لسنوات عديدة، كان الليبراليون والعلمانيون العرب، يوصمون ما يسمى ب«حركات الإسلام السياسي» بتهمة استغلال الدين في السياسة، وهو ما تراه هذه المجموعات «الحداثية» خطأً فادحاً، ويشددون على ضرورة فصل الدين عن الدولة وعن السياسة، كون الدين منزهاً عن كل ذلك. في مصر، اختلفت الصورة تماماً، وبدأ الحداثيون أكثر استخداماً، بشكل مقزز، للدين، لإضفاء الشرعية على ما حدث من سطو على السلطة، فأعدّوا خلطة عجيبة غريبة.
خلطوا الدين بالسياسة وأضافوا إليه نكهة العسكر والقضاء، ليكتمل المشهد، وكأننا نعيش في أوروبا زمن العصور الوسطى، وإبان ذروة الطغيان الكنسي!
شيخ الأزهر أحمد الطيّب، وبابا الأقباط تواضروس الثاني، أيدا ما جرى، وأضفيا عليه مسحة دينية.. لكن لا يمكن وصف هذا بأنه «استغلال للدين» الإسلامي والمسيحي معاً، للمسجد وللكنيسة، ف دين الإخوان الذي يستغلونه مختلف خالص عن دين الطيب وتواضروس.
على انه لا يمكن تبرئة الإخوان من هذه التهمة، إن جاز التعبير، فهم جماعة دينية، ومناهجها وكتبها تُباع في المكتبات العامة، وتعتمد على الفكر الديني في كثير من مواقفها كمرجعية لها وهذا ليس سراً؛ لكن ما ليس مفهوماً هو هذا التناقض الذي تعيشه جماعة الحداثيين العرب، فهي ضد الزّج بالدين في معترك السياسة، لكنها سرعان ما تلجأ إليه لشرعنة ما تقوم به، خصوصاً تلك الأفعال التي تعتقد أنها لن تكون مقبولة لدى الكثيرين، ما لم يُضاف إليها «بهاراً» دينياً، يعدّل من نكهتها غير المستساغة.
شباب حركة «تمرد» قالوا إنهم سيقتحمون القصر الجمهوري ما لم يسلّم مرسي السلطة، وكال قادة «الإنقاذ» ومعهم الصحفيون في قناة مصر، أون تي في، المحور، السي بي سي، إضافة إلى قناة العربية، أقذع الأوصاف بحق الإخوان وحرّضوا عليهم الجماهير.. كل ذلك حدث على مرأى ومسمع الجميع ولا يمكن إنكاره، لكنه بنظر هؤلاء لا يعتبر تحريضاً ولا خروجاً عن المهنية والأخلاق.
واقتحم «المتمردون» بالفعل مقر الإخوان الرئيس في القاهرة، وقتلوا شباب الجماعة، ورأينا صوراً لشباب «تمرد» وهم يخلعون الملابس الداخلية لشاب متوفٍ من الإخوان .. لكن هذا ليس تعدياً ولا عنفاً، بل هو عمل مشروع ل«تصحيح الثورة» التي نهبها الإخوان، حسب وصف شلّة تمرد.
يقولون لكَ فشِلَ الرئيسُ مرسي فشلاً ذريعاً، فتقول لهم هذه ليست المرّة الأولى التي يغضب فيها الجمهور من فشل الرئيس، أي رئيس، وحتى إن صح أن مرسي فشل، أليس من حقه إكمال مدة الرئاسة كباقي ديمقراطيات العالم؛ سيقولون لك إن هذه شرعية الشارع، وينسون أن هنالك شارعاً آخر مؤيد لبقاء الرئيس مرسي.
هذه المخادعة وهذا العناد غير المسؤول، هو ما قد يجبر المصريين على الانزلاق إلى العنف والحرب الأهلية لا قدّر الله، وستتقابل شرعيتا الشارعين، المؤيدة والمعارِضة، والله وحده أعلم بمآل الأمور.