في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    الأحزاب تثمن استجابة التحالف لطلب القيادة اليمنية وترحب برسالة وزير الدفاع السعودي    القضاة ليسوا عبيدًا في مكتب أحد، والوظيفة القضائية لن تكون الوجه الآخر للعبودية    ضبط مصفاة نفط جديدة غير قانونية لمتنفذ يمني في خشعة حضرموت    الاعتراف بارض الصومال.. ما هي الأهداف الإسرائيلية الخمسة؟ ولماذا السعودية ومصر أبرز الخاسرين؟    قبائل ساقين في صعدة تؤكد الجاهزية لأي تصعيد    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    الافراج عن اكبر دفعة سجناء بالحديدة تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    المبعوث الأممي يعلّق على أحداث محافظتي حضرموت والمهرة    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    أمن محافظة صنعاء يدشّن خطة البناء والتطوير    الصين: صناعة الذكاء الاصطناعي الأساسية تتجاوز 142 مليار دولار في عام 2025    ندوات ووقفات نسائية في حجة بمناسبة عيد جمعة رجب    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    استجابة لدعوة انتقالي لحج: احتشاد نسوي كبير لحرائر الحوطة يطالب بإعلان دولة الجنوب العربي    اجتماع برئاسة العلامة مفتاح يناقش آلية تطوير نشاط المركز الوطني لعلاج الحروق والتجميل    العليمي يجتمع بهيئة مستشاريه ويؤكد أن الدولة لن تسمح بفرض أمر واقع بالقوة    قراءة تحليلية لنص "لو تبلعني الارض" ل"أحمد سيف حاشد"    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    انتقالي حضرموت يقر إقامة مليونية كبرى بساحة الاعتصام المفتوح في المكلا    وزارة الإعلام تدشن خطة شاملة لإحياء شهر رجب وتعزيز الهوية الإيمانية    حملة أمنية تحرق مخيمات مهاجرين غير شرعيين على الحدود بصعدة    الرئيس يثمن الاستجابة العاجلة للتحالف من أجل حماية المدنيين في حضرموت    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع تحسناً طفيفاً وتدريجياً في درجات الحرارة    4 كوارث تنتظر برشلونة    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    قرقاش يدعو إلى تغليب الحوار والحلول المتزنة كأساس للاستقرار الإقليمي    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    خبير طقس يتوقع ارتفاع الرطوبة ويستبعد حدوث الصقيع    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    ترميم عدد من الشوارع المحيطة بشركة ( يو)    قمة أفريقية..تونس ضد نيجيريا اليوم    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    ترامب يلتقي زيلينسكي غدا في فلوريدا    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    خلال يومين.. جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإعادة ووقف التعامل مع ثلاثة كيانات مصرفية    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطاقة بريدية من اليمن
نشر في المصدر يوم 09 - 05 - 2013

أكتب من مستشفى اليمن الدولي في تعز، هذه المدينة اليمنية الواقعة في المرتفعات الوسطى، والتي تعاني نقصاً مريعاً في المياه للحد الذي يضطر السكان الى فتح صنابير مياههم لمدة 36 ساعة فقط، كل 30 يوماً أو نحو ذلك ليعبئوا بالمياه أكبر قدر من الأواني، ثم يعتمدون بعد ذلك على شاحنات المياه التي تأتي من الجوار لتبيع المياه مثل سلعة ثمينة. جئت إلى هنا لأزور محمد قايد، وهو عامل يبلغ من العمر 25 سنة من قرية القرضة القريبة، أصيب في الليلة السابقة بثلاث رصاصات في يده وصدره، أطلقها قناص من قرية مرزوح المجاورة. القريتان تتقاتلان على امدادات المياه الناضبة بسرعة من الينابيع الجبلية المشتركة. وقتل جراء ذلك ستة أشخاص وأصيب كثيرون غيرهم في الاشتباكات التي اشتعلت منذ عام 2000، واشتدت في الآونة الأخيرة. تعرض أحدهم للقتل الليلة قبل الماضية. وعلى الرغم من ان قايد يعاني آلاماً مبرحة الا انه يريد ان يشرح للناس ما يدور هنا. ووجهت اليه سؤالاً واحداً: «هل أُصبت حقاً بالرصاص في معركة على المياه؟»، ويجيب عن السؤال قائلاً: «لم يكن الامر عن السياسة، ولا عن جماعة الإخوان المسلمين، لكنه عن الماء».

وتكمن رسالة في تلك الاجابة، فاليمن بلد يبهر الأنفاس بجماله، شعبه رائع، لكنه يعاني كارثة في التنمية البشرية. ما يحدث هنا هو نتيجة لنصف قرن من سوء الإدارة السياسية، وسوء إدارة الموارد الطبيعية، والتشوهات التي خلقها النفط، والانفجار السكاني. ولكن اليمن متقدم بعقد من الزمان او نحو ذلك من سورية ومصر في ما يتعلق بأزمات التنمية البشرية التي ستواجهها هذه المنطقة بأسرها.

عالمة البيئة الاميركية العظيمة، دانا ميدوز، عندما سألها احدهم عما اذا كان الوقت قد فات على القيام بأي شيء حول تغير المناخ، ردت بقولها «لدينا ما يكفي من الوقت بالضبط - بدءاً من الآن». العالم العربي لديه من الوقت ما يكفيه - بدءاً من الآن. فإذا لم يكف الناس عن قتال بعضهم بعضاً بسبب الأيديولوجيات البائدة والخلافات الطائفية، ويركزون بدلاً من ذلك على التغلب على ما ينقصهم من المعرفة، والحرية، وتمكين المرأة - كما يحث تقرير الامم المتحدة عن التنمية الإنسانية العربية - فلن يكون هناك أي أمل. وكما يعتقد القايد، فان تلك الايديولوجيات القديمة في اليمن تعتبر شيئاً من الكماليات الآن. انها فقط عن المياه.

جئت الى تعز لكتابة مقالي وتصوير فيلم وثائقي لقناة «شوتايم» عن المناخ والصحوة العربية. وصلنا الى هنا على متن مروحية تابعة للقوات الجوية اليمنية، بمعية وزير المياه والبيئة السابق، عبدالرحمن الأرياني، الذي لا يلوك كلماته، يقول: «في صنعاء، العاصمة، كنا نحفر في ثمانينات القرن الماضي الى نحو عمق 60 مترا للعثور على المياه، اما اليوم، فعليك ان تحفر من 850 إلى 1000 متر للعثور على المياه، اليمن لديها 15 خزاناً من المياه الجوفية، واليوم اثنان منها فقط ذواتا تغذية ذاتية، اما البقية فيجري استنزافها بشكل مطرد. وفي أي مكان في اليمن يتم فيه استنزاف مخزون المياه الجوفية، تجد هناك أسوأ الصراعات».

ويضيف أن من اكثر المخزونات الجوفية المهددة في اليمن هو حوض رداع، ويسترسل «وهذه المنطقة واحد من معاقل تنظيم القاعدة». وفي الشمال، على الحدود مع المملكة العربية السعودية، كانت منطقة صعدة من أغنى مناطق زراعة العنب والرمان والبرتقال. «لكنها استنفدت مخزونها من المياه الجوفية للحد الذي جعل العديد من المزارع تصاب بالجفاف التام». وقد ساعد ذلك بالتالي على خلق بيئة مناسبة لطائفة الحوثيين الموالية لإيران لتجنيد الشباب، وعمال المزارع العاطلين عن العمل لبدء حركة انفصالية.

وظهرت هذه الكارثة البيئية في سبعينات القرن الماضي عندما بدأت الطفرة النفطية تتفجر في الخليج العربي، وترك بين مليونين الى ثلاثة ملايين من العمالة اليمنية غير الماهرة قراهم ليعملوا في انشطة البناء في المملكة العربية السعودية. ونتيجة لذلك، كما يقول الارياني «خلت الارياف من سكانها من القوى العاملة»، ولهذا السبب لجأت النساء إلى قطع الأشجار للحصول على الوقود، وتعرضت المدرجات بالتالي للانجراف لانعدام الصيانة، والتي أدت بدورها إلى تآكل التربة على نطاق واسع على جوانب التلال، والى إطماء واسع النطاق في الأودية، التي تستخدم لزراعة ثلاثة محاصيل في العام، من ضمنها القهوة اليمنية الشهيرة. وادى انجراف التربة واطماء الأودية الى انهيار تجارة البن، واضطر اليمنيون الى زراعة محاصيل نقدية أخرى تحتاج إلى تربة أقل خصوبة، وافضل تلك المحاصيل هو القات، ذلك النبات المخدر الذي أدمن عليه هذا البلد، لكن القات يحتاج الى الكثير من المياه، الامر الذي ادى إلى نضوب المياه الجوفية.

قابلت قادة قريتين متحاربتين، منهم: عبدالمنعم من قرضة، يبلغ من العمر 42 عاما، وأحمد قايد من مرزوح، يبلغ من العمر 40 عاماً، يشتركان في شيء واحد: لكل واحد منهما 10 أطفال، وعندما سألتهما ماذا سيحدث لإمدادات المياه عندما يكون لكل ابن منهما 10 أطفال، في البداية ذكرا بأن «الله كريم»، ثم قالا ان الحل يكمن في «تحلية المياه»، الا ان هذا يكلف من المال أكثر مما تستطيع اليمن توفيره الآن.

يقول الارياني: «عانى اليمن من مخدّرين: القات وأموال النفط السهلة». شرب القات كل الماء، وأغرت أموال النفط السهلة القوى العاملة الريفية للهجرة والعمل في الانشطة التي تحتاج الى مهارة. لكن الآن تمت اعادة معظم العمال اليمنيين الى وطنهم من المملكة العربية السعودية، ليجدوا بلداً نفد من المياه، وبه عدد قليل من الوظائف، ونظام تعليمي عام متعثر يدرس العلوم الدينية أكثر من المواد العلمية. ولهذا فان ما يحتاجه اليمن اكثر من أي شيء اخر - طبقة متعلمة غير مرتبطة بالزراعة المحرومة من الماء - لا يمكنها الحصول عليه الا من خلال قيادة رشيدة وإجماع سياسي جديد.

هناك شعاع من الأمل، إذ ينغمس اليمنيون الان في حوار وطني سلمي فريد من نوعه - شيء مختلف جداً عن سورية ومصر، وتسهم المرأة فيه بنسبة الثلث - من اجل استيلاد قيادة جديدة. ربما بدأوا من الأسفل. ولكن مقارنة بجميع الدول العربية التي شهدت صحوة، فإن لديهم أفضل فرصة للبدء من جديد - الآن - إذا انتهزوا هذه الفرصة.

نشر هذا المقال في صحيفة «نيويورك تايمز» الامريكية.
ترجمة: عوض خيري (الإمارات اليوم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.