خرج أخيراً قانون العزل السياسي الى الوجود في توقيت عجيب، والحوار الوطني يبدأ مراسم إقلاعه من قاعة موفنبيك، وجميع أطراف العملية السياسية اليمنية في قمة انفعالاتها تزامناً مع انتهاء الحوار الغائم أحياناً والمتفائل أحياناً، مع شعور يسود الجميع أن لا شيء قضي في هذا الحوار او وصلت الأطراف الى حلول ترضي الشارع وترضي القادة. ولعل المواطن العادي الذي صدر ضده قانون عزل سياسي قديم يحق له ان يتساءل: هل قانون العزل هذا نتاج طبيعي لما حدث من فساد وتدمير لليمن وقتل لمقدراته وشبابه، ام ان هذا القانون جاء كرد فعل ومماحكة سياسية ضد أطراف معينة في مؤتمر الحوار، خاصة مع عودة مسيرات رفع الحصانة ومحاكمة القتلة هذه الشعارات البراقة التي تظهر في الساحة اليمنية أحياناً لإرضاء الثوار وتخبو أحياناً كثيرة لإرضاء الساسة والرعاة الرسميين.
وكيف يطبق قانون كهذا في وطن كاليمن. القوانين هي آخر من يحكم او يؤثر في سير الأمور، وهل يحتاج صالح مثلاً لأذن من فريق الحكم الرشيد كي يمارس سلطاته التخريبية في اليمن، وهل توقف أصلاً عن التدخل السافر في إدارة شؤون البلاد، وماذا عن بند الحصانة المشروط في المبادرة الخليجية، هل يحق إلغاؤه ام انه مجرد تهديد لصالح في محاولاته المستميتة لإفساد الحوار او فكرة التمديد لهادي؟.
لعل العزل السياسي لا يطبق حرفياً في اليمن الا في حالة المواطن المطحون الذي عزلته الدولة الرشيدة وعزله واقعه المأساوي عزلاً تاماً عن الاهتمام بمجريات الأحداث في وطنه والذي لا يذكر انتماءه القسري اليه الا في حالة تذكيره بانه يمني.
الا ان هذا المواطن بدوره كسر هذا العزل أخيراً وأصبح الناس في الشوارع من أكبر المحللين السياسيين الذين يطلقون تصريحاتهم في المقايل وعلى الأرصفة وفي حافلات النقل لا يحتاجون الى اي صحف او شاشات مرئية واكتفوا بالسماع والمشافهة، وبذكاء اليمني يربطون بين هجمات القاعدة المؤلمة وبين نزق صالح وتجبره او ضربات الكهرباء وأنابيب النفط وبين غضبه او زعله، وعلى هذا فأي حديث عن عزل صالح وبطانته يثير الضحك والسخرية في أوساط الناس فعن اي عزل يتحدث الساسة؟
فمن يغتصب حق الناس ويقتل الأبرياء ويثير الفوضى في الوطن لن يوقفه قرار عزل بل يوقفة محاكمة حقيقية وعقاب رادع وهذا ما نستبعد أن تفعله السياسة على الاقل في القرن الحالي.
فهناك حرص عجيب وغير مفهوم لرموز الفساد والإجرام في الوطن العربي وهناك أيادٍ سوداء تبعد عنهم كل مساءلة قانونية او أحكام قضائية ولا ندري هل تؤجلها لبعد موتهم مثلاً.
ومع كل هذا التشاؤم، الا ان قانون العزل السياسي ربما يكون بادرة خير في إسقاط الحصانة ومحاسبة قاتلي شباب الثورة بدم بارد في 2011 وانه ليس لعبة سياسية جديدة ليس لها أثر حقيقي نظراً لوقاحة النظام السابق في إفراز المعرقلات والنكبات في طريق الدولة الحالية.
ورغم تصريحات بن مبارك او غيره بكون امر القانون ليس من شأن فريق الحكم الرشيد وانما العدالة الانتقالية يهمنا ان يكون هذا القانون احد مخرجات الحوار وليخرج من حيث خرج.