على الطريقة الشرقية في إلباس الأمور أكثر مما تحتمله من معان وإيحاءات؛ تدور الآن في مصر معركة لضمان فوز قائد الانقلاب العسكري وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في استفتاء مجلة تايم الأمريكية حول شخصية العام الأكثر تأثيرا! ولاحظوا أن الرئيس الانتقالي الانقلابي – رغم أنه الرئيس والرمز- لا أحد يذكره، ولا يرشحه لأي جائزة ولو كانت جائزة.. الصمت الرهيب المشهور عنه! ولأن المنافس الأبرز للسيسي هو رئيس وزراء تركيا رجب طيب أوردغان فالأمر صار من نوعية أم المعارك وداحس والغبراء، تتجسد فيه الطبيعة المصرية التي عبر عنها هتاف شعبي مشهور في العشرينيات من القرن الميلادي الماضي كان يهتف به مؤيدو الزعيم الشعبي سعد زغلول في مواجهة قيام منافسه عدلي يكن بإجراء مباحثات مع الإنجليز للحصول على الاستقلال.. وكان نص الهتاف يومها يقول: "الاحتلال على يد سعد ولا الاستقلال على يد عدلي!". وفي الأخير فالمسالة لا تقدم ولا تؤخر إلا عند المتخلفين حضاريا؛ فمثل هذه الألقاب لا تجعل الحق باطلا ولا الباطل حقا! وبسبب الحالة المأساوية التي وصلت إليها سلطة الانقلاب العسكري في مصر؛ فهي كالغريق الذي يتشبث بأي قشة لإثبات صوابية مواقفها؛ وقبل مباراة غانا- مصر في ذهاب تصفيات كأس العالم كانت الحكومة الانقلابية تهييء نفسها للاحتفال بفوز تسجله كإنجاز لها تستخدمه في تخفيف حالة النقمة الشعبية ضدها.. ويومها أطلق وزير الرياضة طاهر أبو زيد نبوءة رياضية سياسية مضمونها أن المنتخب المصري سوف يحقق فوزا بطعم سياسي، ولعله اتفق مع وزير الإعلام على إعداد أغنية "تسلم الأرجل" على وزن أغنية "تسلم الأيادي".. وقول أبو زيد كان غريبا في بلد تطارد السلطة فيه كل رياضي يرفع شعار رابعة بوصفه خلطا للسياسة في الرياضة، وتسارع إلى عقوبته إما بمنعه من ممارسة النشاط الرياضي أو مصادرة المكافأة المالية التي حصل عليها بجهوده ونبوغه وليس بفضل سلطة أو إعلام! وكما هو معروف جاءت رياح مباراتي مصر وغانا وفق المعايير الرياضية وليس الأوهام السياسية والإعلامية، وحققت غانا فوزا كبيرا دفن آمال مصر في التأهل للتصفيات النهائية لكأس العالم في البرازيل، وقضى على الحلم الحكومي في استخدام النصر والتأهل في الصراع السياسي ضد الإخوان، وإخراج ألسنتهم للمعارضين للانقلاب تشفيا وسخرية! والمؤكد أن الإعلام المصري كان سيصنع من انتصار كروي؛ في حالة تحقيق المنتخب المصري في مباراة الإياب فوزا بفارق أهداف كبير؛ ضجة كبيرة تؤكد صحة الانقلاب العسكري على أول رئيس مصري منتخب بإرادة المصريين الحرة، وتقديم ذلك على أنه دليل على أن مصر ماشية صح.. ولو كان هناك عدد من أبرز اللاعبين ممن هم معارضون للانقلاب، وسجلوا أهدافا في المباراتين، ولولاهم لكانت الهزيمة ثقيلة مثل الشاهي.. الصعيدي!
••• حتى ليلة السادس من ديسمبر (موعد انتهاء المشاركة في الاستفتاء الأمريكي على شخصية العام) سوف تشتغل ماكينات السلطة الانقلابية في مصر لزيادة أسهم السيسي في الاستفتاء، وتتداول الصحافة المصرية أخبارا عن تولي مصطفى بكري (أحد أسوأ الصحفيين والسياسيين المصرين انتهازية وانحطاطا وتبعية لمن يحكم من أيام مبارك وابنيه) دورا في قيادة المؤيدين للمشاركة في الاستفتاء لصالح وزير الدفاع، يشجعهم على ذلك أن الفريق الذي أعد مسرحية ثورة 30 يونيو وبالألوان الطبيعية قادر على توجيه ملايين الرسائل المؤيدة للسيسي في الاستفتاء.. ولو بالتزوير كما حدث - عندما أصروا وما زالوا- أن 33 مليونا؛ وفي رواية ثانية: 40 مليونا؛ شاركوا في مولد سيدي 30 يونيو، وتجمعوا ست ساعات كانت كافية في ميزانهم لمنح المولد لقب: ثورة شعبية! ووفق تجارب الماضي؛ فمن السهل تخيل ردة الفعل في حالتي الفوز أو الخسارة.. ففي حالة فوز السيسي بلقب شخصية العام؛ فسوف تنقلب الدنيا بأم الدنيا على الدنيا، وسوف يصرخ المذيعون في القنوات المصرية الرسمية والموالية فرحا كما صرخوا يوم إعلان بيان الانقلاب العسكري، وأقل ما سيصفون به النتيجة بأنها ثورة ثالثة، وربما تطرف بعضهم ووصفه بأنه العبور الثاني لخط تايم بارليف (إشارة لعبور الجيش المصري لخط بارليف في حرب أكتوبر)! وليس مستبعدا أن هناك الآن من يعد أغاني النصر عل شاكلة (تسلم الأيادي اللي صوتت لبلادي)، وستمتليء شرائط القنوات بعبارات مثل: (يا سيسي يا كايدهم.. والسيسي عمهم وحارق دمهم)! أما في حالة الخسارة؛ فيا ويل أمه صاحب ورئيس مجلة تايم الأمريكية.. ليس فقط لأنه سيكون متهما بعداوة مصر وكارها للمصريين؛ بل لأن الإعلام المصري سوف يكتشف فجأة بأن كل المسؤولين في المجلة والعاملين في قسم الاستفتاء خلايا إخوانية مندسة في أشهر المجلات الأمريكية، وسيتفرغ مذيعون للردح والشتم، وترديد: طوز في الاستفتاء مليون مرة! ولولا أن الأمر استفتاء وليس انتخابات لسارع فريق من المحامين لرفع دعوى إعادة فرز الأصوات بناء على معلومات عن وجود تزوير تمكنت أجهزة التزوير المصرية العريقة من اكتشافه من على بعد.. آلاف الأميال! (خبرة!).
••• ليست كل استفتاءات الصحافة العالمية من نوعية استفتاءات العالم الثالث التي يفوز فيها دائما الرؤساء والملوك والأغنياء.. لا شك أن هناك معايير موضوعية لا تقتصر فقط على تصويت الناس التي يمكن فيها حشد الآلاف بوصفها مهمة وطنية. في الاستفتاءات التي هي من نوعية "شيلني وأشيلك" لا يهتم بها أحد إلا الصحافة الرسمية، التي تهلل لحصول الزعيم الرمز على لقب شخصية العام.. وبدون منافس، أو تهلل لحصوله على الدكتوراه الفخرية ولو كان مستواه التعليمي يجعله عاجزا على كتابة الكلمة.. من الذاكرة! وفي بعض البلدان يحدث ذلك كل عام.. أو كلما احتاج منظمو الفعالية لفلوس.. حرام! أو كلما شعر سفير البلد المعني بأنه على وشك الاستدعاء للعودة للداخل بعد أن عجز أن يفعل شيئا لوطنه ولو في الشهادات الابتدائية! أذكر في هذا السياق حكاية ظريفة عن أحد سكرتيري تحرير إحدى صحف الأحزاب الصغيرة التي ظهرت بعد الوحدة؛ فقد كلف من رئيس الحزب ورئيس التحرير أن يجري حوارا مع شخصية سياسية بارزة لها دور مشهود، وبعد أن بحث على قدره وجد –كما قال- أن رئيس الحزب ورئيس التحرير هو الشخصية المناسبة، فأجرى الحوار معه.. ويا صحيفة ما دخلك.. غريب! ومسألة أن هناك في العالم من يمارس تجارة النصب في توزيع شهادات الدكتوراه الفخرية، والألقاب التجارية، والعلمية، والفنية.. هذه المسألة مشهورة، وفي يوم ما في منتصف الثمانينيات تلقى الكاتب والصحفي الأخ حمود منصور – رحمه الله تعالى- رسالة من منظمة عالمية (!) تبلغه بأنه فاز بلقب شخصية العام في مجال التجارة أو المقاولات، وتطلب منه الاستعداد للسفر (على حسابه طبعا) إلى بلد أوروبي لاستلام الشهادة، مع عدم نسيان إرسال قيمة المشاركة.. وبالدولار الأمريكي! وعندما سألته عن ملابسات اختياره ومعرفة اسمه؛ قال لي إنه كان في بداية الثمانينيات قد بدأ نشاطا تجاريا لكنه أخفق وترك العمل نهائيا منذ سنوات، ويبدو أن مقاولي شهادات التميز وشخصية العام وجدوا اسمه في سجل تجاري ما فقرروا اختياره.. وفي الأخير هو يستفيد سمعة إعلامية، وهم يستفيدون.. دولارات!