للزميل الأستاذ صادق ناشر كلام دقيق يجسد بدقة مضمون الخطاب المؤتمري الراهن (عندما نتحدث عن المؤتمر فالمقصود: جناح مركز الكميم!) الذي هو محل تناولنا في هذه الحلقات، وكما قال:"الزملاء الإعلاميون في المؤتمر أذكياء جدا؛ فعندما يكون هناك خلل في أداء وزير إصلاحي يهاجمون الإصلاح وكأنه الحكومة.. وعندما يكون هناك خلل في أداء وزير محسوب على المؤتمر يهاجمون كل الحكومة باعتبارها: إصلاحية!". كلام في الصميم كما يقال.. وصادق جابها من الآخر أو جاب الفايدة كما يقولون. ومع اختلافنا معه في توصيف الفعل المؤتمري بأنه ذكاء أو انتهازية؛ إلا أن الكلام كشف إحدى محاور مخطط خلفان خلف الله اليماني المؤتمري، والذي يتجسد في استهداف الإصلاح وشيطنته على نمط ما حدث في مصر، ويحاولونه في تونس. وقبل أن نشير إلى بعض مظاهر المخطط الخلفاوي؛ فمن المفيد التذكير لمن كان له قلب في صفوف الثورة الشعبية ضد نظام صالح أن استهداف الإصلاح حصريا ليس غيرة على اليمن، ولا حبا في إصلاح البلاد والعباد، أو حنقا على حرمان المواطنين من الكهرباء، أو ضجرا من التفلت الأمني، أو كراهية في ممارسات الاستحواذ والتهميش المتهم بها الإصلاحيون.. كل ذلك ليس هو الدافع إلا إذا صدقنا أن عداوة الممثلات والمطربات وأشباههنّ (!) في مصر للإخوان وكراهيتهنّ للرئيس مرسي كان بسبب تدينهنّ وإيمانهنّ بالإسلام الوسطي المعتدل! الأمر من الآخر أن صالحا وأعوانه يعلمون حق اليقين أن الإصلاح هو أبرز وأقوى مكون شعبي وقف ضدهم، ويقف الآن ضد استعادة دولتهم القديمة، ولا يعني ذلك أنهم لا يهتمون بالآخرين ولكن ضروريات خطتهم اقتضت ذلك؛ سواء من باب الدهاء أو استغلالا لخفة عقول البعض الذين قلنا بالأمس إنهم خلطوا بين الأوليات والأساسيات والثانويات في تحديد أهدافهم وخصومهم!
بإمكان من يريد أن يتأكد من صحة كلامنا أن يقرأ عينات عشوائية من صحف المؤتمر الرسمية أو صحف بنات الخالة التي يصدرها أبناء الجواري، وسوف يكتشف بسهولة أن ضروب الهذيان والجنان المؤتمري موجهة فقط ضد الإصلاح (أو 99% منها).. حتى دعاة الانفصال الذين يزعم المؤتمريون أنهم ضده نجوا من هذا الجنان، وفُتحت لهم صفحات الصحف وبرامج القنوات ليروّجوا لآرائهم الانفصالية - مع الحرص على إدانة الإصلاح- التي بسبب ما هو أقل منها يهدد المؤتمر بتفجير مؤتمر الحوار.. وصار الأمر –كما لخص الفكرة صادق ناشر- وكأنه لا يوجد في البلاد ولا في الحكومة إلا الإصلاح.. وفي مجال القرارات الحكومية فكأنه لا وزير ولا وزارة يصدر عنها قرارات تعيين أو تتهم بممارسات فساد إلا إذا كان الوزير إصلاحيا أو محسوبا عليه.. أما غيرهم من الوزراء والوزرات والمؤسسات فمرفوع عنهم القلم ومكفوف عنهم سفاهة السفهاء ونذالة الأشقياء! وكل ذلك يحدث وبعض من يفترض فيهم أنهم حلفاء يشاركون فيه فعليا.. أو بالصمت المتشفي، مستغلين موقف قيادة الإصلاح الرافض للانجرار إلى أي مهاترات معهم تضر بالقضية الأصل، وتمنح النظام السابق دماء جديدة للحياة على حساب خلافات المعارضة!
ورغم ما كنا نظنه عداء أصيلا لنظام علي صالح: العسقبلي، الأسري، الفاسد، الظالم للجنوب والجنوبيين، المدمر للوحدة السلمية الطوعية الديمقراطية.. (كما كانوا يقولون).. إلا أن الفترة الماضية؛ وعند البعض منذ ما قبل الثورة الشعبية؛ أثبتت أن كثيرين من الحاملين لهذه العداوة لا يمانعون أن يستدرجوا إلى حوارات وتصريحات في صحف المؤتمر الحرائر أو أبناء الجواري للإساءة للإصلاح تحديدا.. حتى قال واحد من هؤلاء لمحاوره المؤتمري: أنت مشغول بالإصلاح.. نصف أسئلتك عن الإصلاح! وكل ذلك يتم بملعنة من جهة وبسذاجة من جهة أخرى: تقدم الأسئلة المعدة بعناية للضيف الذي يندفع للإجابة كما خطّط لها! وبذلك يحصل المؤتمر ومخطط خلفان على ما يريدونه وقودا لحملتهم لإثبات أن الثورة الشعبية كانت مؤامرة، وفشلت في تحقيق أي هدف لها (لم يقل أحد أنها حققت كل أهدافها!)، وأن الأحزاب وخاصة الإصلاح ركبت الموجة وسرقتها من الشباب!
(سوف نلاحظ تناقضا مريبا في مسألة سرقة الأحزاب لثورات الربيع العربي.. ففي مرة يقولون إن الثورات كانت شريفة، والشباب كانوا أبرياء وأنقياء، ويطمحون إلى التغيير والتخلص من الفساد والظلم؛ لكن الأحزاب هي التي أفسدت الثورات، واستولت عليها، وأقصت الشباب.. وفي مستوى آخر يقولون إن ثورات الربيع العربي مؤامرة صهيونية أمريكية ، وأديرت وفقا لرواية خلفان اليماني من غرفة عمليات سرية في تل أبيب، للهيمنة على العالم العربي، وكأن الأمريكان لا يهيمنون عليه أصلا، واحتاجوا إلى إزاحة رموز العزة والاستقلال الوطني، وكارهي الاستعمار والغرب الصليبي والعدو الصهيوني من أمثال مبارك، وزين العابدين بن علي، والقذافي وعلي صالح الذين قضوا كل حياتهم سيوفا في حلوق الاستعمار والصهاينة، ومنعوهم من تحقيق أهدافهم حتى اضطروهم ودفعوهم لتدبير مؤامرات الثورة ضدهم!). ••• في الشؤون العسكرية والأمنية، ورغم أن رئيس الجمهورية هو المسؤول الفعلي والأول عنها؛ وليس رئيس الوزراء أو وزيري الدفاع والداخلية؛ إلا أن إعلام كعلان خلفان لا يلقي بالمسؤولية إلا على هؤلاء الثلاثة مع تخفيف التركيز على وزير الدفاع لأسباب معروفة! وبمعنى آخر فإن الذين يطالبون رئيس الحكومة ووزير الداخلية في إعلام المؤتمر بالاستقالة بسبب التدهور الأمني كان عليهم من باب العدل ألا ينسوا مديري الأمن في المحافظات من مطلب الاستقالة فهم المسؤولون المباشرون عن الأمن في محافظاتهم.. أو ينسون من بيده القرار الحقيقي في إعلان المواجهة الشاملة ضد المخربين.. لأن مواجهة عصابات المؤتمريين المتفرغة لتخريب الكهرباء والنفط، وقطع الطرقات وإثارة الفوضى ليس قرارا فرديا يتخذه وزير أو رئيس وزراء في مثل حال بلادنا؛ بل هو قرار الرجل الأول في البلاد الذي يتمتع بدعم إقليمي ودولي قوي، ويوم يتخذ قرارات –وليس فقط توجيهات- بمواجهة عسكرية حاسمة فالأمر سوف يتحول إلى قضية وطنية عامة وليس موقفا يحوله إعلام خلفان إلى قضية حزبية، وتصفية حسابات ضد الشرفاء (!) المؤتمريين.. والمؤكد أنهم سيكونون في مقدمة من يستنكر أي حملات عسكرية ضد المخربين.. ولن يعدموا سببا!
وزارة الكهرباء؛لأن وزيرها محسوب على الإصلاح؛ فقد صارت مسؤولة عن تأمين خطوط الكهرباء، ومواجهة العصابات المؤتمرية، وكل انقطاع للكهرباء أو تدمير للخطوط أو الأبراج الكهربائية، أو تدمير أنابيب النفط؛ دليل على فشل الإسلاميين في إدارة الدولة! ولو كان أعوان خلفان اليماني ألقوا المسؤولية على المسؤولين عن الأمن بدءا من الرئيس إلى من هم أدنى منه لأمكن تفهم حنقهم من المخربين.. حتى ولو كانوا هم أنفسهم من أعوان الرجل الذي يمول عمليات التخريب.. لكن أن تتحمل وزارة مدنية مسؤولية مواجهة أعمال تخريب مؤسسية لا يقدر عليها إلا الجيش، وقوات مكافحة الإرهاب، والقوات الخاصة.. (وليس قوات الأمن العادية التي نعرف ظروفها وتخصصها فقط منذ أيام صالح في ملاحقة أصحاب العربيات اليدوية والبسطات، ومرافقة جباة الضرائب والزكاة).. فهذا من باب: عنزة ولو وطارت.. وأغرب منه أن الذين يمولون عمليات التخريب هم أكثر الأصوات انزعاجا منها، ومن انطفاء الكهرباء وإيذاء المواطنين في حياتهم!