في 18 أغسطس 1953 كان الجيش الإيراني يقوم بتفريق تجمع جماهيري للشيوعيين، وفي اليوم التالي كانت طهران على موعد مع مظاهرة مصنوعة يقودها رجال دين ونساء تعلن الولاء للشاه محمد رضا بهلوي وتطالب بعودته. كان بهلوي قد غادر البلاد بداية الخمسينيات إثر خلافات شديدة مع رئيس الوزراء محمد مصدق والجبهة الوطنية التي كانت ترى ضرورة الاستقلال عن الهيمنة الغربية. يصف جرهارد كونسلمان مؤلف كتاب "سطوع نجم الشيعة" مشهد السقوط المدفوع، فيذكر كيف شق المتظاهرون طريقهم إلى مبنى مجلس الوزراء حيث كان يوجد مصدق الذي اعتبر أقوى رجل في إيران منذ هروب الشاه، إلا أنه سقط في خلال دقائق، فقد اقتحم المتظاهرون مكتب رئيس الوزراء الذي نجح بالكاد في الهروب من خلال الحديقة ثم الاختفاء، بعد ذلك لم تتكتم المخابرات الأمريكية سر تجميعها للمتظاهرين المؤيدين للشاه من الأحياء الفقيرة في المناطق جنوبطهران مقابل مال دفع نقداً. لم يكن كونسلمان هو الوحيد الذي أشار إلى وقوف أمريكا وراء الإطاحة بمصدق، فقد تحدث الجميع عن هذه الحقيقة، بما في ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت التي صرحت ذات يوم بأن أمريكا هي من كانت خلف هذا المشهد المصنوع.
بعد ستين عاماً من هذا الحدث المهم، تم الإعلان رسمياً عن ضلوع المخابرات الأمريكية في مؤامرة خلع مصدق، فقد كشفت وثيقة رسمية رفعت عنها السرية وكالة الاستخبارات الأميركية أنّ الوكالة كانت ضالعة في ما حدث لمصدق، ونشر معهد أبحاث أرشيف الأمن القومي المستقل الوثيقة، وقد جاء في إحدى فقراتها: "إن الانقلاب العسكري الذي أطاح مصدق وحكومة الجبهة الوطنية التي كان يقودها، جرى تنفيذه تحت إدارة وكالة الاستخبارات الأميركية في تحرك يتماشى والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتمت متابعته والمصادقة عليه من قبل أعلى المستويات داخل الحكومة". وقد تضمنت الخطة نشر أخبار كاذبة عن مصدق ونشرها في وسائل الإعلام الغربية والإيرانية، كان هذا مهماً لإنجاح الانقلاب ضد الرجل الذي قاد عملية التحرر من التبعية للدول الاستعمارية.
اليوم ونحن في نعيش عصر الانقلاب العسكري في مصر، يحق لنا أن نتساءل: ما حقيقة الدور الأمريكي تجاه إسقاط أول رئيس منتخب؟ ترى السلطة الانقلابية وإعلامها مترامي الأطراف أن جماعة الإخوان المسلمين عملاء لواشنطن، وأن السيسي بطل الاستقلال من الهيمنة الأمريكية، وقد بدت غالبية النخبة المثقفة متحمسة لهذه النظرية، حسناً، يمكننا أن ننظر إلى هذه المواقف بوصفها جزءاً من عملية تضليل مفضوحة، إذ لا يستطيع أحد أن ينكر العلاقة التاريخية والاستراتيجية القائمة بين الأمريكيين والجيش المصري؛ هذه العلاقة هي ما تمنع الرئيس الأمريكي من تسمية ما حصل بالانقلاب حتى لا يضطر لقطع المساعدات للجيش المصري وفق قانون أمريكي بهذا الخصوص. قد يسأل أحدهم: وماذا عن العبارات الإنشائية التي تصدر عن بعض المسؤولين الأمريكيين التي تدعم جماعة الإخوان المسلمين؟. ببساطة، لا يوجد دعم إلا للانقلاب، كل ما تسمعه من الأمريكيين خلاف ذلك هو فقط للحفاظ على صورة الدولة التي ترعى حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، وكذلك الخوف على الانقلابيين من التهور ومن السقوط لاحقاً. يمكنني تصديق نظرية اصطفاف أمريكا مع الإخوان إذا حدث أمرين اثنين: قطع المساعدات العسكرية، الضغط على السعودية والإمارات لعدم تمويل سلطة الانقلاب. على العكس من ذلك، يمكن التفكير بجدية في أن ما حصل القاهرة في 30 يونيو، و3 يوليو شبيه بما حصل في طهران لمصدق، فمرسي في نهاية المطاف كان يعمل على تشكيل دور مصر على نحو لم يكن يرضي أحداً في المنطقة وخصوصا إسرائيل. يمكننا أن نسأل أيضاً عن الهدف الحقيقي وراء تدفق الأخبار الكاذبة التي تقدح في ولاء مرسي وفي ضميره الوطني، هذه الأخبار التي كان يتم ترويجها في الإعلاميين الأمريكي والمصري بطبيعة الحال.