الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    شاهد لحظة اختطاف الحوثيين للناشط "خالد العراسي" بصنعاء بسبب نشره عن فضيحة المبيدات المحظورة    الصين توجه رسالة حادة للحوثيين بشأن هجمات البحر الأحمر    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    بينما يذرف الدموع الكاذبة على نساء وأطفال غزة.. شاهد مجزرة عبدالملك الحوثي بحق نساء تعز    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    مؤتمر برلمانيون لأجل القدس يطالب بدعم جهود محاكمة الاحتلال على جرائم الإبادة بغزة    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    غزو اليمن للجنوب.. جرائم لا تسقط من الذاكرة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    الحكومة تدين اختطاف مليشيا الحوثي للصحفي العراسي على خلفية تناولاته لفضيحة المبيدات القاتلة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    استشهاد 5 نساء جراء قصف حوثي استهدف بئر ماء غربي تعز    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جذور الصراع السلفي الشيعي في صعدة
نشر في المصدر يوم 06 - 11 - 2013


توطئة
لعل�' من الأنسب للولوج إلى أجواء هذه الدراسة، العودة إلى الماضي القريب ومحاولة التعرف على الخلفية التاريخية للصراع الزيدي السلفي في منطقة صعدة، ولن نوغل كثيراً في التاريخ البعيد؛ لأن ما سيتكشف من خلال مراجعة التاريخ القريب يكشف غياب العلاقة الجوهرية للصراع القديم بين الأئمة والوهابية بالصراع الجديد.

فقد تزامن ظهور الدعوة الوهابية في منتصف القرن الثامن عشر مع بداية انهيار الدولة القاسمية الزيدية في شمال اليمن ([1])، وكان الأتراك هم العدو المشترك للدعوة الوهابية وحاملها السياسي المعتمد على العصبوية القبلية – آل سعود والقبائل العربية والمتحالفة معهم- ودولة الأئمة الزيدية في شمال اليمن والقبائل المتحالفة معها، والتي كانت تمتد إلى لحج وعدن. وكان الأتراك قد انسحبوا من صنعاء عام 1630، بعد معارك طويلة وقتال مرير في عهد الإمام المؤيد، قبل أن يعودوا إليه عام 1849 ([2])، وكانت الدولتان الزيدية والوهابية تخوضان حروباً ضارية ضد الأتراك. فقد استولى الوهابيون مطلع القرن التاسع عشر على مكة والمدينة قبل أن يطاردهم محمد على باشا ويعيد السيطرة من جديد على الحجاز، وحينها طلب محمد علي باشا من إمام صنعاء التعاون في مواجهة الوهابية مقابل الاعتراف بالعثمانيين وإعادة عسير إلى اليمن، إلا أن الإمام رفض هذا العرض، وتطو�'ر هذا الرفض إلى صراع انتهى بالسيطرة العثمانية على صنعاء قبل انسحابهم عام 1911. وفي أثناء هذا الصراع، كانت الدول الاستعمارية ممثلة ببريطانيا وإيطاليا تقدمان الدعم المالي للقبائل العربية التي تحارب العثمانيين ([3])، وبعد خروج الأتراك لم يتبلور أي صراع سياسي بين إمام صنعاء وبين الدعوة الوهابية؛ وكان الصراع الأبرز بين الإمام وأمير المناطق المجاورة لصعدة "الإدريسي"، وكان الإدريسي عدواً مشتركاً للوهابية والزيدية. وساءت العلاقة بين الإمام وبريطانيا إبان الحرب العالمية بالاتساق مع تحسن علاقته بالعثمانيين حينها، وحظي الإدريسي بدعم بريطاني - إيطالي واستطاع احتلال الحديدة، ومع ذلك لم يفضل الإمام الدخول في حرب مع البريطانيين.

وبصورة عامة يستطيع الباحث أن يجزم بعدم تبلور صراع مذهبي. وبعد سقوط الإدريسي بدأ أول صراع سياسي بين المتوكلية اليمنية والوهابية السعودية حول بسط السيطرة والنفوذ على المناطق التي كانت تحت سيطرة الإدريسي، وخلال هذا الصراع كانت الدعوة الوهابية تستغل الخرافات والشعوذة والتبرك بالأضرحة والنذور للقبور التي كانت رائجة في تهامة وعسير لنشر دعوة التوحيد وبسط النفوذ السياسي، بالدعوة إلى إعادة إحياء الدين وتجديده ومحاربة الخرافة وعبادة الأوثان والإشراك بالله وفرض الدعوة بقوة السلاح والعصبيات القبلية والبدوية ([4]). ومع ظهور الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، تحس�'نت العلاقة نسبياً بين المتوكلية اليمنية والعربية السعودية.

وبعد رفض الإمام التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين في مواجهة التحالف البريطاني مع الأشراف وال سعود، تواصل الإخوان مع حركة الأحرار المعارضة للإمام، وجاءت الثورة الدستورية عام 1948، لتُساهم في تعميق علاقة الامامة المتوكلية اليمنية بالوهابية السعودية، واستمرت هذه العلاقة بعد اندلاع ثورتي أكتوبر وسبتمبر في ستينات القرن الماضي، وانسحاب النظام الإمامي من صنعاء إلى مناطق صعدة والجوف وحجة، ليخوض حرباً استنزافية مع النظام الجمهوري، مدعوماً من المعسكر الأمريكي - السعودي – الاسرائيلي ([5]) في مواجهة الجمهورية التي حظيت بدعم المعسكر السوفييتي المصري، وانتهى الصراع باستسلام المعسكر الإمامي، والتوقيع على اتفاقية المصالحة في نهاية ستينات القرن الماضي، وتحررت صعدة من سيطرة النظام الإمامي عام 1969، وتم توقيع اتفاقية المصالحة التي استفاد منها العلامة بدر الدين الحوثي والعلامة مجد الدين المؤيدي، وعادا إلى صعدة بعد هروبهما إلى السعودية ([6])، وظلت البيوت الإمامية تحاول انتزاع بعض صلاحياتها المذهبية في صعدة كأخذ زكاة الخُمس ونحوها.

تطورات نظرية الإمامة:
كان المفترض بعد أن وضعت الحرب بين الملكيين والجمهوريين أوزارها واستقرار النظام الجمهوري أن تطو�'ر الزيدية نظريتها السياسية وتدرس أسباب انهيار النظام الإمامي وعجزه عن استيعاب مستجدات الأنظمة الحديثة، وأن يبذلوا جهداً علميا في تقريب نظرية الإمامة من نظرية الشورى ومفهوم النظام الديمقراطي الجمهوري في سبيل تحويل الزيدية إلى مذهب فقهي يتصالح مع الشرعية السياسية الحديثة للدولة المعاصرة، لكن السيطرة التقليدية على المذهب حالت دون هذا التطو�'ر، وظل هذا الن�'قد ومحاولات التطوير محصوراً على مدرسة "آل الوزير" الذين استبدلوا نظرية الإمامة العادلة بدولة الإسلام الشوروية وحكم المؤسسات برئاسة «رئيس الدولة» وليس «الإمام» وبتكوين القضاء العام والاحتساب العام مع إضافة محكمة الكتاب والسنة العليا التي يرجع إليها عند الاختلاف والتنازع مع أولي الأمر وحكمها يكون القانون الفصل.
وتأخرت مرحلة المراجعات والقراءات النقدية الجادة للنظرية الإمامية إلى مرحلة ما بعد الوحدة، إذ ظهرت لأول مر�'ة دراسات تعيد أسباب فشل النظرية السياسية الزيدية إلى الانحراف المبك�'ِر في نظرية الإمامة وخروجها عن قاعدة الشورى إلى الحصر في البطنين وتوجهها نحو توريث الحكم غير المعلن، والذي تحول إلى توريث معلن بتسمية الإمام يحيى لابنه أحمد ولياً للعهد وعدم وضع ضوابط فعلية لمنع تعدد الدعاة إلى الإمامة الذين يحتكمون إلى مبدأ القوة وسلطة القهر والتغل�'ب، وقد تطو�'ر فكر آل الوزير في المرحلة الأخيرة فأكدوا في دراسات حديثة إلى ملامح التقارب الكثيرة بين النظامين الجمهوري والإمامي.
وفي بداية التسعينات ظهر لأول مر�'ة بيان يطالب بالتخل�'ي عن مصطلحات الإمامة من قبل عدد من كبار علماء الزيدية؛ يمثلون اللجنة التحضيرية لحزب الحق، وتضمن البيان التأكيد على تجاوز فكرة الإمامة والإقرار بالنظام الجمهوري، غير أن الذين وق�'عوا على البيان هم علماء صنعاء فقط في حين غابت أسماء علماء صعدة، وعلى رأسهم رئيس الحزب حينها العلامة مجد الدين المؤيدي، والعلامة بدر الدين الحوثي. ويرى الباحثون أن عدم توقيع بدر الدين الحوثي والمؤيدي على البيان يعني التمس�'ك بأحقية آل البيت في الحكم، واعتبار البيان تراجعاً كبيراً عن الإطار الفكري للزيدية ([7]).

هذا الإصرار على أهمية تموضع نظرية الإمامية بصورتها التقليدية في المذهب الزيدي يدفع بعض الباحثين إلى المطالبة بضرورة البلورة الفكرية والفقهية للمذهب الزيدي بعيداً عن النظرية السياسية.

التحولات الفكرية والسياسة ولعبة الاستقطابات الدولية:
مع استقرار النظام الجمهوري في صنعاء في السبعينات وظهور تحدي المعسكر الشرقي في عدن، واشتعال جبهة المناطق الوسطى بدعم من الجنوب والمعسكر الشرقي، شعر النظام السعودي بحاجته إلى تحسين علاقاته مع الصف الجمهوري بشقيه العسكري والقبلي، وصادف هذا التحول انتصار الثورة الخمينية الإيرانية عام 1979، وتبلور مشروع تصدير الثورة، واحتضان المعسكر الشرقي لهذه الثورة، فساعد جميع ذلك على انتعاش أحلام بقايا النظام الإمامي في إعادة بناء دولتهم، مستفيدين من احتدام صراع الشمال والجنوب وتبلور مشروع داعم جديد يمكن الاستناد عليه في إعادة مشروع الإمامة.
وقد عبر أحد الشعراء عن انتعاش هذا الحلم الإمامي بقصيدة شعرية يقول فيها:
قل لفهد وللقصور العوانس
إننا سادة أُباة أشاوس
سنعيد الحكم للإمام إما
بثوب النبي وإما بأثواب ماركس
وإذا خابت الحجاز ونجد
فلنا إخوة كرام بفارس ([8])

وفي هذه الفترة سافر حسين بدر الدين الحوثي إلى طهران، وكان من لوازم التعاون المشترك بين الطرفين محاولة التقريب بين الزيدية والاثنا عشرية.
ويؤكد الدكتور أحمد الدعشي أن هذا التقارب تبلور في عقائد فرقة الجارودية الزيدية المتطر�'ِفة التي تورطت بتكفير الصحابة وتضليلهم مع تأكيده على أهمية التفريق بين المذهبين وبطلان دعوى التماثل ([9]).

وتشكلت أول نواة للفكر الحوثي في عام 1982 ([10]). وفي نفس الفترة عاد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي من السعودية إلى صعدة بعد إبعاده من السعودية إثر اتهامه في المشاركة بالترويج لأفكار جهيمان العتيبي، قبل قيام جماعة جهيمان باحتلال المسجد الحرام بثلاثة أشهر، وفي هذه الفترة استقر الشيخ مقبل في دماج مؤسساً مركز دماج العلمي.

الوادعي من الزيدية إلى السلفية:
يرى الشيخ مقبل بن هادي الوادعي أن مصطلح متحول من الزيدية لا يصح إطلاقه على جميع العوام الذين عاشوا في الجغرافيا التي خضعت للسيطرة الزيدية السياسية، مؤكداً أن كلمة "زيدي" لا يصح أن تطلق إلا على من درس المذهب الزيدي واقتنع بما فيه، وأما العامة فهم أتباع من يثقون به ([11]). ويؤكد الوادعي أنه لم يكن في صغره متحمساً للتمذهب، وأنه حاول أن يطلب العلم في جامع الهادي على أيدي علماء الزيدية، ولكنهم لم يأخذوا على يده، وربما حاولوا صرفه عن طلب العلم لأسباب عُنصرية، تنطلق من ثقافة التراتب الاجتماعي الذي رس�'خته الأنظمة الإمامية المتعاقبة خلال قرابة ألف عام.
وهذا ما لمحه صاحب كتاب "الإسلامي السياسي في زمن القاعدة" في المبحث الذي خصصه للشيخ الوادعي تحت عنوان "خفايا مسار أيديولوجي: سلفي يمني بين الراديكالية الدينية والإستراتيجية الاجتماعية". ويعتبر المؤلف الوادعي المنظِ�'ر الرئيس لأكثر اتجاهات الفكر السلفي اليمني والعالمي حَرفية.
ويشير الباحث إلى أهمية انتماء الوادعي إلى طبقة اجتماعية دنيا نسبياً -رجل قبيلة- وواقعه الاقتصادي في تحوله الفكري. ويشير الكاتب إلى أن مقبل لم يكن "ينتمي للأرستقراطية الدينية لسلالة النبي (السادة، الوحيدين الذين يمكنهم أن يطمحوا إلى منصب الإمامة الرفيع)، ولا للأرستقراطية الحقوقية "للقضاة"، مستشاريهم الأساسين، ولا حتى لأرستقراطية "السيف" التي يشكلها، حتى يومنا هذا، رؤساء القبائل الكبيرة، قوة الإمامة المسلحة الرئيسة لفترةٍ طويلةٍ" ([12] ).

ويشير المؤلف إلى اضطرار الوادعي إلى الهجرة الى السعودية تحت ضغط الواقع الاقتصادي. ويشير الوادعي في ترجمته لسيرته الذاتية إلى أنه عمل في السعودية حارساً لعمارة، ووجد وقتاً للقراءة فاستشار أحد الواع�'ظ إلى أهم الكتب التي عليه أن يقرأها؟ فأرشده إلى صحيح البخاري ورياض الصالحين وكُتب في عقيدة التوحيد. فصادفت هوًى في نفسه لمخالفته الثقافة السائدة في بلاده.
ويروي الوادعي قصة أول عودة له إلى بلاده بعد إيمانه بالمعتقدات الجديدة، وكيف اضطر لإظهار توبته علناً، يقول: "وبعد مد�'َة من الزمن رجعت إلى بلدي أُن�'كِرُ كل ما رأيته يخالف ما في تلك الكتب من الذبح لغير الله، وبناء القباب على الأموات، ونداء الأموات، فبلغ الشيعة ذلك، فأنكروا ما أنا عليه، فقائل يقول منهم: من بد�'َل دينه فاقتلوه، وآخر يرسل إلى أقربائي ويقول: إن لم تمنعوه فسنسجنه، وبعد ذلك قرروا أن يدخلوني (جامع الهادي) من أجل الدراسة عندهم لإزالة الشبهات التي قد علقت بقلبي، ويُدَن�'دِنُ بعضهم بقول الشاعر: عَرَف�'تُ هَوَاهَا قَبلَ أن أعرِفَ الهَوَى *** فَصَادَفَ قَل�'باً خَالياً فَتَمَك�'نَا"، وتعكس العبارة الأخيرة الندم الذي شعر به علماء الزيدية لعدم مساعدتهم الوادعي على طلب العلم في جامع الهادي في صغره. وبعد هذه المساجلة أجبروه على الدخول إلى جامع الهادي ليتعلم الزيدية، ولكن المنطق العنصري في لغة بعض علمائهم كان يستفزه بشدة، وترك هذا المنطق الذي يحمل لغة التعيير له بطبقته الاجتماعية بصمات واضحة في حياته. يروي الوادعي في أحد المواقف التي يؤكد أنه لن ينساها طيلة حياته، فيشير إلى خلاف حدث بينه وبين أحد علمائهم عندما نصحه الوادعي بترك التنجيم، فأمر بطرده من الدراسة، فتشفع له البعض وسكت. ويروي كيف كان بعض الطلاب يمرون به ويقولون: "قبيلي صب�'ِن غِرارة"، بمعنى أن التعليم لا يُؤث�'ِر فيه، وهو يسكت" ([13]).

ويروي صاحب كتاب "الإسلام السياسي" معاناة مقبل في محاولة غسيل الدماغ التي فُرضت عليه في جامع الهادي، فيقول: "لم تكن العزلة والنفي اللذان بدأ يعانيهما إيديولوجيتين فقط، كان لهما بُعد اجتماعي صريح وتعبير عن احتقار السادة سليلي الرسول له". ويروي الكاتب كيف كان يذكره أعضاء الارستقراطية الدينية عندما يحاول التمرد بطبقته الاجتماعية وأنه ليس سوى قبائلي وضيع، ولن يحلم بالخروج من طبقته. وتهكموا قائلين: مهما دعكنا "الممسحة" لن تصبح أبداً بيضاء.

ويؤكد الكاتب أن هذا التنبيه الديني والاجتماعي كان مهيناً للغاية؛ لأنه صدر عن هؤلاء الذين يحمون شحوب بشرتهم بمظلات واسعة كيلا يصبحوا كالفلاحين. لقد دو�'ن مقبل في سيرة حياته: سأذكر ذلك طيلة حياتي "([14])، ومن يلاحظ اليوم جميع محاضرات وخطب الوادعي يلحظ كثرة ترديد الوادعي لكلمة "ممسحة" حين يشتم أي شخصية علمية يختلف معها، مما يؤكد استغوار هذه الإهانة لأعماقه، بل إن هذه الإهانات تعطينا تفسيراً نفسياً لأسرار قسوة الوادعي على سلاطة لسانه على مخالفيه وتعم�'ده إهانتهم.

دور تأسيس مركز دماج في بلورة الظاهرة الحوثية
الاستعراض السابق لسيرة الوادعي يشير إلى طبيعة التحد�'ِي الذي فرضته أيديولوجيا التعصب المذهبي الزيدي في جامع الهادي على نفسية الشيخ الوادعي، كان لا بُد أن يعود الوادعي إلى صعدة ليثبت لمخالفيه أنه ليس ذلك الممسحة القبيلي الذي لا يُمكن أن يستوعب العلم، بل إنه قادر على منافستهم والتفو�'ق عليهم، فعاد في منتصف السبعينات وحاول الترويج لأفكاره في جامع الهادي نفسه، فحدثت أول مواجهة علنية له مع علماء الزيدية، وتطورت إلى اشتباك بالأيدي. يؤكد الوادعي أنهم حاولوا قتله، لولا تدخل أبناء قبيلته "وادعة" في الدفاع عنه، وتدخلت السلطات الأمنية وألقت القبض عليه مع عددٍ ممن اشتبك معهم وإيداعهم السجن.

ويذهب بعض الباحثين إلى أن تأسيس الشيخ مقبل الوادعي مركز دماج كان من أهم العوامل الأساسية لانشاء المراكز العلمية التابعة لمنتدى "الشباب المؤمن". ويؤكد صاحب كتاب "الظاهرة الحوثية" أن إنشاء هذه المراكز كان رداً عملياً "على التحد�'ي الذي شك�'له قيام مركز دماج السلفي التقليدي في مديرية وادعة القريبة من مدينة صعدة، بإدارة الشيخ الراحل مقبل بن هادي الوادعي (ت:1422ه-2001م): رأس الدعوة السلفية في اليمن، مع ما يُعلم تاريخياً من كون منطقة صعدة تمث�'ل كرسي الزيدية الهادوية في اليمن"( [15]). ويؤكد الكاتب أن الشيخ الوادعي "رفع راية الحملة ضد الزيدية والشيعة المذهبية بصورة عامة، مما قاد خصومه هنالك إلى رد فعل زيدي عنيف لمواجهته تمثل بعضها لاحقاً في تأسيس ما عُرف بمنتديات "الشباب المؤمن"، بعد أن كانت جبهة المواجهة هذه غير قائمة – على ذلك النحو على مدى نحو عقدين من الزمن؛ أي منذ الإعلان عن الثورة اليمنية في 1962 بعيد عودته من العربية السعودية في أواخر الثمانينات الميلادية" ([16] ).

وساهم هذا التهديد السلفي في بلورة ما يسميه البعض "الزيدية الاحيائية" التي قامت على أساس استشعار خطورة ضياع الهوية الزيدية أمام الدعوة الوهابية ([17]).

وينسب تقرير الأزمات الدولية إلى يحيى الحوثي قوله: "إن دافعنا الأساسي للعمل هو مكافحة الوهابية"، مشيراً إلى "وجود حروب فكرية وثقافية من بداية الثورة، وأن الحكومة تنشد مساعدات اقتصادية من السعودية، وهي تساند انتشار الوهابية في سبيل ذلك" ( [18]).

ولعل�' في ذلك ما يبرر الدعم الذي كان يتلقاه مركز دماج من نظام صالح، وثمة من يرى أن الدعم الحكومي لمركز دماج لم يكن يستهدف الزيدية قدر استهدافه للإخوان الخصم السياسي الأبرز لنظام صالح. يقول صاحب كتاب "الإسلام السياسي": "إن راديكالية السلفيين المذهبية ضد الإخوان المعارضين لنظام علي عبد الله صالح هي -جُزئياً على الأقل- نتاج تهاون السلطة المتسامحة. وباعتبار أن السلفيين هم بشكلٍ واضحٍ أقل�' انخراطاً من الإخوان في ديناميكية التحديث السياسي، لا يخلو مثل هذا الدعم، الذي له ما يماثله في العديد من بلدان المنطقة، من الواقعية والاستخفاف" ([19]).

وفي المقابل تم تسويق الدعم لمنتدى الشباب المؤمن- نواة الحركة الحوثية- للغرض ذاته، وفي هذه العلاقة بعض ما يفس�'ر عدم الصدام بين الطرفين طيلة فترة الحروب الستة بين الحوثيين ونظام صالح، واشتعال هذا الصدام مع تهاوي نظام صالح تحت ضربات الثورة الشعبية في 2011.

بيد أن دراسات أخرى تؤكد أن الحوثيين تلقوا الد�'عم من الحكومة لغرض مواجهة السلفية السعودية، وينسب تقرير الأزمات الدولية إلى مسؤول رفيع في الحزب الحاكم تأكيده أن "الشباب المؤمن" تلقوا الدعم من الحكومة لهذا الغرض، وأن الحكومة تنب�'هت إلى خطورة انتشار الوهابية، فقامت في الثمانينات والتسعينات بدعم المجموعات الزيدية، ومن ضمنها الحوثية، بيد أنها فشلت في السيطرة على برامج هذه المجموعات.
وأكدت مجموعة الأزمات أنها تواصلت هاتفياً بالقيادة الحوثية للتأكد من هذه المعلومات، فنفى الحوثيون تلقيهم أي دعم من الحكومة.

العلاقة بين السلفيين والحوثيين أثناء الحروب الستة:
تشير جميع الدلائل أن السلفيين عامة وسلفيين دماج خاصة كانوا حريصين على عدم التور�'ط العملي في الحروب الستة، وكان يحرصون على تغليف مواقفهم في تأييد النظام بطاعة ولي الأمر وشرعية قتال من يخرج عليه، ورغم حرص النظام على استدراجهم إلى الحرب، وإرساله بعض العناصر الأمنية التي تحاول التحر�'ش بالحوثيين إلا أن الجانبين كانا يدركان أبعاد هذه المحاولات ويرفضان الانجرار إلى الصراع المباشر.

ولم يتهمهم الحوثييون بالمشاركة الفعلية في الصراع خلال هذه الحروب، مقتصرين على اتهامهم بتوفير الغطاء الد�'ِيني لهذه الحروب، كما أكد ذلك البيان الصادر عن مكتبهم الإعلامي الذي جاء رداً على مؤتمر السلفيين في تاريخ 30 نوفمبر 2011، والذي تضم�'ن إدانة الدعوات والممارسات الطائفية، وكل ما من شأنه إثارة الفتنة والفرقة بين أبناء الشعب اليمني، وأعلن البيان الصادر عن مكتب الحوثي تثمينه لهذا الموقف وتأكيده في الوقت ذاته: أن "من يمارس النشاط الطائفي ويدعو إليه ويحر�'ض على الفتنة المذهبية والطائفية، وينشر فتاوى التكفير ضد كل من يخالفهم في الرأي أو في الفكر هم أصحاب مركز دماج، ومن يقف خلفهم، ويبررون قتل الناس تحت دعاوى أنهم روافض جائز قتلهم" ([20]).

والبيان يكشف بعض أسباب جوانب الصراع، التي تمثلت -حسب البيان- باستغلال السلفيين العدوان وسيطرة طلاب دماج على بعض المساجد، التي أشار البيان إلى استرجاع الحوثي لها بعد قيام الثورة الشعبية على النظام.
ويشير تقرير مجموعة الأزمات إلى تور�'ط بعض القيادات السنية في التحريض الطائفي على الحوثيين، وخطورة هذا التحريض في تهديد التقارب بين الهويات الطائفية، مشيراً إلى عد�'ة مقالات نشرتها مجلة "المنتدى" السلفية. وتطر�'ق التقرير إلى عبارة لرئيس جمعية الحكمة في أحد أعداد المجلة يقول فيها: "إن كان للقوات المسل�'حة دور كبير في استئصال الفتنة الحوثية فإن على القوى الفكرية استئصال جذورها" ([21] )، وفي هذا السياق أشار التقرير إلى تأسيس مفك�'ِرين إسلاميين مراكز تستهدف التحريض على الحوثيين ([22]).

قضية دماج والثورة الشعبية:
لا يمكن عزل تصاعد الصراع في منطقة دماج عن التداعيات السياسية والأمنية الناجمة عن تطو�'رات الثورة الشعبية وما نجم عنها من انقسام المؤسسة العسكرية، الأمر الذي شج�'ع طموحات مشاريع التسل�'ط المذهبي على المجتمع بقو�'ة السلاح، وبدأت عمليات التوس�'ع الحوثية في المحيط الجغرافي لصعدة والجوف وحجة ومناطق من عمران، والاصطدام بأبناء هذه المناطق. وفي حين كان خصوم الحوثيين يؤكدون وجود اتفاقيات سرية بين النظام والحوثيين لتمكينهم من السيطرة على مناطق شمال الشمال بهدف إرباك الصف الثوري، غير أن مقر�'بين من الجماعة الحوثية ينفون هذه الاتهامات، ويؤكدون أنهم يتعاملون مع الحزب الحاكم باعتباره تركة الرجل المريض التي يجب أن يحصلوا منها على أكبر حصة.

وفي سياق العمليات التوس�'عية للحوثيين، ومع تهاوي النظام، بدأ الحوثيون في التخطيط لتضييق الخناق على مركز دماج، وفرضوا سيطرتهم على عددٍ من المساجد التي كانت تحت سيطرة السلفيين، وأقاموا عدداً من النقاط الأمنية في محيط منطقة دماج.

ويبدو للمتابع أنهم كانوا في انتظار أي فرصة للهجوم على المركز، وأن هذا التوج�'س عند أصحاب المركز دفعهم إلى أخذ حيطتهم واقتناء أسلحة بغرض الد�'ِفاع عن أنفسهم، واشتعل الصراع بعد عملية اعتداء على أحد الحوثيين ومحاولة السلفيين التحكيم ومناشدتهم المحافظ التدخل لحل المشكلة، فلم يجدوا تحاوباً، وهاجم الحوثييون المركز، وأطبقوا الحصار على المنطقة ([23]).

وبالنظر إلى حجم الحادث الذي تطو�'رت المشكلة على إثره، يبدو واضحاً سهولة استيعاب المشكلة طالما أن الطرف المعتدي كان مستعداً للتحكيم، مم�'ا يؤكد أن السبب الأساسي وراء العنف الحوثي في التعامل مع القضية له أبعاد أخرى، يفرضها غرور تجربتهم في استخدام القو�'ة في الدفاع عن أنفسهم في الحروب السابقة وشعورهم بضرورة استغلال الثورة وتهاوي النظام؛ للتوس�'ع وتأديب بعض خصومهم.

ويمكن الاستدلال على هذا بالاستنتاج الذي توصل إليه تقرير لجنة المنظمات الحقوقية، حين أشار إلى: أن "أسباب الصراع المسلح الناشب في دماج، التي أوردها الطرفان، غير كافية ومبررة لخوض هذا الصراع، حيث كان بإمكانهما إتباع سُبل سلمية سريعة لمعالجة نقاط الخلاف" ([24]).

الأبعاد الإقليمية والدولية للقضية:
ساهمت الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية لمحافظة صعدة والمحيط المجاور بتحويلها إلى ميدان حروب دولية تُدار بالوكالة بأيدٍ محلية، ولو اكتفينا بالاستعراض السريع لتاريخ هذه الحروب في تاريخنا القريب من بداية القرن العشرين، إذ تشير الوقائع إلى أن هذه المنطقة شهدت حروباً طاحنة بالوكالة، وبالتدخل المباشر بين الأتراك والبريطانيين والإيطاليين في بداية القرن الماضي. ونستطيع أن نلمس بوضوح هذا الاستعداد للتحول إلى أدوات حروب بالوكالة في صفحات كتاب "ملوك شبه الجزيرة العربية"، الذي ألفه المعتمد البريطاني في جنوب اليمن كولونيل هارولد عام 1923 باللغة الإنجليزية، وترجمه السفير الراحل أحمد المضواحي؛ أشار فيه المؤلف إلى الدور البريطاني الكبير في تحريض العشائر العربية في الجزيرة العربية على الاستقلال عن العثمانيين، ومحاربتهم.

ويشير الكتاب إلى الدعم البريطاني الذي قد�'مه للأشراف في الأردن وآل سعود في نجد والأدارسة وآل حميد الدين اليمن، وجنوب مكة، وغيرهم من القبائل في شمال اليمن والسلاطين في الجنوب.

ويوض�'ح المعتمد البريطاني كيف كان يتهالك زعماء القبائل وراء "الذ�'هب". وأشار إلى وثيقة أرسلها سلطان يافع إلى الإمام تؤكد أن الإنجليز يشترون العرب بالذهب، وأن العرب لا يستطيعون مقاومة الرشوة. وأشار المعتمد البريطاني إلى رسالة وصلتهم من أحد مشايخ مارب يطلب ضم اسمه إلى قائمة المشايخ الذين يستلمون المرت�'بات من بريطانيا ليقف مع بريطانيا في مواجهة الإمام الزيدي.

ويوض�'ح الكتاب كيف اعتادت القبائل اليمنية والعربية على الارتزاق من الحرب بين الأتراك والإمام، وكيف كانت تقبض من الجانبين، وكانت تعتقد بخطورة التصالح معتمدة على المثل القائل: "إذا وقعت الشريمان شريماً واحداً فترت العرب» ([25]).

وهذه الإشارة تؤكد وجود مشكلة أساسية في البنية الاجتماعية والاقتصادية ينتج عنها استعداد الكثير من المكو�'ِنات الاجتماعية للدخول في أي حرب بناءً على قدرة الأطراف المتصارعة على العطاء، واستثمار أي صراع بين جبهتين كفرصة للاستفادة من الطرفين، وعلى ضوء هذه القاعدة يمكن قراءة قدرة الصف القبلي الجمهوري والصف القبلي الملكي بعد ثورة سبتمبر على استجلاب الحرب بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى الدخول في حرباً بالوكالة؛ شارك فيها الاتحاد السوفيتي بواسطة مصر، وتدخل فيها الطيران السوفيتي والسوري والجزائري، وبين المعسكر الأمريكي - السعودي الداعم للملكية.

وبعد تحولات الصراع التي سبق الإشارة إليها في مطلع هذه الدراسة، وانتقال التيار الإمامي من المعسكر الأمريكي إلى المعسكر الإيراني - الروسي، تبلورت جماعة الشعار (الموت لأمريكا) في محاولة واضحة لجر أطراف الصراع الدولي إلى اليمن، واستجلاب الدعم، فضلاً عن محاولة الدفاع عن الهوية المذهبية في مواجهة السلفية التي ارتبطت بالدعوة الوهابية السعودية.

وتوف�'رت مبررات هذا التحول بعد أن أصبح التنافس بين إيران وطهران المحر�'ِك الأساسي للحروب الإقليمية بعد حروب الخليج الأولى والثانية، وتطو�'رات الصراع العربي - الإسرائيلي وعلاقته بلبنان وسوريا، وعلى ضوء هذه المعطيات "أصبحت حرب صعدة، ببُعدها السن�'ِي/الشيعي الكامن والمُضل�'ِل في آنٍ معاً، جزءاً من رواية التنافس الجيو-سياسي والطائفي.

وقد بحثت أطراف أخرى كذلك لنفسها عن دور تلعبه؛ عام 2007 اضطلعت قطر بجهود وساطة يرى معظم المحللين أن السعودية ساعدت بإفشالها في نهاية المطاف ([26]).

وكنا قد أشرنا في مقد�'ِمة هذه التناولة إلى هجرة الوالد المؤسس أو الزعيم الروحي للحركة العلامة بدر الدين الحوثي إلى إيران، ومع عدم توف�'ر "معلمات" واضحة حول الدور الايراني الرسمي في دعم الحركة الحوثية وتناقض التصريحات الرسمية حول هذا الد�'عم وحول الدعم الخارجي بصفة عامة، فإن المؤكد هو وجود علاقة تعاونية بين الحركة وبين الحوزات العلمية في إيران، وهذا ما يؤكده أحد الدبلوماسيين الغربيين في قوله: "ليس هناك من أدلة واضحة على تورط إيراني، لكن هناك إشارات عن دور تلعبه المؤسسات الخيرية الإيرانية. وإجمالاً" ( [27])، وفي سياق الحديث عن العلاقات الايرانية بالحوثيين يجب النظر الى الاتهامات الحوثية للنظام بأنه يدير حرباً عليهم بالوكالة عن أمريكا والسعودية وبتحريض منها. وينقل تقرير مجموعات الأزمات عن عالم دين زيدي قوله: "المملكة العربية السعودية تخشى الهاشميين. إنهم الفئة الوحيدة القادرة على التنافس مباشرة مع الأسرة السعودية الحاكمة" ([28]).

والمتأمل في تصريحات رموز النظام السابق المتناقضة، وعلى رأسهم الرئيس علي عبد الله صالح، حول تلقي الحوثيين الد�'عم من إيران لمواجهة السعودية، حين يقارنها بتصريحات الحوثيين حول تلقي النظام الدعم من السعودية لمواجهة الحوثيين، يمكنه أن يستنتج أن كلا الطرفين يحاولان من خلال تضخيم الدور الاقليمي استجداء الد�'عم وتسويق أنفسهم بطريقة رخيصة بهدف ابتزاز المحيط الإقليمي في ظل حالة الاستقطاب الطائفي المتنامي على حساب أمن واستقرار البلد، وفي سبيل خدمة المشاريع الضيقة، ولهذا يبالغ الطرفان في تضخيم الخطر الذي يتعر�'ضان له في سياق هذه المعادلة؛ فيعمد الحوثيون إلى تضخيم خطر الوهابية السلفية ووصف الد�'عوة السلفية في دماج والمناطق الزيدية بالمؤامرة الخطيرة التي تستهدف القضاء على الهوية الزيدية، وفي السياق ذاته يعمد الطرف الآخر الحكومي والسلفي إلى تضخيم الخطر الحوثي بوصفه امتداداً لمشروع التشيع الايراني الهادف إلى القضاء على أهل السنة في اليمن.

ولأن كلاً من النظام والحوثيين استمرأ لعبة تحويل نفسيهما إلى أدوات في إطار لعبة الاستقطاب الإقليمي الطائفي، فإن قيام الثورة الشعبية ضد النظام في 2011 أثار مخاوف الحوثيين من إمكانية إفضاء نجاح الثورة في ترسيخ الهوية السياسية لليمن على أسس ديمقراطية صحيحة إلى افتقاد الحركة إلى الفزاعة التي كانت تستفيد منها في لعبة الاستقطاب الطائفي؛ باعتبارها أقلية تتعر�'ض للاضطهاد من نظام عائلي فاسد ومُرتهن للمحيط الإقليمي والدولي، مما يجعل الحوثيين يعتقدون بأن بناء دولة على أسس صحيحة سيفقدهما مبررات البقاء وسيُساهم في محاصرة البيئة التي كانت خصبة للاستقطاب، ومن هنا لجأ الحوثيون إلى محاولة جرجرة حزب الاصلاح أو القبائل المحسوبة عليه إلى حرب أهلية، والتحر�'ش مؤخراً بالسلفية التقليدية وإدخالها في دوامة صراع مذهبي قتالي يفضي إلى تدخل القبائل السنية والزيدية في المناطق المجاورة وتوسيع رقعة المواجهات وإيجاد مبررات جديدة للتجنيد والاستقطاب بعد سقوط مبرر استهدافهم كأقلية" ([29]).

كلمة أخيرة:
ساهم انسداد آفاق التغيير السلمي، وتراجع الهامش الديمقراطي في اليمن في السنوات الأخيرة من سنوات نظام صالح، بصورة كبيرة في تحويل خيارات العنف الديني إلى خيارات جذابة، فضلاً عن دور هذا التراجع في تحويل لغة تنظيم القاعدة والجماعة الحوثية، إلى لغة قادرة على إقناع الشباب المتد�'ِين في مجتمع يمتلك السلاح، وتتفشى فيه الأمية ويعشش في ربوعه الفقر، وستظل ثلاثية السلاح والفقر والأمية عاملاً خطيراً في تجنيد الكثير من أبناء المجتمع كأدوات رخيصة للجماعات المتقاتلة، في مشاريع العنف الطائفي.

ومع تهاوي العُملة المحلية فإن الريال السعودي والإيراني سيلعبان دوراً خطيراً في تأزيم الصراع الطائفي وتجنيد المقاتلين وتجييش الأقلام لتغذية هذا الصراع بما يضمن تهيئة اليمن لحروب بالوكالة في سياق الصراع الإقليمي الطائفي.

وما تفرضه المسؤولية الإنسانية الوطنية والد�'ِينية هو تضافر الجهود لمساعدة الحوثيين على الاندماج السياسية والتخل�'ِي عن مشروع فرض التسل�'ط المذهبي على المجتمع بقو�'ة السلاح والتحرر من أوهام بناء الإمارات المذهبية التي تحو�'لت مشاريع ملهمة لجماعة القاعدة في مناطق أخرى من الوطن.

ومن الخطأ الكارثي أن تتورط بعض الن�'خب المثقفة في التعامل مع ظاهرة بناء الإمارات وفرض التسل�'ط المذهبي القاعدي والحوثي بقو�'ة السلاح بمعايير مزدوجة. ومحاولة محاباة طرف من الظاهرة؛ لأن الغضب الأمريكي عليه أقل�' من الآخر، أو تدعيم هذا الطرف نكاية بتوجهات دينية اندمجت في العملية السياسية الديمقراطية المدنية.

يجب أن نعترف أن سياسات النظام التدميرية وضعتنا اليوم أمام تحدٍ خطير لا ينبغي التعامل معه بروح مذهبية طائفية ولا بمنطق الحسابات الضي�'ِقة ولا بالمعايير التي تفرضها أجندة الد�'عم المتدفق من السفارات السنية والشيعية والأمريكية.

لم يعد مجدياً الاكتفاء بالإشارة إلى دور سياسات النظام المتهالك في إيجاد هذه الظاهرة، فضلاً عن كون الحديث عن دور سياسات النظام في تهيئة المناخات الخاصة لنمو هذه الظاهرة لا يعني تجاهل الأسباب الخاصة الداخلية والخارجية التي ساهمت في إيجاد الظاهرة.

أصبحنا اليوم أمام أمر واقع يجب أن نتعامل مع تحد�'ِياته بمسؤولية وطنية وإنسانية قبل أن يلتهم طرفا أنياب الصراع الطائفي تفاحة ربيع الثورة ونصبح بدون وطن.

المراجع
[1] عبدالباري طاهر من محاضرة عن الجذور الأولى للنزاع اليمني - السعودي.. الدين والقبيلة بين الزيدية والوهابية، في منتدى الجاوي الثقافي، أعيد نشرها في في موقع صحيفة التجمع على هذا الرابط: http://www.attagammua.net/index.php?action=showDetails&id=1677
[2] هارولد يعقوب،ملوك شبه جزيرة العرب، ترجمة احمد المضواحي، ص16،ط دار العودة بيروت،1988
[3] المصدر السابق.
[4] - عبدالباري طاهر من محاضرة عنالجذور الأولى للنزاع اليمني - السعودي.. الدين والقبيلة بين الزيدية والوهابية، في منتدى الجاوي الثقافي، أعيد نشرها في في موقع صحيفة التجمع على هذا الرابط: http://www.attagammua.net/index.php?action=showDetails&id=1677
[5]- أشار المؤرخ المصري حسنين هيكل أن إسرائيل قامت بإعطاء شحنات من الأسلحة كما أقامت اتصالات مع المئات من المرتزقة الأوروبيين الذين يقاتلون بجانب الملكيين في اليمن.[30] وقامت إسرائيل بإنشاء جسر جوي سري بين جيبوتي وشمال اليمن. وأعطت الحرب الفرصة للإسرائيليين لمراقبة وتقييم التكتيكات الحربية المصرية وقدرتها على التكييف مع ظروف المعارك http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86
[6] - عادل الأحمدي، الزهر والحجر ص129.
[7] أشواق أحمد غليس، "التجديد في فكر الإمامة عند الزيدية في اليمن" رسالة علمية.
[8] مقبل بن هادي الوادعي، كتاب الالحاد الخميني في بلاد الحرمين، منشور في موقعه الالكنروني على هذا الرابط: http://www.muqbel.net/files.php?file_id=7&item_index=16
[9] أحمد الدغشي، الظاهرة الحوثية،دراسة منهجية شاملة، صنعاء،2009.
[10] عادل الاحمدي ،الزهر والحجر، ص129،ط2006م.
[11] موقع شبكة العلوم السلفية على الرابط الأتي: http://aloloom.net/vb/showthread.php?t=7346
[12] فرانسو برغا، الإسلام السياسي في زمن القاعدة: إعادة أسلمةٍ، تحد يث، راديكالية، ترجمة سحر سعيد، ص 42، ط2006.
[13] مقبل بن هادي الوادعي، من رسالة إلى العلامة محمد بن علي الكوع يسرد فيها سيرته الذاتية منشورة على هذا الرابط: http://www.muqbl.com/play-96.html
[14] فرانسو برغا، الإسلام السياسي في زمن القاعدة: إعادة أسلمةٍ، تحد يث، راديكالية، ترجمة سحر سعيد، ص 42، ط2006.
[15] أحمد الدغشي، مرجع سابق،ص 11.
[16] المرجع السابق ص 11، 12.
[17] تقرير مجموعة الأزمات الدولية رقم 89 حول الشرق الأوسط مايو 2009 ص 7.
[18] المرجع السابق ص 10.
[19] فرانسو برغا، الإسلام السياسي في زمن القاعدة: إعادة أسلمة، تحديث، راديكالية، ترجمة سحر سعيد، ص47-48
[20] البيان منشور في موقع المكتب على شبكة الفيس بوك: https://www.facebook.com/AlhothiOffice
[21] "المنتدى"، نيسان/إبريل 2005 . في 2008 وأشار تقرير مجموعة الأزمات في ذات السياق إلى كتاب نشره مركز الكلمة الطيبة السلفي عنونه: "الزيدية في اليمن: حوار مفتوح"، وأشار إلى أن الكتاب ركز على الأخطاء الدينية الزيدية وتقاربها مع الشيعة الاثني عشريين.
[22] أشار التقرير إلى قيام عبد الفتاح البتول بإنشاء مركز نشوان الحميري.
[23] وفقاً لرواية تقرير ميداني لمنضمات حقوقية زارت المنطقة مطلع يناير 2011.
[24] المصدر السابق.
[25] هارولد يعقوب،ملوك شبه جزيرة العرب، ترجمة احمد المضواحي، ص82،ط دار العودة بيروت،1988
[26] تقرير مجموعة الأزمات، ص18.
[27] المرجع السابق.
[28] المرجع السابق ص 10.
[29] من تصريح لكاتب هذه الدراسة لموقف اسلام أون لاين على هذا الرابط: http://www.islamonline.net/ara/article/1304971199691


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.