لن تجد على الأرض شعباً تفرقت أواصره شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً مثل اليمانيون، أصحاب السد العظيم الذي كان سبباً في رخائهم وشقائهم.. تقول معظم الروايات أن هجرة اليمنيين بدأت قبل انهيار سد مأرب العظيم وتعاظمت بعد وقوع الكارثة، في رحلتي إلى بيروت عام 2001 نزلت إلى الجنوب اللبناني ضمن برنامج الرحلة وتفاجأت أثناء تعريفنا بالمناطق بجبل اسمه جبل عاملة نسبة إلى عاملة بن سبأ هاجر من اليمن بعد انهيار سد مأرب العظيم واستوطن المكان وسُمي باسمه وتفرقت القبائل السبئية والأسر في شبه الجزيرة العربية وشمالها واحتفظت بمسمياتها إلى اليوم، واثناء الفتوحات الإسلامية كانت الجيوش من كثير من القبائل العربية لكن النصيب الأكبر كان لليمانيين، فاستقروا في المناطق التي فتحوها وأورثوها أسماء قبائلهم الأصلية .
ولقد أثر اليمنيون في البلدان التي هاجروا إليها واستقروا فيها وليس أدل على ذلك من بصماتهم في البناء والأزياء ومسميات القبائل والسلوك المتوارث، فعلى سبيل المثال أشتهر اليمنيون في جنوب شرق آسيا بالتجارة وعن طريقهم انتشر الإسلام هناك لحسن الخلق والتعامل الذي اشتهروا به، فلم تفتح تلك البلدان مثل إندونيسيا وماليزيا وبروناي وغيرها بقوة السيف بل بأخلاق اليمنيين فأثروا أكثر مما تأثروا واعتلوا فيها أعلى المناصب مثل سلطان بروناي محمد بلقيه الذي ترجع أصوله إلى حضرموت صاحبة الباع الأكبر في الهجرة إلى جنوب شرق آسيا.
وفي كل مكان استقر فيه اليمانيون وضعوا بصمات إيجابية وحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ونقلوا صوراً فردية عما هم عليه في اليمن، هذه الصور الرائعة عجزت دولتنا عن تعزيزها من خلال البعثات الدبلوماسية، فلا برنامج لديها لتحسين صورة اليمن في الخارج، ولا تعزيز الصور الإيجابية الفردية والشد على أيديهم، بل العكس عمدت هذه البعثات على تجنب كل ما يتعلق باليمن، فإذا اقام طلاب حفلا باسم اليمن تجنبوهم إن لم "يحنبوهم بالممحكات السياسية"، وإن برز يمني اشاحوا وجوههم عنه وعاملوه بأسوأ ما يمكن إذا غلط وعتب باب السفارة لتجديد الجواز مثلا أو لأي سبب آخر، الجاليات اليمنية تحل مشاكلها بنفسها ولا تلجأ للسفارات إلا في حالات نادرة...!! الفجوة الحاصلة بين مهاجرين غُلبوا على أمرهم لكنهم أثروا على البيئة المحيطة بهم واحتفظوا بمقومات حياتهم الأصيلة ،وبين سياسات دولة أشاحت بوجهها تماماً عن تقديرهم والاهتمام بهم ومعالجة مشاكلهم تعطينا مؤشراً خطيراً على سوء الإدارة والتقدير للموارد البشرية المهاجرة رغم قوتها ومقدرتها على التأثير في الاقتصاد الوطني، وما مشاكل المستثمرين في الداخل من المغتربين إلا فيض من غيض.
اثناء زيارتي للحرم المكي كان أغلب من قابلتهم من بائعين وعاملين وأصحاب العربات التي تحمل المعتمرين من اليمنيين منهم من هم دون العشرين تهريب، ومنهم من شاب رأسه وهو يرنو إلى اليمن بعين حزينة يريد العودة لكن من سيفتح له آفاق الحياة الكريمة...؟؟