عندما رأى الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أن يجمع المسلمين في صلاة التراويح في جماعة واحدة بدلا من أدائها فردية؛ وصف أحدهم الفعل بأنه بدعة.. فرد عليه الفاروق مجاريا لعقليته قائلا: نعمت البدعة.. فقد رأى بثاقب نظره أن أداءها جماعة أفضل، ويحقق منافع عديدة للمسلمين، ولم يجد فيها بدعة لأنه سبق للمسلمين أن صلوها جماعة أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) عدة ليال، ولم ينصرف عنها إلا خوف أن تفرض عليهم. ولما كان الوحي قد انقطع بموت الرسول فقد زال المانع، وصارت التراويح جماعة بلا محاذير! وكما قال الفاروق قبل 1400 سنة: نعمت البدعة. وجدت نفسي أقول وأنا أقرأ كلام المخلوع علي صالح أن إسرائيل هي التي أنشأت حركة حماس لمنافسة حركة فتح: نعمت المؤامرة الصهيونية! ليس من باب إقرار التهمة، ولكن من باب إلقام المخلوع حجراً أن يظن أنه جاء بما لم تأت به الأوائل، أو أنه اجترح معجزة كمعجزاته في الكهرباء النووية، والسكك الحديدية، وثالثة الأثافي: القضاء على الفقر في.. سنتين اثنتين!
وبصرف النظر أن المخلوع أقر على نفسه أنه تعامل مع حماس الصهيونية (أي كان مشاركا في المؤامرة!)؛ إلا أن الأمر يظل أكبر من مدركاته الذهنية، وكل ما في الأمر أنه أراد أن يؤذي الإسلاميين الذين كانوا وما زالوا أقوى من اجبره على الاستقالة في أعز مشاريعهم العظيمة كعادته في الإيذاء والبعسسة، وإلا فإن حماس كفكرة إسلامية موجودة في التاريخ الفلسطيني من قبل أن يولد المخلوع والذين خلعوه! وهي متجذرة في الأرض الفلسطينية كحركة كُتبت بدماء رجالها الأبطال (وليس اللصوص والفسدة ناهبي الشعوب) أعظم صفحات المجد العربي والإسلامي في مواجهة المشروع الصهيوني، ويكفيها فخرا أنها قادت صمود الفلسطينيين في غزة في مواجهة عدوانين شرسين؛ أحدهما استمر قرابة ثلاثة أسابيع، ليلا ونهارا، وغزة محاصرة ثلاث سنوات من كل الاتجاهات الجغرافية، ومن قبل العرب الذين يحضرون مؤتمرات القمم العربية ويبكي عليهم المخلوع قبل العجم! وأكثر من ذلك فإنها وجهت للعدو ضربات صاروخية مؤلمة وصلت في العدوان الثاني إلى عاصمته المحصنة! وواجهت هجماته الجوية منهية مذلة تحطيم الطيران العربي في ثلاثة ساعات وهزيمة ثلاثة جيوش عربية في ستة أيام! وتصدى المجاهدون في غزة بقيادة حماس؛ وليس بقيادة الجامعة العربية ووزراء دفاع دولها؛ لهجوم الجيش الذي لا يقهر برا ببسالة أعجزته عن التقدم لإعادة احتلال غزة أو إعادة تسليمها لناهبي حركة فتح، وهي إسرائيل بقيادة التي احتلت سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان في أيام معدودة!
••• لكل ذلك قلنا: إن كانت حماس صنيعة إسرائيل كمؤامرة على فتح فقد صدق القول إن الله ينصر هذا الدين بالفجرة: عرباً وعجماً. وصارت هذه المؤامرة نعمة على القضية الفلسطينية للأسباب التالية: أولا: من المعروف أن القضية الفلسطينية غداة الانتفاضة الأولى (ديسمبر 1987) التي كانت حماس أبرز ظواهرها وقيادتها؛ كانت قد دخلت غرفة الإنعاش؛ وخاصة بعد أن أجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من لبنان عام 1982، وتوزعت قواتها المسلحة في البلدان البعيدة عن ميدان المعركة وتحديدا في تونس واليمنين: الجنوبي والشمالي. ومن يومها راهن العرب والعجم أن القضية الفلسطينية قد ماتت، حتى أن إسرائيل كانت قد فتحت الحدود بين فلسطين 1948 والضفة وغزة، وأزالت كل ما يعيق حركة الناس بينهما ثقة منها أن مشروعها انتصر، ولم يعد هناك خوف من أحد!
وبناء على ما سبق؛ فإن إسرائيل لم تكن في زمن إعلان تأسيس حماس وانخراطها في الجهاد الشامل ضدها؛ بحاجة إلى من ينافس حركة فتح التي كانت ما تزال تعاني جراء إخراجها من لبنان، وتشتيت جنودها في الأرض، وكان أقصى أمانيها أن يوافق الصهاينة والأمريكان على قبول اعترافها بحق إسرائيل في الوجود ونبذ الكفاح المسلح، وكان بإمكان إسرائيل أن تجد بين فلسطيني الداخل والخارج مئات مستعدين لوراثة فتح التي لولا ديناميكية عرفات لصارت كمثل الجبهات الشعبية والديمقراطية والعامة من الجبهات المناضلة في الفنادق!
ثانياً: إن إنكار الدور الأساسي لحماس في تصعيد فعاليات الانتفاضة من بدايتها أمر لا يقدر عليه إلا فجرة لا يخجلون أن يقولوا إن حماس صنيعة إسرائيلية! وهي التي غيّرت مجرى الصراع من مواجهة سلمية يستجدي قادة المنظمة فيها اعترافا من أمريكا بأي أسلوب، ويحلمون به ليلا ونهارا إلى معركة حقيقية لم تعرفها إسرائيل على الأرض المغتصبة من حرب 1948! ولم تنزف فيها دماء الصهاينة إلا كما نزفت في حرب أكتوبر! ومن غير المعقول أن إسرائيل تؤسس منظمة إسلامية لتقلب عليها مخططاتها من اليوم الأول لتأسيسها، وتفتح من جديد باب العمل العسكري ضدها الذي بدأ بالحجارة وانتهى بإنشاء دولة تصنع الصواريخ بأنواع متعددة لا لتستعرضها في شوارع القاهرة وبيروت وعمان ودمشق (وصنعاء من باب أولى) ولكن لتدك بها مستوطنات اليهود، وليرى العالم لأول مرة بعيونه قادة الصهاينة وهم يهرعون إلى الملاجئ خوفا منها!!
هؤلاء الفجرة يريدون أن يقولوا إن إسرائيل التي تقاتل من أجل جندي مجرم من جنودها أسير لدى حماس، وتفرج عن مئات المعتقلين في سجونها لاسترداد جيفة أحد جنودها؛ إسرائيل هذه هي التي تُقدم على إنشاء منظمة سوف تذيقها الهوان، وتجعل اليهود يتوارون في المنازل خوف أن يصادفهم حمساوي ذاهب للشهادة ويحمل على ظهره حقيبة متفجرات، يخشى أي عميل وخائن وفاسد ولص من حكام العرب أن يحلم بها فضلا عن أن يحملها على ظهره!
ثالثاً: إنّ حقائق التاريخ القريب أن إسرائيل ؛بعد أن أرهقتها الانتفاضة الأولى، وأرعبها ظهور البعد الإسلامي فيها: أفكارا ورجالا؛ هي التي فضلت الحمى الفتحاوية على الموت الحمساوي، وفتحت أبواب المفاوضات السرية في أوسلو مع حركة فتح، والتي انتهت بقيام التفاهم- التعاون الفلسطيني- الإسرائيلي ضد الإرهاب الذي ما يزال قائما حتى الآن، وخاصة بعد التخلص من ياسر عرفات واستبداله بمن يفهم ويعرف أهمية الصداقة مع الصهاينة وضرورة عداء الإسلاميين من كل مكان!
على أية حال؛ فاتهام حماس بأنها صنيعة إسرائيل يصدر من نفس اللقف الذي اتهم ثورات الربيع العربي بأنها صنيعة صهيونية وتدار من غرفة عمليات سرية في تل أبيب. وهو اللقف نفسه الذي أيد الانقلاب العسكري في مصر الذي كان من أولى مظاهره عودة السفير الإسرائيلي إلى القاهرة، ومن أولى قراراته إعادة فرض الحصار الشامل على غزة نكاية بإسرائيل، رغم أن الذين يحكمونها صنائع إسرائيل في رواية. وفي رواية أنهم إرهابيون!
••• لا أتردد في التمني؛ إن صدق القول إن إسرائيل هي التي صنعت حماس؛ فلو أنها كملت جميلها وجاءت بحكام للدول العربية من طراز خالد مشعل، وإسماعيل هنية، والشيخ أحمد ياسين، ومحمود الزهار. وقادة عسكريين من أمثال قادة وأبطال كتائب الشهيد عز الدين القسام! قولوا: يا ليت!