البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب بقذائف من ورق
نشر في المصدر يوم 09 - 02 - 2010

يمتلك الحوثي أسلحة كثيرة وذخائر وكهوف وقناصين بارعين يجيدون التنشين على الرأس والقلب. لكن عند الحدود القصوى لقوته، في اللحظة الحرجة، ولئلا يضطر لرفع راية الاستسلام، يلجأ الحوثي لأسلحة ليس لها نكهة البارود، أسلحة ذكية تشيع جواً من الالتباس والحيرة والأمل، وترسم دوائر في الفراغ شبيهة بتلك الدوائر التي تتشكل على صفحة مياه راكدة.
في الواقع ثمة شيء ما، عميق وجذري، تغير في صلب جماعة الحوثي. وليس من قبيل المصادفة أن يحدث كل هذا دفعة واحدة. ففي غضون 15 يوماً فقط، راح الحوثي يطلق عبر مدفعيته الإعلامية، البسيطة إنما المؤثرة، 3 قذائف من طراز آخر، صوبها باتجاه 3 أهداف كبيرة وحساسة: السعودية، والحكومة اليمنية، وأحزاب اللقاء المشترك. قذائف من ورق كانت، وتنطوي على عروض سلام وصداقة.
بلغت القذائف الورقية أهدافها، ورسمت دوائر في الفراغ. والراجح أن عبدالملك الحوثي يجلس الآن عاقد الذراعين بانتظار التأكد من مدى دقة وفاعلية الرمية، وربما يعمل الرجل عن كثب على تقييم الطريقة التي ستتعامل بها هذه الأطراف الثلاثة مع مقذوفاته الثلاثة وهي: أولاً، الانسحاب الكلي من الأراضي السعودية. ثانياً، الالتزام الكامل بالشروط الستة التي وضعتها اللجنة الأمنية العليا في اليمن لوقف الحرب. ثالثاً، الكشف عن نيته مد جسور التواصل مع حزب الإصلاح واللقاء المشترك.
خلال نفس الفترة، وبالمقابل، تلقى الحوثي 3 قذائف جوابية، قذائف من ورق طبعاً. فالسعودية، من جهتها، ردت على مبادرة الحوثي ب3 شروط، هي: سحب القناصة من الجبال المتاخمة للأراضي السعودية، وتسليم الأسرى السعوديين، ونشر الجيش اليمني على الشريط الحدودي.
بينما قالت الحكومة اليمنية، على لسان عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، أنها أرسلت للحوثي، عبر وسيط، وثيقة تتضمن جدولاً زمنياً وآلية لتنفيذ شروطها الستة، التي تشمل وقف إطلاق النار، والانسحاب من المديريات، وتسليم المعدات العسكرية، والتوقف عن اعتراض عمل السلطة المحلية، والتعهد بعدم الاعتداء على أراضي المملكة العربية السعودية، على أن يتم تأليف 4 لجان تشرف على تطبيقها تتوزع على محور سفيان ومحور الملاحيظ والشريط الحدودي، ومحور صعدة، وأن توقف إطلاق النار سيكون متوقفاً على توقيع الحوثي على هذه الوثيقة.
أما بالنسبة للقاء المشترك والإصلاح فالمسألة لا تزال "قيد الدراسة"، كما ورد على لسان عبدالوهاب الآنسي في تصريح لموقع "المصدر اونلاين".
بيد أن السلام لم يجئ. وتشير المعلومات الأولية إلى أن عبدالملك الحوثي أبدى تحفظه على آلية تنفيذ الشروط الستة والجدول الزمني، فضلاً عن رفضه للشرط السعودي المتعلق بانتشار الجيش اليمني على الشريط الحدودي. هذا ما كشفه حسن زيد أمين عام حزب الحق الذي يقوم بدور الوسيط بين الحكومة اليمنية والحوثيين. وقال زيد لقناة الجزيرة أن زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، "طلب بأن يكون تكتل أحزاب اللقاء المشترك مراقباً على تطبيق الاتفاق"، وأنه أعرب عن رغبته في تشكيل لجنة مؤلفة من الحكومة، ومن جماعته، ومن اللقاء المشترك، لتنفيذ شروط وقف إطلاق النار.
وذكر مراسل الجزيرة في صنعاء إن الحوثيين سلموا الرئيس علي عبد الله صالح تصورهم لكيفية تنفيذ آليات وقف الحرب، وتأكيدهم أن المدة التي اقترحتها الحكومة غير كافية لتنفيذ الاتفاق. وطبقا لمراسل الجزيرة، فإن الحوثيين أكدوا أيضا التزامهم بالاتفاق وفقا للشروط الستة وعدم قبول أي شرط آخر، واقترحوا تشكيل لجنة لمراقبة تنفيذ الاتفاق من بعض الشخصيات الوطنية، التي ليس لها أي ارتباطات بالخارج، ومطالبتهم بإطلاق المعتقلين.
والسؤال هو: أيعقل أن الحوثي لم يكن يدرك، إلى حد كاف، معنى الالتزام بالشروط الستة واستحقاقاتها؟ ثم من الذي أوحى للحكومة بعدم الاكتفاء بإعلان الحوثي الذي وصفته ب"المراوغة"؟ ألا يبدو أن للجنرالات في ميدان المعركة دور في فرض ما ينبغي القيام به قبل وضع نهاية للعمليات التي لم تسفر حتى الآن عن إنجاز عسكري يعتد به؟ في الماضي كانت الحكومة ستستجيب لمناورة الحوثي ببساطة، وتعلق كل العمليات، فلماذا الآن تغالي في شروطها وكأنها تريد أن تشتري بمغالاتها التي قد يذعن لها الحوثي النصر الذي لم يتحقق؟
...
أحب الاعتقاد بأن الحوثي أخطأ التقدير. وإذا استثنينا العرض الذي توجه به للمشترك، فإن المقذوفين اللذين أطلقهما باتجاه الحكومة اليمنية والمملكة العربية السعودية لم يحدثا فرقاً مهماً. والمؤكد أنه يشعر بخيبة أمل مريرة. فالأباتشي السعودية لا تكف عن التحليق، والجيش اليمني يغذ الخطى في محاولة لإحراز تقدم في محوري سفيان والملاحيظ.
أشعر أن الحوثي كان أسير الشعور بالحاجة للجلوس مع السعوديين وجهاً لوجه وبصورة ثنائية، لكن حكومة المملكة لم تمنحه هذا الامتياز الخارق، لأنها ببساطة ستكسب صعدة لكنها ستخسر صنعاء، ما يعني الزج بنفسها في حرب مع الجيش اليمني لا تؤمن عواقبها. كانت خطوة الحوثي حيال السعوديين مفهومة إلى حد ما، فقد كان يضع في اعتباره حقيقة أنه يبدد طاقته في الاتجاه الخطأ، وأن خط سيره الحتمي له اتجاه واحد هو الشمال.
الفرضية السائدة هذه الأيام، هي التي تؤكد بأن الخطوات المتسارعة لوقف الحرب في صعدة إنما تلبي رغبة خارجية ملحة. ويروق للكثير من المراقبين الربط بين اجتماع لندن الذي انعقد في 27 يناير الماضي، وما تبدو أنها مؤشرات سلام. والبعض يجادل بأن السعودية تضغط باتجاه تسوية نهائية لملف صعدة وبشكل عاجل قبل حلول مؤتمر المانحين الذي سيلتئم في الرياض نهاية هذا الشهر. وبالطبع لا شيء يمنع من أن تكون هذه الفرضية صحيحة رغم عدم استنادها لأدلة دامغة.
ولولا أن الحوثي هو الذي بادر، لربما اكتسبت المبالغة في تقدير الدور الخارجي طابعاً معقولاً. ربما اتفق أن كانت اللحظة التي أعلن فيها الحوثي مبادرته هي نفسها التي كان المجتمع الدولي يمارس فيها ضغوطاته على الحكومة اليمنية لإنهاء الحرب. هذا يعني أن الأمر كان محض صدفة. أو أن ثمة من استطاع الإيعاز للحوثي اقتناص الفرصة في هذه اللحظة بالذات.
شخصياً، وقد أبدو مغفلاً بعض الشيء، أظن أن أكثر العوامل حسماً هي تلك المتصلة بالجنرالات المتعطشين لنصر يرد لهم اعتبارهم. على غرار ما فعل لإنهاء الحرب الخامسة، كان بوسع علي عبدالله صالح أن يقرر وقف إطلاق النار بمجرد ظهور الحوثي على شريط مصور يعلن فيه التزامه بالشروط التي طرحتها الحكومة، لكنه لم يعد يمتلك الكلمة الفيصل دون الرجوع إلى الضباط الرازحين تحت وطأة الشعور بالإحباط والخشية من خيانة السياسيين في صنعاء.
بالنسبة إلى الجنرالات، فالحرب أصبحت مسألة شرف. وأكثر من أي وقت مضى، بات الرئيس يتحاشى إثارة حفيظة جيشه، الذي قد يخرج عن السيطرة. ولا بد أن آلية تنفيذ وقف إطلاق النار والجدول الزمني، والطلب من الحوثي التوقيع عليها قبل إيقاف العمليات، ستعني فيما لو أذعن الحوثي لها، نصراً سياسياً عظيماً، كان للجيش وحده الفضل في إحرازه. هكذا فقط يمكن للرئيس أن يتجنب نشوء أي تمرد داخل المؤسسة العسكرية، وهي الركيزة الأساسية التي يقف عليها حكمه، والتي بدأت تظهر مثخنة بالجراح وفي حالة من الإنهاك يرثى لها، بعد الانكسارات التي منيت بها طيلة السنوات القليلة الماضية، وهي تخوض معارك خالطتها موجة من الشكوك بأنها كانت مدفوعة بالتنافس بين أجيال وفروع النخبة الحاكمة.
لنتذكر أن ضباطاً من الجيش رفضوا وقف القتال حينما أبرم القائد العسكري عبدالعزيز الذهب، بإشارة من الرئيس على الأرجح، اتفاقاً مع الحوثيين. كان ذلك بعد مضي بضعة أيام فقط من اندلاع الحرب السادسة، حيث كان الاتفاق يلزم الحوثيين بإخلاء سبيل جميع الأسرى من الضباط والجنود, الذين وقعوا في قبضته خلال المواجهات، مقابل وعد بإطلاق معتقلين من مليشيا الحوثي في وقت لاحق. وكذلك إزالة كل النقاط العسكرية والأمنية التي تم استحداثها في الطرقات من قبل الجيش وجماعة الحوثي، وأن يعود الوضع إلى سابق عهده قبل اندلاع القتال في المديريات الغربية، كما يلزم مقاتلي الحوثي بتسليم المباني الحكومية في مركز مديرية شدا, وإزالة المظاهر العسكرية في مديريتي غمر وساقين.
حينها خرج الناطق باسم الحوثي ليلقي باللائمة على قيادات عسكرية يتصدرهم اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة، والعميد مثنى جواس قائد اللواء 15 مشاة. ولقد أورد موقع "الصحوة نت"، حينئذ، عن من وصفها بالمصادر المطلعة، "أن ضباطاً كباراً لهم نفوذ في قيادة الجيش بالمنطقة الشمالية الغربية رفضوا الاتفاق وأبقوا على استمرار المواجهات في المهاذر والملاحيط".
وكان تفسيري، حينذاك، لعدم امتثال الجيش (الذي كان قد تلقى ضربة مؤلمة ومباغتة من الحوثيين واستجمع قواه للرد) للهدنة بأنه ناتج عن إحساس "بالغدر والإهانة اجتاح قادة الجيش، الذين لا بد أنهم أدركوا، مع مرور الوقت، بأن هذا النوع من الاتفاقات ليس أكثر من كمائن مميتة، أو في أحسن الأحوال، ألاعيب سخيفة ورديئة الحبك، تمنح الحوثيين إحساساً هائلاً بالنصر والتفوق، بالقدر الذي تثبط من عزائم الجنود وتمرغ كرامتهم في الحضيض".
...
ليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها الحوثيون لترسانتهم الذكية التي ليس لها نكهة البارود. ففي منتصف 2005، بالتحديد شهر مايو، حين كانت الجولة الثانية من الحرب في أوجها، تناقلت وسائل الإعلام رسالة موجهة إلى رئيس الجمهورية بتوقيع بدر الدين الحوثي وعبدالله عيضة الرزامي، اللذين كانا يتقاسمان قيادة التمرد بعد مقتل حسين الحوثي. كانت الرسالة تعكس روحاً متعبة منكسرة وميالة للاستسلام، أو على الأقل هكذا كانت تبدو حينذاك.
سأسمح لنفسي بنقل الرسالة حرفياً: "فخامة الأخ رئس الجمهورية علي عبد الله صالح المحترم. تحية طيبة وبعد: لا يخفاكم ما وقع من حرب فوجئنا بشنها علينا، حيث لم يحصل من جانبنا ما نستحق به سفك دمائنا وقتل أبنائنا وتدمير بيوتنا وتشريد عوائلنا إلى ما حصل من مآسٍ لم يكن لها أي مبرر، حيث لم يسبق منا في الماضي ولم يحصل في الحاضر أن رفضنا النظام الجمهوري أو الرئيس، فلا تصدّقوا شائعات المنافقين وأكاذيب الحاقدين والمغرضين. ونحن كمواطنين نطالبكم برفع الظلم عنا، فإذا رفعتم الظلم عنا فنحن مستعدون للحضور نحن أو من يمثلنا في أي وقت، وأما إذ استمر الظلم من قتل وتدمير وسجن وتشريد ومصادرة للممتلكات وغير ذلك فان المشكلة لن تحل وإنما تزداد تعقيداً وتكبر الهوة، والله المستعان. المقدم من إخوانكم: بدر الدين الحوثي، عبد الله عيظة الرزامي ومن معهم". (نسخت الرسالة من موقع الكتروني مقرب من الحوثيين).
نقل الرسالة إلى الرئيس الشيخ محمد بن شاجع. وفي 14 مايو 2005، عقد الرئيس لقاء موسعاً حضره مسؤولون ورجال دين، وألقى خطاباً يشرح فيه مستجدات أزمة صعدة. كان عليه أن يشير لرسالة الحوثي والرزامي، وقد أشار بالفعل لكن بما يوحي أن الرسالة تحمل توقيع عبدالملك الحوثي والرزامي وليس بدر الدين الحوثي. إليكم فقرتين لا غير من خطاب الرئيس.
الأولى: "هذا التزام من عبدالله الرزامي وعبدالملك بدر الدين الحوثي بعد دخولهم إلى صنعاء، بأنهم ملتزمين بالعودة إلى جادة الصواب، وأن يتخلوا عن أفكارهم المتطرفة، وهذا التعهد موجود، وأنا كلفت مجموعة من العلماء الأفاضل وفي مقدمتهم الوالد محمد المنصور والوالد احمد الشامي، وقد كلفتهم بالذهاب إلى السجن ليقنعوهم وتقديم ضمانات عن طريق أولياء أمورهم أو مشايخهم ويطلقوا من السجن، والوالد احمد الشامي موجود وذهب هو وعدد من الشخصيات ومن المسئولين ومنهم الوالد محمد المنصور والمسؤلين بوزارة الأوقاف والإرشاد، وذهبوا إليهم ولكنهم رفضوا وأكدوا إنهم لا يمكن أن يتخلوا عن أفكارهم المتطرفة".
الثانية: "الآن أنا أصدرت عفو عام بعد مران وصرفت لأولاد حسين بدر الدين الحوثي بعد قتله، لأولاده عندما وصلوا إلى صنعاء من اجل العيش، اثنين مليون ريال. وأبلغت قائد المنطقة العسكرية باعتماد مائتين الف ريال شهرياً لأفراد أسرته وغذاء لحوالي مائة شخص، وهذه جوانب إنسانية، لكن هناك إجحاف ونكران وعدم مصداقية في كل ما نعمله من خير.. كل شخص ماشي على طريقه.. الآن مرة أخرى ها أنتم أصحاب الفضيلة العلماء نكلفكم ونبلغكم، تفضلوا اذهبوا إليهم، وهم موجودين في السجون، أقنعوهم بتقديم ضمان أولياء أمورهم أو مشايخهم وعقالهم ويفرج عنهم، لا نريد سجيناً واحداً".
بالتأكيد توقفت الحرب عامذاك، لكنها لم تفعل إلا لتتجدد بعد بضعة شهور. كان القتال يدور في مساحة جغرافية محدودة، تقريباً الرزامات وحيدان. أما كيف تجددت واتسع نطاقها ولماذا، فأطلق لخيالك العنان. لا شيء مستحيل ولا شيء يمكن تأكيده. للحوثيين روايتهم المقدسة وللسلطة رؤيتها، أحيانا متماسكة وفي أغلب الوقت متناقضة إلى درجة تبعث على الدوار، وربما الغثيان.
...
هذه النار بحاجة لإخماد، وليس إلى دفن. كان على الحوثي أن يدرك بأن للقوة دائماً حدود. لا أظن أن من الأخلاق في شيء التسبب بإلحاق كل ذلك الدمار بصعدة من أجل لا شيء، أو من أجل شيء كان يمكن الوصول إليه بكلفة أقل. أكان الرجل مستمتعاً بفكرة كونه يواجه جيشين؟ ما الذي كان يحول بين الحوثي وبين الإعلان عن الالتزام بشروط اللجنة الأمنية بداية الحرب، وتحديداً في رمضان. أتذكر أنني كتبت بأن الحوثي صمد بما يكفي للبرهنة على أنه جبار وشرس ومدعاة للفزع. وأن الأوان قد آن لأن يخلط كل الأوراق، ويخرج من هذه الحرب برصيد أخلاقي صرفه خلال هذه الجولة بإسراف طائش. وقلت إن كل ما يحتاجه الحوثي، حينذاك، لكسب الحرب، عبارة واحدة هي: نعم للنقاط ال6 التي أعلنتها اللجنة الأمنية.
يخطر ببالي دوماً محمد حسنين هيكل. لقد كان هذا الصحفي العظيم من أكثر الناس إلماماً بتفاصيل الثورة الإسلامية في إيران، خلفيتها التاريخية، رجالها، مضمونها الثقافي والوجداني. لكنه خلص إلى نتيجة مفادها أن الثورة الإسلامية وقعت في مأزق تجاهل حدود القوة، ولم يجد لهذا تفسيراً شافياً. حتى أنه قال في كتابه "زيارة جديدة للتاريخ"، هذه العبارة الملفتة للنظر: "ولقد حاولت أن أعثر لنفسي على جواب يحل لغز عجز الثورة الإيرانية عن فهم قضية حدود القوة وأهمية إدارة ثوابت الجغرافيا والتاريخ في إطار هذه الحدود، وكان الجواب الوحيد الذي عثرت عليه لنفسي هو: عقدة الاستشهاد في الوجدان الشيعي".
على أن النظام الحاكم في اليمن أشد عجزاً عن إدراك حدود ووظيفة القوة. وإذا لم تنجز هذه الحرب سلاماً حقيقياً فإن ما من مشروعية لأي حرب قادمة، وما من جيش سيقاتل أصلاً. ينقل هيكل عن مونتجمري القائد العسكري الأسطورة لمعركة العلمين الشهيرة خلال الحرب العالمية الثانية، هذه الجملة: "في الحرب لا بد أن يكون جنديك مقتنعاً بمشروعية قتاله. لا بد أن يكون مقتنعاً بان قتله لعدوه عمل أخلاقي، وهذه المسألة لا تحتمل درجات من النسبية وإنما تتطلب اليقين المطلق". ويضيف: "لا يستطيع أحد أن يتلاعب بالتعبئة العقلية والفكرية والنفسية لرجاله، درجة باردة ودرجة ساخنة ودرجة بين بين- هذا لعب بالتاريخ".
إننا نبحث عن سلام جذري وأبدي ليس أكثر، وليس أقل. لا نريد هدنة تؤسس لجولة جديدة. على مدفعية الحوثي الذكية أن تطلق قذيفة ورقية رابعة تنطوي على موافقة خالية من التحفظات على الجدول الزمني وآلية التنفيذ، وقذيفة ورقية خامسة تتضمن كل ما من شأنه توفير الحماية للحوثي ولأتباعه. أعرف أن المسألة أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. لكن على أحدهم أن يتصنع الهزيمة ليكسب نصراً أخلاقياً مبيناً.

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.