حال الوحدة اليمنية التي يصادف اليوم الأربعاء ذكراها ال23، يشبه هذا النوع من الأحلام والكوابيس، فلأنها كانت حلماً رومانسياً قبل الوحدة كان من الطبيعي أن تكون كابوساً الآن. مع أن لا ميزة للوحدة في ذاتها لتكون شيئاً جميلاً، كما هو لا ذنب لها أيضا في أن تنسب إلى القبح.
عند غياب الدولة الحديثة دولة المواطنة وسيادة الدستور والقانون، لا معنى للوحدة كآلية سياسية كمعيار للقبح أو الحسن، أما الدعاوى التاريخية كأسانيد للوحدة أو للانفصال فهي لا تحسم شيئا، فهي تنفع للاستخدام في الجهتين، ولأنها كذلك فهي لا تجنب الصراعات، تارة باسم الوحدة وتارة باسم الانفصال وقد جربنا الحالتين.
آن الآوان لترك كل الدعاوي التاريخية لدعم الوحدة أو ضدها جانبا، فما بين يدينا الآن جديد كل الجدة عن تلك الأنماط القديمة للهوية والدولة أو الدول اليمنية في التاريخ، ولا يشترط أي من تلك الأسانيد التاريخية لدولة ما لتكون حديثة أو لتنتمي إلى المستقبل، ففكرة المواطنة المتساوية مسألة كافية في الدول الحديثة الآن وتغني عن أي تاريخ أو دين أو هوية مشتركة في وجود الدول.
فالدولة اليمنية الراهنة هي واقعنا الآن، فهو ما ورثناه عن وحدة 1990، أو حرب صيف 94، لا فرق، فقد ورثنا اليمن الشمالي عن الإمام يحيى وصراعاته مع المناوئين المحليين، وتلك الحروب التي خاضها مع القوى المجاورة مع المملكة السعودية شمالا وبريطانيا جنوبيا، كما ورثنا اليمن الجنوبي عن الجبهة القومية وعملية التحرير التي قادتها مع الاستعمار البريطاني، وتلك الصراعات التي خاضتها من بعده لإلغاء السلطنات السابقة.
وكون اليمن الحالي سيادة وجغرافيا كان نتيجة لتلك الصراعات السابقة في الشمال والجنوب، أو نتيجة لحرب صيف 94 الآن، فهي مسألة ليست استثنائية في عادة تكون الدول فكلها تشكلت كنتيجة للتوسع والعنف، ولا يشترط النبل أو الحق لذلك التوسع الذي كان، فأغلب الدول المتحضرة والديمقراطية الآن، كانت نتائج لممالك توسعية ومستبدة سابقة.
فخطأ حرب صيف 94 وعدم مشروعيتها، لا يلغي شرعية الدولة والكيان الراهن، فالخطأ الماضوي علاجه في المضي تجاه المستقبل، لا في استعادة المزيد من ذلك الماضي، فإقرار ذلك كمبدأ يخلق عملية غير متناهية من الارتدادات الماضوية والتاريخية والصراعات، حيث لكل طرف نقطته الخاصة التي يرغب في العودة إليها.
فهم واقعنا جيدا يساعد على تحديد ما نحتاجه بالضبط، ودولة المواطنة وسيادة القانون، هو ما يحتاجه أي يمني، أو أي إنسان في القرن الواحد والعشرين، سواء كان في دولة جغرافيتها صغيرة كالبحرين، أو كبيرة وواسعة كالصين.
ربما آن الآوان لانتقال الوحدة من كونها حلما أو كابوسا، لتكون واقعا لا أقل ولا أكثر.