لا تزال تجليات الربيع العربي تتواصل حيث تشهد الساحة ميلاد قوى سياسية جديدة كانت في السابق تعمل في الخفاء وأخرى تحت مسميات اجتماعية ودعوية وفكرية. فبعد أقل من عام على إعلان مجاميع من السلفيين عن تأسيس حزب «اتحاد الرشاد»، يجري فصيل آخر من السلفيين استعداداته النهائية لإعلان حزب جديد تحت مسمى «حزب السلم والتنمية» من المقرر أن يتم الإعلان عنه مطلع يونيو المقبل.
وبحسب بلاغ صادر عن اللجنة التحضيرية للحزب فقد أجرى التيار السلفي «مشاورات متعددة على مستويات رفيعة وعبر ورش عمل في الأطر الداخلية بشأن إشهار حزب سلفي جديد في الساحة اليمنية وتوجت تلك المشاورات وورش العمل بتشكيل لجنة تحضيرية لإعداد المتعلقات الأدبية الخاصة بالحزب».
وأوضح البلاغ إلى أن اللجنة التحضيرية بدأت أعمالها في مدينة تعز يوم الإثنين 18 مارس الماضي «واستمرت أعمالها بمعدل 1000 ساعة عمل، أنجزت جميع المتعلقات المطلوبة، ولا تزال الاستعدادات جارية لانعقاد الهيئة التأسيسية، ومن ثم إشهار الحزب خلال الفترة القادمة».
وأشار إلى أن الاستعدادات لإشهار حزب السلم والتنمية «تأتي تتويجاً لمسارات متعددة للفعل السياسي السلفي في الواقع اليمني، والذي عبر عن آرائه بطرائق وآليات مختلفة منذ ما يقارب العشرين عاما الماضية، كان آخرها انعقاد الملتقي السلفي العام الأول في العاصمة صنعاء بتاريخ 28/5/ 2009، والملتقى السلفي العام الثاني، المنعقد في مدينة تعز بتاريخ 5/5/2011، حيث نوقشت فيهما العديد من أوراق العمل حول القضايا التي تهم الساحة اليمنية ، وتبيين الموقف السلفي منها».
وتأتي هذه التعددية الحزبية بالنسبة للتيار السلفي امتدادا للتعددية التي كان يشهدها وهو يمارس العمل الخيري والدعوي، حيث حملت جمعية الحكمة اليمانية الخيرية الحاضن لما صار يعرف بتيار الحكمة وله علاقاته وأسلوبه في العمل الخيري والدعوي، بينما أسست جمعية الإحسان الخيرية لما صار يعرف بالسلفيين تيار الإحسان.
تيار الحكمة يستعد للإعلان عن حزب السلم والتنمية.. يتزعمه عقيل المقطري وعمار بن ناشر وعبد العزيز الدبعي وعبدالله غالب الحميري ومراد القدسي ومع أن كلا التيارين ظلا حتى وقت قريب يحرمان العمل الحزبي ويعتبران الحزبية سبباً للفرقة والخلاف بين المسلمين، إلا أن ثورات الربيع العربي التي غيرت وجه الحياة العامة في المنطقة العربية جعلت التيار السلفي في كل البلدان العربية يعيد النظر في أطروحاته الفكرية، ويكسر الحاجز الذي فرضه على نفسه طيلة العقود الماضية.
وبحسب مصادر في التيار السلفي اليمني فإن النجاح والحضور القوي الذي حققه التيار السلفي المصري عزز لدى السلفيين في المنطقة العربية- ومنها اليمن- الدافع لإجراء نقاشات موسعة وأبحاث لإعادة النظر في التأصيل للعمل العام، والاتجاه نحو تأسيس كيانات سياسية تمكنهم من المشاركة في الفعل السياسي.
ما يعرف بتيار الإحسان انضوى سياسياً في حزب الرشاد الذي تأسس بعد أن انتهت النقاشات مع سلفيين من تيار الحكمة إلى قناعة بعدم إمكانية الانضواء في كيان سياسي واحد يمثل أطياف التيار السلفي اليمني، وكان آخر رموز الحكمة المنسحبين من المؤتمر التأسيسي لحزب الرشاد الشيخ عقيل المقطري الذي اعترض على آلية انتخاب القيادات التي كانت في نظره غير ضامنة لتمثيل عادل، بالإضافة الى اعتراضه على استعجال في إجراءات التحضير لإشهار الحزب. ويشارك اتحاد الرشاد اليوم في مؤتمر الحوار الوطني.
وبحسب المصدر ذاته فإن من يمثلون تيار الحكمة السلفي ظلوا في نقاشات ومشاورات مستمرة لتأسيس كيان موازٍ لحزب اتحاد الرشاد، إلى أن خلصوا إلى الاقتراب من إشهار حزب السلم والتنمية الذي تتزعمه قيادة تيار الحكمة وفي مقدمتهم الشيخ عقيل المقطري الذي عرف بآرائه ومواقفه الفكرية والسياسية المتقدمة، وقدرته على نسج علاقات واسعة، ويحظى بقبول شعبي وكان له مواقف داعمه منذ وقت مبكر للثورة الشبابية السلمية.
كما يأتي في قيادة هذا التيار الشيخ عمار بن ناشر والشيخ عبدالله غالب الحميري وعبد العزيز الدبعي ومراد القدسي، وهم مجموعة من مشائخ العلم والمهتمين بالجانب الدعوي والخيري منذ سنين طويلة.
وبحسب مصادر في التيار السلفي فإن ما بات يعرف بحركة النهضة في الجنوب ورغم أنه محسوب على التيار السلفي إلا أنه أصبح كياناً مستقلاً بذاته، ولا علاقة له بحزب اتحاد الرشاد أو حزب السلم والتنمية الذي لا يزال في طور التأسيس، وأخذ هذا التيار منحى مختلفاً عن الجميع حين أصبح من التيارات الداعمة لعملية الانفصال وعلى علاقة بنائب الرئيس السابق علي سالم البيض، واعتبرت الأوساط السلفية تأسيس هذه الحركة بمسمى جنوبي ترجمة فعلية للانفصال.
وبحسب المصدر ذاته فإن مؤسسي هذه الحركة كانوا محسوبين على تيار الإحسان الذي تشكل في حزب اتحاد الرشاد إلا أنهم مجرد ظاهرة إعلامية على حد وصفه وليس لهم وجود حقيقي على الأرض.
لا يزال تيار ثالث من السلفيين يرفض الانخراط في العمل السياسي ويصر على البقاء في نقطة البداية التي انطلق منها الجميع وأشار المصدر إلى أن تيار الحكمة الذي انتهى من الإعداد لحزب السلم والتنمية له حضور في مختلف المحافظات بما فيها محافظات الجنوب، مشيرا إلى أن عمار بن ناشر أحد القيادات المؤسسة لهذا الحزب ينتمي جغرافياً لمحافظة عدن.
وتعليقاً على غياب اسم الشيخ الحضرمي أحمد بن حسن المعلم أحد رموز التيار السلفي، وخصوصاً تيار الحكمة، عن قائمة مؤسسي حزب السلم والتنمية قال المصدر إن عدداً من مشائخ التيار السلفي فضلوا البقاء خارج إطار الحزب ومواصلة الاشتغال في الجانب الدعوي والخيري، ومن ضمنهم الشيخ المعلم، والشيخ محمد المهدي أحد مشائخ التيار السلفي في مدينة إب الذي يبدو رغم تقبله فكرة إنشاء الحزب غير قادر على الانتقال بشكل كلي من مربع تحريم الحزبية ومهاجمة المشتغلين بها إلى الانخراط في حزب سياسي، وربما يفضل البقاء مؤقتاً في موقع الداعم للتحول إلى مرحلة الاشتغال بالعمل السياسي دون أن ينخرط فيه بشكل مباشر.
وجغرافياً فإن مجموعة المشائخ المنتمين لمحافظة البيضاء قد تصدروا حزب اتحاد الرشاد السلفي، وبدت مساحة القيادة غير قادرة على استيعاب مشائخ الحكمة الذين ينتمي معظمهم لتعز وما حولها، مما وسع الهوة بين التيارين وجعل التعددية بالنسبة للتيار السلفي تبدو ضرورة ليتمكن من استيعاب تنوع الأفكار والجغرافيا.
يذكر أن تيار الحكمة يمثل التيار المؤسسي الذي بدأ عمله منذ حوالي عام 1990 وأنشأ مؤسسات تمارس العمل الدعوي والخيري.
كما أن جزءاً واسعاً من التيار السلفي لا يزال خارج هاتين التشكيلتين، وهو ما يعرف في وسط التيار السلفي بالسلفية العلمية التي تهتم فقط بجانب تدريس الحديث وإحياء السنن وتعليمها، وهي التي كانت ولا تزال ترفض العمل التنظيمي والحزبي وتواصل العمل بالنهج ذاته الذي مثلت نقطة البداية لجميع التيارات السلفية، ولها مواقف وفتاوى حادة من جميع التيارات والأحزاب بما فيها الحركات الإسلامية المنظمة والأحزاب ذات الصبغة الإسلامية.
حركة النهضة الجنوبية التي أسسها مجموعة من سلفيي الجنوب اتخذت خطاً مستقلاً وأصبحت أكثر ميلاً لنزعة الانفصال ويتصدر ما يعرف لدى الباحثين ب«السلفية العلمية» شخصيات مثل الشيخ عبد المجيد الريمي، ومحمد الإمام صاحب دار الحديث في مدينة معبر، ويحيى الحجوري صاحب دار الحديث في دماج صعدة وآخرين.
يذكر أن حزب السلم والتنمية المنبثق عن تيار الحكمة السلفي يبدو أقرب لتجربة سلفيي الكويت الممثلين في جمعية إحياء التراث والمنخرطة في العمل السياسي منذ فترة طويلة، ومثيلتهم البحرينية «جمعية التربية الإسلامية» التي تشارك في البرلمان هناك.
وعلى الرغم من قلة الخبرة السياسية للسلفيين عموماً، إلا أن انخراط بعضهم في العمل العام وممارستهم العمل المؤسسي وخصوصاً من خلال الجمعيات الخيرية والتواصل مع المجتمع كوجهاء ودعاة؛ قد أكسب كثيراً من قياداتهم قدرة على التعاطي مع المستجدات ومكّن بعض رموزهم مثل الشيخ عقيل المقطري من نسج علاقات جيدة مع تيارات أخرى إسلامية وغير إسلامية، كما يتمتع الشيخ عبد العزيز الدبعي بقدرات سياسية جيدة حيث يعتبره كثيرون «الحكيم السياسي للسلفيين».