في محطة القطار أناظر ساعة المحطة ، يفصلني عن الفكاك من هذا الرصيف الملئ بالغرباء بضع دقائق ليست بالقليلة ، أتجنب الزحام وألقي من المعطف بقايا سقوط الثلوج البيضاء ، شاب يمتلئ وجهه بالضياع يقترب بأهتزاز ، ليلقي جملاً بلغة غير مفهومه ، وكأنه يتحدث من خلف شاشة كاتمة الصوت ، استمتعت بالبحلقة بهذا الوجه الغريب ، بإشعال سيجاره ، ومحاولة الإنتباه ورفع معيار الفهم ، لأفهم أخيراً بأنه يريد قطع تذكرة إلى مدينة دوسلدورف ، أصر الغريب بأن يكافئني بشئ ملموس ، بعد أن اتممت له المهمة بنفسي ، خير من كلمة شكر فارغة ، في زمن مادي ، قناعة منه بأن الحياة لم تعد تعطي شئياً بالمجان ، حتى الإبتسامة ! فأشرت عليه بغرور إلى ركن ستار بوكس الشهير ، قناعة مني بأنني استحق كوب " الكافي موكا " اليمنية التي ترضي ذكرياتي ، وبدأ الغريب يحرق الأوقات بالبوح المكتوم ، يصر على إفهامي بلغته ، يتناول سرد حكايته ، مع صور لرفيقه في طهران يطلعها عليّ بإهتمام من خلال هاتفه ، لقد فارق الحياه أقرب صديق شاركه ذكرياته ، وهو مازال شاباً يمتلئ وجهه بالأمل !
إنه ضحية من ضحايا " احمدي نجاد " الذي نشر جنوده ليقوموا بدور الخيانه على أكمل وجه ، على الشارع الإيراني ، قناعة منه بأنه يعيش ضمن اقليم الشرق الأسود ، والذي يجبر حكامه على ممارسة سياسة القمع والقتل بتسميات وطنية لا دخل لها بالوطن ! ،حفاظاً على الكراسي النارية ، فقد صديقه من ضمن عشرات بل مئات تساقطوا في شوارع طهران والمدن الإيرانية ، بعد ان حاولوا رفض ، سياسة الصناديق المعدة مسبقاً في الدهاليز الأمنية ، لم يسلم حتى شقيقات " ميسوي" من آلة القتل ، كان يلقي لي بالمعلومات ذات الطابع الحقيقي من موقع الحدث بحرقة ، يريد أن يجيب على سؤالي الذي سبق اشتراكنا لهذه الطاولة ، عن سبب مجيئه ، ليشير لي بكافة حواسه بأنه إن لم ياتي كان سيكون بجوار صديقه بلا ريب ، ثم يقول لي بكلمة مفهومة هذه المرة " مجبور " ! اختفى في الزحام ، وحضر القطار ، ورحلت عن ذاك الرصيف ، ونفسي تحدثني ترى هل كان " احمدي نجاد " مجبور أن يدعم التمرد الداخلي في اليمن ، لمجرد لفت نظر العالم بعيداً عن جرائمه ؟!، وهل ياترى كان " حزب الله " مجبور بتقديم كل خدماته للنظام في إيران مخالف كل قواعد القتال النزيه والشريف في مجابهة المعتدي ؟!، وهل ياترى النظام في اليمن مجبور على جعل اليمن هكذا فريسه سهلة المراس ؟!،