يسير في شوارع صنعاء ويسأل نفسه لماذا لم يخطر في بال الرئيس وهو يختار الغادر أو الشايف أن يختار شاباً من وصاب ويخلي "الشَّيَبَه" الذين مثلوا الإمام في مؤتمر المصالحة الوطنية قبل عقود "يربخوا" في بيوتهم؟
يشعر بالأسى ويتذكر بحرقة أن كثيراً من أبناء منطقته قضوا في ساحات الثورة ولا يتذكرهم اليوم أحد، "حتى أنت يا عبده" كما كتب الصديق محمد جبران مشيراً للرئيس عبد ربه منصور هادي.
صحيح إنني أشعر بالحزن على أسماء كنت أتمنى أن أجدها في قائمة الحوار الوطني لكنني لن أتوقف طويلاً، أردد مقطع الأغنية الحمينية: "شُلّوْه لكم واحنا عايدّيْ الله" وأتجاوز ذلك إلى ما أظنه أهم، لا أريد التورط في الدفاع عن تمثيل أبناء منطقتي في هذه اللحظة.
ما ينبغي الاهتمام به في الزمن الراهن هو نجاح المؤتمر وعندما ينجح ولو بالحدود المعقولة فسوف يمهد الطريق بعد ذلك لأن يجد الوصابي مكانه الطبيعي في أي مكان يعتقد أنه يستحقه.
قلت سأتجاوز جاري الوصابي لأتحدث عن كل اليمنيين، فأتذكر الجهد العظيم الذي قام به الأعضاء في اللجنة التحضيرية والأمانة العامة، لقد نجحوا بشكل جيد خلال الفترة الماضية وأنجزوا ما يستحق أن يُشار إليه، وبالنسبة لي فإن النجاح في التحضير والإعداد والحشد للمؤتمر سيكون مؤشراً على استمرار خطوات النجاح.
أضيف في الأخير إن انعقاد المؤتمر ونجاحه لا يعني كل شيء، مجرد بداية لكنها ضرورية ومهمة لمساعدة اليمنيين في السير على طريق الدولة الحقيقية.