بادئ ذي بدئ وحتى لا يتهمني من يختلف معي ويضيق حنقا وغيضا من رايي وتحليلي (وقد تعودت منهم ذلك) فيقذفونني بشتى التهم والتهديدات فانني اكن كل الحب والاحترام لمن يتفق او يختلف معي، وهذا هو مبداي الذي ترتكز عليه اطروحاتي وارائي وتحليلاتي. ثانياً: مثلما يحق لغيري ان يعبر عن رايه فانه يحق لي التعبير عن رايي وفي شان يخصني كحضرمي من اليمن او يمني من حضرموت ايما شئتم من عنوان.
ثالثاً وأخيراً: لم ولن اكون في يوم من الايام داعيا او محرضا على العنف على فئه او طائفه او مذهب او منطقه وبشكل عنصري ومناطقي مهما كانت الاسباب الانية، فنظرتي ورؤيتي ومحبتي للناس سواسيه فكيف ونحن نعيش في مكان واحد ونتكون من نسيج واحد ونؤمن بدين واحد ولنا مصير واحد!
تلك المقدمة أحببت ان أشير اليها قبل الدخول في الموضوع وحتى أقطع الطريق على من يصيد في الماء العكر بتفسيره لآرائي لما حصل وتوقعاتي لما سيحصل غداً.
في بداية شهر ديسمبر حصلت حادثه او لنقل إنها جريمه في سيئون وذهب ضحيتها شخصية اجتماعية بارزة في المجتمع الحضرمي، ألا وهو الشيخ سعد بن حبريش ومرافقوه، وهو من أبرز مقادمة قبيلة آل حموم في حضرموت (رحمه الله)، والحادثة ليست الأولى فقبله خسرنا كفاءات مدنية وعسكرية كثيرة كالعامري وقيادات في الأمن في الغيل والشحر والقطن وسيئون أيضاً، لكن مقتل بن حبريش حرك المياه الباردة في الشأن الحضرمي وأثار عاصفة قبائلية هبت للوقوف ضد كل ذلك، وإلقاء كلمتها حتى لا يعتقد الآخرون من سلطة وغيرها ان الحضارم مسالمون لدرجة الخنوع، رغم اننا تزاوجنا مع الحياة المدنية وقوانينها، الا اننا لازلنا نملك صفة التوحد والعرف القبلي المحمود الذي يُعتزُ به، والوقوف ضد الظلم والاستبداد اياً كان مصدره، فكل قتيل او ضحية يفقد حياته ظلماً وعدواناً (أي�'اً كانت مكانته ومنطقته) هو عزيز عندنا مثلما هو عزيز على أهله، وتلك مبادئ الإسلام التي يرتكز عليها عرف القبائل الحضرمية بالذات، والسنون والأحداث الماضية تؤكد ذلك في حضرموت بالذات وهذا ديدننا وتفكيرنا، لذا تم وصف الحضارم في مناطقنا وفي غيرها من العالم عند بقية المجتمعات أننا أصحاب حكمة وسلم وننشر الوئام والسلام بين كافة البشر، وليس منا من هم متطرفون ولا يمثلوننا سواء ذهبوا لليمين ام اتجهوا لليسار.
وجرت العادة على ان يعالج الحضارم كل مشاكلهم بينهم وبين الآخرين بالحكمة والحنكة والتروي، ولا يتبعون طرق العنف والتطرف والإرهاب او ردة الفعل غير المدروسة، كإيذاء الآخرين بالتقطع والانتقام او بالمطالبة بالطرد ومغادرة الأرض، فنحن لنا أهلنا ومغتربونا الحضارم في كثير من بقاع العالم ومثلما لا نقبل ان يمسهم مكروه او يطلب منهم مغادرة البلاد عنوة، فطبيعي لن نقبل من المتطرفين من بني جلدتنا تصرفاً كهذا، ولم يتحدث التاريخ الماضي عن تصرف بدر من الحضارم يعبر عن هذا وفي اي حقبة من الزمن ليس استسلاماً وخنوعاً او خوفاً انما سعياً لحفظ الأمن والسكينة والسلام وبسط سمة الحكمة في أرجاء المجتمع والوطن.
حادثة بن حبريش أثارت في القبائل الحضرمية سمة الوحدة والتآخي وهبة الأخوة والنخوة والوقوف بين قبائل حضرموت بالتحديد، والخروج برأي وقرارات تطالب بمحاسبة من تسبب في تلك الجريمة وإصدار قرارات يتفق عليها الجميع تصون حضرموت وأهلها وتعبر عن مطالب سكانها، وفي الوقت نفسه تحافظ على سكينة المجتمع وتبعدها عن شبح التطرف والإرهاب وصناعة الفتن ما ظهر منها وما بطن.
تلك كانت المبادئ التي اجتمع او سيجتمع عليها ممثلو قبائل حضرموت في وادي نحب بغيل بن يمين، ولذلك كانت المناداة لذلك اللقاء، والدعوة جاءت من اجل إعادة النظر في وحدة وتماسك قبائل حضرموت وإيجاد وسائل وطرق تعيد وحدتهم وتلاحمهم من جديد وهي (اي الدعوة) لتدارس الانفلات الأمني الخطير الذي يستهدف تصفية رموز وكوادر وقيادات حضرموت وإقلاق أمن وسكينة مدنهم وساكنيها وكانت الدعوة تركز وبشدة بل ومشروطة على عدم السماح برفع أية شعارات او أعلام لأن ذلك التصرف سيُحر�'ف الهدف ويُسيس الحادث لأغراض شيطانية عند البعض، وتضيع حينها المطالب الشعبية الحضرمية بالتحديد وكأنك يا أبا زيد ما غزيت.
اجتمع ممثلو القبائل وأصدروا قراراتهم في 10 ديسمبر بل انهم أمهلوا السلطات المركزية عشرة أيام فقط للقبول بمطالبهم التي تتمثل في أهم أهداف الهبة والتي يزمع القيام بها في العشرين من الشهر الحالي، وفيما يلي القرارات الستة المتخذة وآمل ألا أكون قد أخطات في نقلها وهي: 1 - على السلطات الحاكمة وقوات الجيش والأمن بسيئون تسليم قتلة المقدم سعد بن حمد بن حبريش ومرافقيه ومن يقف خلفهم. وكذا تسليم قتلة بقية شهداء حضرموت للعدالة ومحاكمتهم.
2 - رفع كافة النقاط من الطرقات والقرى والمعسكرات من المدن وإحلالها بقوات أمنية من أبناء المحافظة، وكذلك تكون قوات حماية الشركات من أبناء حضرموت على ان تعتبر القوة المشكلة لحماية الشركات في عام 94 هي الأساس.
3 - تسليم كافة المهام الأمنية في حضرموت لأبنائها العاملين في أجهزة الأمن وتغطية النقص في قوتها البشرية من خلال اكتتاب العدد المطلوب من الحضارم سريعاً وتزويدها بالإمكانيات التسليحية، وإعطاء الحضارم نصيبهم من العمل في القوات المسلحة والكليات العسكرية المختلفة وتعويضهم عن الإبعاد المتعمد الذي لحق بهم من سابق بزيادة أعداد الملتحقين.
4 - إعطاء أبناء حضرموت نصيبهم من ثرواتها ووأن يكون لهم الأولوية في المقاولات والتوظيف والعمالة والتأهيل في هذه الشركات بناءً على القانون والقرارات الوزارية .
5 - إيقاف عمليات التلوث البيئي الناتجة عن الشركات العاملة في مناطق المسوحات والاستخراج وتصفية المنطقة منها ومعالجة كل المرضى والوفيات نتيجة هذا التلوث وتعويضهم. ودفع تعويضات لأبناء مناطق الامتياز مقابل إلحاق الأضرار بهم من تلوث للبيئة والضجيج وإقلاق السكينة العامة للمواطنين ودخول الغرباء للمنطقة ومن جراء المسح الزلزالي وإنتاج النفط في أراضيهم وتشكيل لجنة مسح دولية محايدة للاطلاع على جرائم التلوث.
6 - إلزام شركات إنتاج النفط بتوفير الطاقة الكهربائية المجانية لكل مدن وقرى حضرموت وكذا مياه الشرب تعويضاً عن جزء مما تسببه من تلوث للبيئة وتعريض حياة أبنائها للخطر, ودعم كلية الهندسة والبترول بجامعة حضرموت بالمستلزمات التقنية واللوجستية وتسهيل القيام بالتطبيقات العملية للطلاب وتوفير المنح الدراسية للمبتعثين منها وتنمية مناطق الامتياز بشكل عام.
القرارات الستة التي طالب بها مقادمة ومشائخ وسادة حضرموت وممثلوهم لا شك هي حق شرعي بل وقانوني ولا يختلف عليهم اثنان، لكن لدي ملاحظات واعتراضات أسردها هنا للتوضيح : 1 - إلزام شركات البترول بتقديم الكهرباء والماء لكل مدن وقرى حضرموت شرط يكاد لم يحصل ولن يحصل في أي مكان في العالم فحضرموت ليست جزيرة صغيرة. ولو كانت حضرموت فقط تمثل امتداد وادي حضرموت السكاني (120 كلم) لربما كان الشرط مقبولاً هنا. وهل من خط هذا الشرط يعلم بمساحة حضرموت الواسعه جداً والتي تمثل ثلثي مساحة اليمن ام انه قصد ذلك لعلمه بعدم امكانية تحقيقه وبالتالي فالخروج على الدولة والقانون هنا مجاز وهو مبتغاه.
2 - المهلة التي ذكرت في بعض مصادر الإعلام والتي أعطيت للدولة المركزية وهي عشرة أيام لتنفيذ كل تلك المطالب الستة، وخصوصا المطلب الثاني أراها تعجيزية من الناحية الزمنية وليس المطلبية، رغم استغرابي لإشارة ان يكون ما قبل 1994 هو الأساس، فليس من المعقول تنفيذ تلك المطالب في ظل عشرة أيام الا اذا كان من صاغ تلك القرارات قصد ذلك وله اهداف خفية حراكية جنوبية متطرفة او قاعدية متشددة (والحضارم منهما براء).
من المنطق ان الدولة واي دولة ستعجز عن تنفيذ البند الثاني في مهلة الأيام العشرة، وبالتالي سيحلل لنفسه ولرعيانه من العصابات الخروج عليها وعلى قوانينها والتحريض بالسيطرة على كل المناطق وهنا ايضا مبتغاه وفي النهاية بيت القصيد.
رؤيتي هنا ليس للمطالب وصعوبتها باستثناء إيصال الكهرباء والماء لكل مكان في حضرموت بالمجان، ولكن للفترة الزمنية، ويعلم الله ما سيحمل يوم 20 ديسمبر لحضرموت المسالمة عبر كل العصور!
يقيني ان المندسين الذين حضروا وانضموا لاجتماع تلك القبائل المسالمة والبريئة وبدون شعارات وأعلام قد وضعوا مفخخاتهم في تلك القرارات والتي ذكرتها، وهم بلا شك ينتظرون ذلك اليوم ليفجروا حضرموت فوضى وحقداً على كل من يعارضهم. ومواقعهم الإعلامية وتصريحاتهم وتحريضاتهم من الداخل او من الخارج تشير الى امكانية حدوث ذلك.
المؤشرات تقول ان اعوانهم من مناطق غير حضرمية سينضمون اليهم وان التعليمات ربما خطط لها من خارج حضرموت سعياً للسيطره على حضرموت وكأننا نستبدل إبليس بجني!
والحقيقه لا ندري من الذي سيشعل الأرض هل هم حراك الجنوب (ونحن الحضارم منهم براء) ام أعوان القاعدة، ونحن لسنا منهم للسيطرة على نواحي الحياة فيها والعبث ونشر العنف والفوضى التي لم نعتادها منذ عرفنا الحياة. ام ان الطرفين سيتقاتلان على أرضنا حضرموت بهدف الفوز ببسط سلطتهم عليها.
ان تحديد مهلة في قرارات اجتماع القبائل في تصوري أعطى فرصة ذهبية لم تتوقعها تلك القوى المتطرفة جنوبية كانت ام قاعدية متشددة. سنرى كثيرا من تزييف وتزوير المواقف والقرارات والأخبار في الأيام الثلاثة القادمة، وكلنا أمل من الخالق عز وجل ان يرد كيد تلك العصابات في نحورهم، وتبقى حضرموت آمنة مسالمة بأرضها وساكنيها مثلما عرفها كل الناس وبعيدة عن حراكيش الظلام ومزيفي التاريخ سياسية كانت أهدافهم ام دينية.