ملخص: مع شيخ وأفندم الإصلاح ، وسيد الاشتراكي.. حلمنا يزداد ضموراً القصة، من منتصفها، تقول: بعثت الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني ببرقية عزاء ومواساة إلى الحوثيين، وهم جماعة مسلحة يطلقون على أنفسهم اسم "أنصار الله"، وذلك بمناسبة دفن جثة زعيمهم المؤسس (حسين الحوثي) الذي قتل في أول جولة حرب بين الجماعة وبين الجيش اليمني عام 2004، وبغض النظر عن المدلول الأخلاقي والإنساني للتعزية، والذي يحاول الاشتراكيون وضع هذا العمل في إطاره حصرياً، متناسين في ذات الوقت الجانب الآخر منه وهو أن الاخلاقية تقتضي أيضاً عدم تجاهل مشاعر شريحة كبيرة من اليمنيين قتل أقاربهم في حرب صعده التي لا يعرفون عنها شيئاً لا أسبابها ولا تفاصيلها في كل مرة تبدأ ثم تتوقف والتي كان "السيد" ، كما وصفه بيان الاشتراكي، أحد أطرافها، بعيداً عن كل هذا فإن الأمر لا يخلو من إشارة سياسية واضحة تكفي لتلمس جوانب التحالفات السياسية القائمة والتشكيلات القادمة لتحالفات أخرى بدأت تلوح في الأفق.
لنعود إلى البداية إذن.. والتي تبدأ، دوماً، من التحالف الأشهر في تاريخ السياسة اليمنية المعاصرة "اللقاء المشترك"، والذي أستطاع خلال فترة وجوده في صف المعارضة، قبل الثورة الشعبية والمشاركة في حكومة الوفاق، أن يقطع شوط لا بأس به على مسار تجديد العملية السياسية اليمنية والدفع بهآ إلى آفاق جديدة، وكان هذا التحالف، على مستوى القيادة العليا، يبدو منسجماً في أدائه وفي المشاريع الاصلاحية التي يقدمها.
ولكن الواقع السياسي الذي أفرزته الثورة الشعبية، والذي كان من أهم تجلياته مشاركة هذه الأحزاب في السلطة، أظهر أن هذا التحالف ليس صلباً بما يكفي وأن فكرة إعادة تأسيس الحياة السياسية اليمنية وفق أسس جديدة، تعتمد مفاهيم السياسة الحديثة وتحاصر إرث ما قبل الدولة السائد حالياً، ليست قابلة للتطبيق في الوقت الحالي، إذ سرعان ما بدأ أهم حزبين في المشترك وهما الإصلاح والاشتراكي، في تفعيل الخلفية الصراعية السابقة وإعادة صياغة تحالفاتهما الخاصة بهآ، في الأطر الفاعلة خارج المشترك والذي لم يتخليا عنه حتى الآن.
اندفع الإصلاح، في محاولة منه لتعظيم مكاسبه في مواجهة قوى النظام السابق، نحو إعادة ترميم منظومة تحالفاته القبلية – العسكرية، ورغم أن تلك القوى تتوفر على قوة ذاتية تسمح لها بالوجود القوي بدون مساعدة من أحد إلا أن حزب الإصلاح لعب دوراً أساسياً في إعادة تمركزها ضمن الصيغة الجديدة للسياسة بعد الثورة، وأتاح من المساحة لهذه القوى ما كان كافياً لإثارة تخوف الاشتراكي وتفعيل ذاكرته المخزنة في أدراج الصراع التي كان ضحيتها في وقت سابق، وهو ما ظهر من خلال أدواته الاعلامية والمؤسساتية المحذرة من إعادة صياغة النظام السابق بشكل جديد من خلال تغيير أشخاص ذلك النظام فقط مع المحافظة على البنية الرئيسية المشكلة له.
وفي ظل واقع سياسي انتقالي سيء كهذا وضعف هيكلي ضاغط وجد الحزب الاشتراكي نفسه واقعاً في علاقة غير معلن عنها، على الأقل إلى ما قبل برقية التعزية الأخيرة، مع جماعة الحوثي المسلحة، كما سعى الى إعادة علاقته مع القضية الجنوبية وتنظيمات الحراك الجنوبي، وهي وإن كانت علاقة غير واضحة المعالم والمآلات إلا أنها قد تفي بالغرض في لحظة تراجع المشاريع الكبرى في وقت لاحق!!.
ليس مهماً الآن التوقف عند فكرة من كان البادئ في مسار إعادة تشكيل التحالفات السياسية وما هي التحالفات الشرعية وما هي غير الشرعية، وهي كلها بنظري غير شرعية وتسبب مزيداً من الاستنزاف للمشروع الوطني الذي كان المشترك والثورة الشعبية السلمية من أبرز تجلياته، فما تشهده الساحة السياسية من تفاعل يلمح الى أن مسار هذا التشكل لن يتوقف عند هذا الحد، فضغط القوى التقليدية سيدفع بمزيد من التباعد بين قوى المشترك وتكون الأحزاب السياسية الداخلة في مثل هذه التحالفات (اللاسياسية) هي الضحية الأولى بفعل ذوبانها داخل إطار مشاريع تلك القوى القادمة من خارج منطق الدولة، وقد تصبح هذه الأحزاب مجرد ممثليات، واجهات سياسية لمشاريع تلك القوى، الأمر سيشبه بدرجة أو بأخرى ما يحدث في لبنان، وستستمر حالة الدوران في حلبة الصراعات القاتلة التي لم يعد يفصلنا عنها سوى مسافة قليلة جداً..