تستحق سوريا أن تلحق بركب الربيع العربي فيما يتعلق بتغيير النظام المستبد وتمكين شعبها من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، غير أن هذا الطموح يبدو الآن بعيد المنال في ظل اختلاط الأوراق وتعرض الثورة السورية لانحراف خطير يتعلق بانخراطها في مستنقع العنف والإرهاب، حتى وإن كان من باب ردة الفعل لا أكثر، ذلك أن قيمة الثورة الشعبية العربية في مصر وتونس واليمن كانت في سلميتها قبل أي شيء آخر، وبالسلمية اكتسبت هذه الثورات مشروعيتها في الداخل والخارج على عكس ما يجري اليوم في سوريا، وما حدث قبلاً في ليبيا. تخلصت ليبيا من ديكتاتور عتيق، وتراجع الجدل بشأن التدخل العسكري المساند للثورة هناك، بيد أن الوضع في سوريا مختلف وبفارق كبير، نظراً لدخول إسرائيل على الخط، حتى وإن قال البعض إنها في عدوانها لا تستهدف رأس النظام نفسه.
القراءة الأولية تقول إنه ليس من صالح الكيان الصهيوني الاعتداء على دمشق، في الوقت الذي باتت سوريا غارقة في مستنقع الحرب الداخلية، وهو ما دفع البعض إلى الزعم بأن العدوان الصهيوني جاء بهدف دعم بشار الأسد ورفع شعبيته في المنطقة، في تفكير ينطوي على منطق أعوج يرى الواقع في سوريا اليوم من زاوية واحدة، وتدفع صاحبها إلى تبرير العدوان الصهيوني، ما دام أنه سيخدم الثورة السورية، من وجهة نظره بالطبع.
ليس الحسم الثوري هدفاً في حد ذاته خاصة إذا كانت سبل تحقيقه محفوفة بالكارثه، وهذا سر قبول الثورة اليمنية للحل السياسي، والذي من خلاله جرى إنعاش بقية النظام السابق، والتعامل معهم سياسياً كأمر واقع، وعلى قاعدة أن التغيير غدا واقعاً هو الآخر.
لعل هذا ما تحتاجه سوريا، لولا أن أعداء دمشق وجدوا في الثورة فرصة لإضعاف الدولة السورية، وتأمين حدود إسرائيل، بإشغال دول الطوق بصراع داخلي مشوب بفتنة طائفية يصعب كبح جماح تداعياتها على معظم الدول العربية، التي وإن كانت تعيش صحوات شعبية إلا أن غالبية النظم الحاكمة فيها ما تزال مرتهنة لقوى الهيمنة ومنخرطة في أجندتها.
من منظور أشمل يبدو لي أن سوريا الشعب والدولة والثورة، هي ضحية للصراع الإقليمي والدولي، فالإنحياز الصيني/ الروسي إلى جانب النظام السوري يأتي بهدف التصدي للمشروع الأمريكي في المنطقة، ومحاولة للاستفادة من المواقع التي خلفها الانسحاب الأمريكي من العراق، وبوادر سياسة الانكفاء إلى الداخل إثر الأزمة المالية التي استهل الرئيس أوباما عهده بالعمل على إحتواء تداعياتها.
ثمة تعددية قطبية تلوح في الأفق، وستكون سوريا مسرحاً لإعلان التحول الجديد، أو استئناف واشنطن للعب دور الامبراطورية مجدداً على النحو الذي شرع فيه المحافظون الجدد في زمن بوش الابن. وعلى هامش هذا التحول تسعى إيران لكي تغدو القوة الإقليمية المهيمنة، مقابل الكيان الصهيوني الذي لا يستطيع البقاء دونما دعم خارجي.
والسؤال أين المشروع العربي اليوم؟.. وإذ لا إجابة ، فإن لسوريا ما بعدها، وما العراق عنا ببعيد!