الصحة: استشهاد وإصابة 38 مواطنًا جراء العدوان على الأمانة ومحافظتي صنعاء وعمران    رئيس مؤسسة الإسمنت يتفقد جرحى جريمة استهداف مصنع باجل بالحديدة    المؤتمر الشعبي وحلفاؤه يدينون العدوان الصهيوني الأمريكي ويؤكدون حق اليمن في الرد    إسرائيل تقصف مصنع أسمنت عمران وكهرباء حزيز    توسّع في تعليق الرحلات الجوية إلى مدينة "يافا" بعد قصف مطار "بن غوريون"    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    الذهب والنفط يرتفعان مدفوعين بالمخاوف التجارية واقتناص الفرص    إسرائيل تشن غارات على مطار صنعاء وتعلن "تعطيله بالكامل"    سلسلة غارات على صنعاء وعمران    العليمي يشيد بجهود واشنطن في حظر الأسلحة الإيرانية ويتطلع الى مضاعفة الدعم الاقتصادي    قاذفتان استراتيجيتان أمريكيتان B-52H تتجهان إلى المحيط الهندي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    اسعار المشتقات النفطية في اليمن الثلاثاء – 06 مايو/آيار 2025    توقعات باستمرار الهطول المطري على اغلب المحافظات وتحذيرات من البرد والرياح الهابطة والصواعق    تسجيل اربع هزات ارضية خلال يومين من خليج عدن    حكومة مودرن    بعد 8 أشهر ستدخل المحطة الشمسية الإماراتية الخدمة    ريال مدريد يقدم عرضا رمزيا لضم نجم ليفربول    معالجات الخلل!!    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما لا يضع درويش لمساته الأخيرة على ديوانه!
نشر في المصدر يوم 15 - 05 - 2009

لم يكن يُهيّأ للشاعر محمود درويش أن العدد الأخير من مجلّة «الكرمل» سيكون بمثابة وداع له وللمجلّة التي أصرّ على عدم إعلان توقّفها النهائي على رغم احتجابها منذ العام 2006.

كتب عبده وازن - الحياة:

صدر العدد الأخير بعد نحو ستة أشهر على غياب شاعر «جدارية» ويحمل الرقم 90 الذي طالما منّى الشاعر نفسه بأن يكون الأخير ليعلن من خلاله توقف المجلة نهائياً. فالعدد السابق الذي صدر عام 2006 كان مزدوجاً وحمل الرقمين 88 و89 وهما رقمان لا يليقان ب «النهاية» ما داما لا يحملان الرقم «صفر».
كان محمود درويش، كلّما سئل عن موعد إعلان توقف «الكرمل»، يتحاشى الجواب قائلاً إن المجلة لم تحتجب عن الصدور. وأصرّ على عدم إعلان توقفها وكأنه يدرك في طويته أن العدد 90 سيصدر أياً تكن صيغته. ولم تمضِ أعوام ثلاثة حتى صدر العدد الأخير من غير أن يحرّر الشاعر موادّه ويُعمل قلمه في بعضها، ويشرف على طباعتها. وهذا العمل كان يرهقه كما عبّر أكثر من مرّة، لا سيّما بعد ما شهدت المجلة أقسى أزماتها المادية. وقبل عام من رحيله سعى درويش الى تدبير تمويل لها لكنه لم يرض على أي عرض قدم له، فهو رفض أي وصاية على المجلة ولو من بعيد. فهذه المجلة كانت المشروع الرديف في حياته، أي المشروع الذي يقابل مشروعه الشعري الكبير. وكم كان يزعجه أن تُقارَن «الكرمل» بأي مجلة فلسطينية أخرى تبعاً لحماسته الشديدة لقضيتها وللموقع الذي ارتسمه لها والهوية التي أسبغها عليها. لكن المجلة، مثلما كانت مجلة محمود درويش كانت أيضاً مجلة أصدقائه الذين عاونوه في إصدارها، سواء كانوا من مدراء تحريرها أم من مراسليها أو كتّابها الدائمين. إنها مجلة الياس خوري وسليم بركات وزكريا محمد وحسن خضر مدير التحرير الأخير. إنها أيضاً مجلة صبحي حديدي وكاظم جهاد وفيصل درّاج وسواهم من الكتّاب الذين كانوا يمثلون هيئة تحريرها غير المعلنة. هذه الروح الجماعية أصرّ درويش عليها، متخطياً نزعته الفردية أو «سلطته» التي كانت تثير حفيظة بعض «غرمائه»، ومنفتحاً على كل الآراء والمقترحات وحتى على النصوص التي لم تكن تروق له. وفتح أبوابها أمام الموجات الجديدة، الحداثية والمابعد حداثية، في الفكر كما في الأدب والنقد. وكان من حقه فعلاً أن يكتب افتتاحيتها وينشر فيها قصائده ومقالاته مثله مثل الآخرين. ولم يكن مستهجناً أن تبتعد المجلة في أحيان عن ذائقة درويش نفسه وعن أفكاره، موغلة في الحداثة أو ما بعدها، الحداثة الفكرية والفلسفية والمعرفية، حتى باتت المجلة تميل الى أن تكون مجلة فكرية أكثر من كونها مجلة أدبية. ولعل السجالات الفكرية التي قادها بعض كتابها مع المدارس الغربية الحديثة والترجمات التي ضمتها، تؤكد طابعها الرصين والجاد الذي تخطى التخوم أحياناً. وفعلاً كانت تبدو بعض المقالات أو المداخلات عبئاً على المجلة وعلى قرائها الذين كانوا ينتظرونها ليقرأوا نماذج من الإبداع العربي أو العالمي الجديد. وكانت «الكرمل» جريئة جداً في الانفتاح على الثقافة الاسرائيلية ونقدها ومساجلة بعض المفكّرين الاسرائيليين اليساريين والمعتدلين. لكنها لم تغامر مثل مجلة «مشارف» الصادرة في فلسطين المحتلة لتقدم نماذج حية من الإبداع الاسرائيلي الجديد. كانت «الكرمل»، حتى عندما عادت الى رام الله عام 1996، مجلة فلسطينية، ولكن بهوية عربية وعالمية. والعالمية يجب فهمها في معنى الانفتاح والحضور في صميم الشواغل الثقافية التي تنتهب العالم والتحوّلات الجوهرية التي طرأت عليه.
وجد القارئ العربي في مجلة «الكرمل» فسحة من المعرفة والحرية، علاوة على الرصانة والجرأة اللتين تميزت بهما. مجلة أدبية ومعرفية في آن واحد، وهاتان الصفتان نادراً ما اجتمعتا في مجلة مثلما اجتمعتا في «الكرمل». لقد عرفت هذه المجلة كيف تكون معرفية من غير أن تقع لحظة في أسر النزعة الأكاديمية الجافة والمملة، ولا في شباك النظريات المستهلكة والمقولات الجاهزة. كانت مجلة النخبة ومجلة القراء، محترفين أم هواة، قراء الفكر والفلسفة أو قراء النصوص، شعراً وسرداً. ومَن يراجع أعدادها يدرك أنها كانت أشبه ب «كتاب» في مجلّة وأن رفوف المكتبات، العامة والخاصة، يليق بها أن تضمّ أعدادها.
كان محمود درويش يحلم بأن يُصدر بنفسه العدد الأخير من «الكرمل»، العدد التسعين، الذي يمكن التوقف عنده، لكنّ العدد صدر في غيابه وكان هو مادته الأولى والأخيرة. لم يكن الشاعر يتخيّل أن «الكرمل» ستخصّه بعددها الأخير وأن يكون هذا العدد وداعياً وأن يضم شهادات من أصدقائه الأقربين وقصيدته البديعة «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» التي لم يتسنَّ له ان يلقي نظرة أخيرة عليها. لكنّ العدد الذي أشرف على إصداره الكاتب حسن خضر، سيكون المحطة الأخيرة لهذه المجلة التي عانت ما عانى الفلسطينيون في منفاهم الطويل الذي لم ينته، فهي انطلقت في بيروت عام 1981 ثم توقفت خلال الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 لتنتقل الى قبرص ثم لتتوقف عام 1993 ثم لينتهي بها المطاف في رام الله عام 1996 ولتتوقف عن الصدور عام 2006 ثم لتصدر عددها الأخير بعد ستة أشهر على رحيل شاعرها.
كان يخامر محمود درويش شعور بأن للمجلات أعماراً مثل البشر، وكان على يقين من أن «الكرمل» يكاد ينتهي عمرها. لكنّ الصدفة الأليمة أن عمر الشاعر انتهى قبل ستة أشهر من انتهاء عمر «الكرمل».
..................
أربع قصائد غير منشورة لمحمود درويش بينها «وصية» إلى شاعر شاب
بيروت – عبده وازن الحياة - 19/03/09//
في أيامه الأخيرة كان الشاعر محمود درويش منهمكاً في وضع اللمسات الأخيرة على ديوان، كان يحدس بالسرّ أنه سيكون ديوانه الأخير. لكن الموت كان أسرع منه، فرحل تاركاً على طاولته في منزله في عمان، قصائد ذلك الديوان الذي لم يتسنّ له أن يختار عنوانه ولا أن يُعمل قلمه في بضع قصائد، منقّحاً إياها على عادته هو الذي كان يملك عيناً نقدية حاذقة. إحدى القصائد ظلّت بلا عنوان، وقصيدته «في بيت نزار قباني» حذف منها كلمة ولم يضف أخرى محلها... إلا أن القصائد الثلاث والثلاثين هي وليدة المرحلة الأخيرة، التي بلغ فيها الشاعر أوج ابداعه، لا سيما بعدما أحسّ أن الموت بات يهدده وأن الشعر وحده هو السلاح والملجأ الآمن، ووحده القادر على أن يهزم الموت.
هذا الديوان الاخير يصدر مطلع الأسبوع المقبل عن دار رياض الريّس التي تملك حقوق نشر أعمال درويش بموجب اتفاق وقعه الشاعر، وعنوانه «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي»، وهو عنوان إحدى القصائد التي يضمّها الديوان.
يصدر الديوان غداة الذكرى الثامنة والستين لميلاد محمود درويش التي مرّت قبل أيام في غيابه، وهو سيكون أجمل هدية الى قرائه، ليس لأنّه يحمل جديده الشعري، بل لأن هذا الجديد ينتمي الى اللحظات الأشد سطوعاً في إبداعه. وفي الديوان يلوح هاجس الغياب مثلما لاح في «جدارية» و «في حضرة الغياب» وسواهما، لكنه هنا محفوف بالرغبة في العيش، العيش الشعري داخل العالم. ويبرز هذا الديوان أيضاً كم أن محمود مشغوف بالتجدّد والبحث المستمر عن آفاق مجهولة للإبداع الشعري واللغة والصور والإيقاع.
ثلاث وثلاثون قصيدة تركها محمود درويش ولم يمنحه الموت قليلاً من الأيام ليصدرها، ويقلّبها بين يديه في ديوان. وهذه القصائد ستزيد من سطوة هذا الشاعر مرسّخة حضوره أكثر فأكثر، هو الذي سيظل في مقدم المشهد العربي المعاصر.
تنشر «الحياة» أربع قصائد غير منشورة من الديوان متوجهة من خلالها الى قراء محمود درويش الذي افتقدوه، بالجسد وليس بالروح، ومن بين القصائد الأربع «وصية» فنية عنوانها «إلى شاعر شاب».
............................................................
محمود درويش: قصائد غير منشورة
بيروت الحياة - 19/03/09//
يصدر مطلع الأسبوع المقبل عن دار رياض الريس ديوان للشاعر الراحل محمود درويش يضم القصائد الأخيرة التي كتبها، ومنها ما لم يتسنّ له أن يضع عليها اللمسات الأخيرة بعدما خطفه الموت.
والديوان عنوانه «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي» وهو مرفق بملف صغير كتبه الروائي الياس خوري الذي كان أول من حصل على مخطوط الديوان.
وكان من المقرر أن يصدر هذا الديوان قبل أشهر لكن ظروفاً أخّرت نشره الى أن تم الاتفاق على إصداره لدى دار رياض الريس التي تملك الحقوق الحصرية لنشر أعمال محمود درويش. هنا أربع قصائد غير منشورة من الديوان ومنها واحدة لم يضع الشاعر لها عنواناً.
....................................
بلا عنوان

إذا كان لا بُدَّ من قمرٍ
فليكن كاملاً، ووصيّاً على العاشقة!
وأمّا الهلال فليس سوى وَتَرٍ
مُضمرٍ في تباريح جيتارةٍ سابقة!
وإن كان لا بُدَّ من منْزلٍ
فليكنْ واسعاً، لنربي الكناريّ فيه.. وأشياءَ أخرى
وفيه ممّر ليدخلَ منه الهواء ويخرج حرّا
وللنحلِ حقُّ الإقامةِ والشغلِ في رُكنهِ المهمل
وإن كان لا بُدَّ من سفرٍ
فليكن باطنيّاً، لئلا يؤدّي إلى هدف
وأمّا الرحيل، فليس سوى شغف
مرهفٍ بالوصول إلى حُلُمٍ قُدَّ من حجر!
وإن كان لا بُدّّ من حلم، فليكنْ
صافياً حافياً أزرق اللون، يولد من نفسهِ
كأنّ الذي كان كان، ولكن لم يكنْ
سوى صورة الشيء في عكسهِ
وإن كان لا بُدَّ من شاعرٍ مختلفْ
فليكن رعويّ الحنين، يُجعّد ليل الجبال
ويرعى الغزالة عند تخوم الخيال، ولا يأتلفْ
مع شيءٍ سوى حسّه بالمدى والندى والجمال
وإن كان لا بُدَّ من فرح، فليكنْ ساخناً
كدمِ الثور، لا وقتَ يبقى على حاله
الغناءُ حلالٌ لنا مثل زوجاتنا، فليكنْ ماجناً فاتناً
لكي يخجلَ الموتُ منه.. وينأى بأثقاله
وإن كان لا بُدَّ من علمٍ للبلاد
فليكنْ عالياً، وخفيَّ المجاز.. قليلَ السواد
وبعيداً، كأودية، عن جفاف المكان وأيدي الصغار
وعن غرفِ النوم، وليرتفع فوق سطح النهار.
وإن كان لا بدَّ مني... فإني
على أُهبة المرتضى والرضا، جاهزٌ للسلام
مع النفس. لي مطلبٌ واحدٌ: أن يكون اليمام
هو المتحدّثُ باسمي، إذا سقط الاسم منّي!

عينان

عينان تائهتان في الألوان. خضراوان قبل
العشب. زرقاوان قبل الفجر. تقتبسان
لونَ الماء، ثم تُصوّبان إلى البحيرةِ نظرةً
عسلية، فيصيرُ لونُ الماء أخضر..
لا تقولان الحقيقة. تَكْذبان على المصادرِ
والمشاعر. تنظران إلى الرماديّ الحزين،
وتُخفيان صفاته. وتُهيّجان الظلِّ بين الليلكيّ
وما يشعّ من البنفسجِ في التباسِ الفرق.
تَمتلئان بالتأويل، ثم تحيّران اللون: هل هو
لازورديّ أم اختلطَ الزُمُرّدُ بالزبرجدِ والتركواز
المُصَفّى؟ تَكبران وتَصغران كما المشاعر..
تكبران إذا النجومُ تنَزّهتْ فوق السطوح.
وتصغران على سريرِ الحبّ. تنفتحان كي تستقبلا
حلماً ترقرقَ في جفونِ الليل. تنغلقان كي
تستقبلا عسلاً تدفّقَ من قفيرِ النحل.
تنطفئان كاللاشيء شعرياً، غموضاً عاطفياً
يُشعلُ الغابات بالإقمار. ثم تعذّبان الظلّ:
هل يخضوضرُ الزيتيُّ والكحليّ فيَّ أنا الرماديَّ
المحايد؟ تنظران إلى الفراغ. وتكحّلان بنظرةٍ
لوزيةٍ طوقَ الحمامة. تفتحان مراوحَ الخُيلاء
للطاووس في إحدى الحدائق. ترفعان الحَوْرَ
والصفصاف أعلى ثم أعلى. تهربان من
المرايا، فهي أضيق منهما. وهما هما في الضوء
تلتفتان للاشيء حولهما فينهضُ، ثم يركضُ
لاهثاً، وهما هما في الليل مرآتان للمجهول
من قدري. أرى، أو لا أرى، ماذا يعدّ الليلُ
لي من رحلةٍ جويةٍ – بحريّة. وأنا أمامهما
أنا أو لا أنا. عينان صافيتان، غائمتان،
صادقتان، كاذبتان عيناها. ولكن، منْ هي؟
بالزنبق امتلأ الهواء
بالزنبق امتلأ الهواءُ، كأنّ موسيقى ستصدحُ.
كلُّ شيء يصطفي معنى، ويرسلُ فائض المعنى
إليَّ. أنا المعافى الآن، سيِّدُ فُرصتي
في الحب. لا أنسى ولا أتذكّر الماضي،
لأني الآن أولدُ، هكذا من كلّ شيء..
أصنعُ الماضي إذا احتاجَ الهواء إلى سلالته
وأفسدَه الغبار. وُلدتُ دون صعوبة،
كبناتِ آوى، كالسمندلِ، كالغزال.. ولم أهنئ
والديَّ بصحتي وسلامتي. والآن، أقفزُ
صاحياً وأرى وأسمع. كلُّ هذا الزنبق
السحريّ لي: بالزنبقِ امتلأ الهواء كأنّ
موسيقى ستصدح. كلُّ ما حوالي يهنئني:
خلاءُ السقف من شبحٍ ينازعني على نفسي.
وكرسيّ يرحّبُ بالتي تختار إيقاعاً خصوصيّاً
لساقيها. ومرآةٌ أمام الباب تعرفني وتألفُ
وجه زائرها. وقلبٌ جاهزٌ للاحتفال بكلِّ
شيء. كلُّ شيء يصطفي معنى لحادثة الحياة،
ويكتفي بهبات هذا الحاضرِ البلّور. لم أعرفْ
ولم أسألْ: لماذا أحتفي بصداقةِ اليوميّ،
والشيء المتاح، وأقتفي إيقاع موسيقى ستصدح
من زوايا الكون؟ لا أنسى ولا أتذكّرُ
الغد... ربما أرجأتُ تفكيري به، عن غير
قصدٍ، ربما خبّأتُ خوفي من ملاكِ الموت،
عن قصدٍ، لكي أحيا الهنيهةَ بين منْزلتين:
حادثة الحياة وحادث الموت المؤجّل ساعةً
أو ساعتين، وربما عامين... يفرحني تَذكُّرُ
ما نسيتُ: نسيتُ أن أنسى غناء الناي
للأفعى. بلا سببٍ يفيضُ النهرُ بي، وأفيض
حول عواطفي: بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ
موسيقى ستصدح!
.......................................
إلى شاعر شاب

لا تصدّقْ خلاصاتنا، وانسها
وابتدئ من كلامك أنت. كأنك
أوّل من يكتب الشعر،
أو آخر الشعراء!
إن قرأت لنا، فلكي لا تكون امتداداً
لأهوائنا،
بل لتصحيح أخطائنا في كتاب الشقاء.
لا تسل أحداً: منْ أنا؟
أنت تعرف أمّك..
أمّا أبوك... فأنت!
الحقيقة بيضاء. فاكتبْ عليها
بحبر الغراب.
والحقيقة سوداء، فاكتب عليها
بضوء السراب!
إن أردت مبارزة النسر
حلّق مَعَهْ
إن عشقتَ فتاة، فكن أنتَ
لا هي،
منْ يشتهي مصرعهْ
الحياةُ أقلّ حياة،
ولكننا لا نفكّر بالأمر،
حرصاً على صحّة العاطفةْ
إن أطلت التأمّل في وردةٍ
لن تزحزحك العاصفة!
أنت مثلي، ولكنّ هاويتي واضحة
ولك الطرق اللانهائية السرِّ،
نازلة صاعدة!
قد نُسمّي نضوب الفتوة نضج المهارة
أو حكمةً
إنها حكمة، دون ريب،
ولكنها حكمة اللاغنائيّة الباردة
ألفُ عصفورة في يدٍ
لا تعادل عصفورة واحدة
ترتدي الشجرة!
القصيدةُ في الزمن الصعب
زهرٌ جميلٌ على مقبرة!
المثالُ عسير المنال،
فكن أنت أنت وغيرك
خلف حدود الصدى
للحماسة وقت انتهاء بعيد المدى
فتحمّسْ تحمّسْ لقلبك واتبعه
قبل بلوغ الهدى
لا تقل للحبيبة: أنتِ أنا
وأنا أنتِ،
قلْ عكس ذلك: ضيفان نحْنُ
على غيمةٍ شاردة
شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
لا تصدّق صواب تعاليمنا
لا تصدّق سوى أثر القافلة
الخُلاصة، مثل الرصاصة في قلب شاعرها
حكمة قاتلة
p class="MsoNoSpacing"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.