بعد عام ونصف من عمر حكومة الوفاق يحق لنا أن نضع سؤالاً كبيراً أمام وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، أين الأمن الذي ننشده في مدننا وشوارعنا وحاراتنا؟ لقد كثر الحديث عن الخطط الأمنية وخاصة في العاصمة صنعاء، وآخر تلك الخطط كانت بالتزامن مع انطلاق مؤتمر الحوار الوطني، وكلها ذهبت أدراج الرياح، ولم يلمس المواطن حتى الآن أي تغير في الأوضاع الأمنية سوى إضافة تلك الشعارات المرفوعة عند معظم نقاط التفتيش، والتي تذكرنا بأن رجال الأمن يسهرون لننام.
ومع اعتزازنا وتقديرنا لكل رجال الأمن، وللجُهد الذي يبذلونه، فإن الواقع يؤكد أن رجال الأمن ضحية أخرى من ضحايا الخطط الأمنية التقليدية التي أكل الدهر عليها وشرب، فكل ما يقومون به حتى الآن هو عبارة عن نقاط تفتيش تقطع أوصال الشوارع وتعيق حركة السير ويقوم عليها جنود من صغار السن وحديثي التجنيد، الذين لا يملكون حولاً ولا قوة لمواجهة السيارات المدججة بالأسلحة التي تجوب شوارع العاصمة وتمر من تلك النقاط واحدة تلو الأخرى، وعليها أناس تثير أشكالهم الرعب والفزع قبل أسلحتهم.
أكبر دليل على فشل هذه الخطط أن العاصمة تحولت إلى ساحة لاستعراض القوة، فلا يكاد يخلو شارع ولا سوق من المسلّحين أفراداً وجماعاتٍ، ولا يكاد يخلو موكب عرس من المظاهر المسلحة وإطلاق النار وقطع الشوارع بقوة السلاح وإرغام الناس على السير خلف تلك المواكب، وإذا حاول أحد التجاوز فإن مصيره سيكون أشبه بمصير الشابين (حسن أمان وخالد الخطيب)، اللذين قُتلا في شارع الخمسين برصاص غادر من موكب عرس أحد النافذين على بُعد عشرات الأمتار من نقطتين أمنيتين؛ إحداهما للأمن المركزي والأخرى لشرطة النجدة، الذين تمكنوا من القبض على القتيلين، أما القتلة فلا طاقة لهم بهم.
واقع يدفعنا لسؤال وزارة الداخلية ولجنة الشؤون الأمنية والعسكرية عن أي خطط تتحدثون وأزيز الرصاص لم يتوقف يوماً في سماء العاصمة؟ عن أي أمن تتحدثون ونحن نسير في الشوارع وتسير بجوارنا ثكنات متحركة بشتى أنواع الأسلحة؟ عن أي إنجاز تتحدثون والأسواق تعج بمسلحين توحي أشكالهم وكأنهم من كواكب أخرى؟
إنها الحقيقة المُرّة التي يجب الاعتراف بها والعمل على تجاوزها بأسرع وقت ممكن، ولذلك نقول لوزارة الداخلية وكل الأجهزة الأمنية: لن نقبل منكم صرفاً ولا عدلاً حتى يسير المواطن من الحصبة إلى بيت بوس ولا يرى مسلحاً واحداً، ولن يتحقق ذلك إلا بإتباع الأساليب العلمية الدقيقة لبناء الخطط الأمنية واعتماد الأساليب الاستخباراتية في جمع المعلومات التي تمكن رجال الأمن من تنفيذ مهامهم بكفاءة واقتدار، وقبل ذلك كله الاهتمام برجال الأمن مادياً ومعنوياً وتوفير الإسناد اللازم والحماية الكافية لهم؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وكل ذلك يتطلب قياداتٍ تؤمن بقدسية مهمتها وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار بعيداً عن المُحاصصة السياسية العفنة التي أفضت في كثير من الحالات إلى تكليف الذئب بمهمة راعي الغنم.