سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خبير الاقتصاد الدكتور المخلافي ل"المصدر أونلاين": رفع الدعم عن المشتقات النفطية بمبرر تهريب الديزل أمر غير مقبول لدى الحكومة القدرة على معرفة المهربين ومعاقبتهم
خلف دخان القذائف في صعدة، وغبار ملاحقة عناصر القاعدة، والضجيج حول الحوار بين السلطة والمشترك، يختفي الشأن الاقتصادي الذي يرتبط بحياة الناس وبلقمة عيشهم بشكل مباشر. وإذا نوقش هذا الموضوع فكمتأثر بأي من تلك القضايا السالفة الذكر. بعد الانتهاء من مؤتمر لندن بأيام خطت الحكومة خطوة بسيطة باتجاه رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وأقر مجلس النواب في فترته الماضية الموازنة العامة للدولة في ظل تراجع إيرادات النفط ومشاكل تستنزف كثيراً من الموارد الشحيحة، بينما تبدو الحكومة وآليتها في إدارة البلد عاجزتين عن استيعاب ما يمكن أن يقدمه المانحون.
هذه القضايا وغيرها ناقشناها في حوار مقتضب مع د.مطهر المخلافي، أستاذ الاقتصاد المشارك وخبير الأسواق المالية. ولأن الحوار تم عن طريق إرسال الأسئلة مكتوبة والإجابة الخطية عليها من قبل الدكتور مطهر المخلافي الذي يدرس الاقتصاد بجامعة عمران وعدد من الجامعات الأهلية ، فلم يكن متاحاً تقديم الإجابة على تساؤلات ظلت قائمة.
* سعر صرف الريال يتراجع بوتيرة متسارعة مقابل العملات الدولية .. فما هي أسباب ذلك؟ - علينا ألا ننسى أن قيمة الريال أصبحت رمزية وتذكارية عند سعر صرف 200 ريال مقابل كل دولار أمريكي، أما العوامل المفسرة لذلك فيمكن إجمالها بأربعة عوامل رئيسية:
اعتماد نظام سعر الصرف الحر أو العائم في نطاق برامج الإصلاح الاقتصادي. فإطلاق حرية حركة أسعار الصرف والفائدة هي محور التحرير المالي لدى البنك والصندوق الدوليين .
يعاني الاقتصاد اليمني من تشوهات هيكلية وضعف بنياته الإنتاجية، ويفتقر إلى قاعدة تصدير متنوعة. إن القاعدة الإنتاجية المتنوعة والنامية تعد شرطاً للاستقرار الاقتصادي والمالي.
رؤية أرباب المال والاقتصاد للأوضاع السياسية. عدم القدرة على التنبؤ بالمسارات الاقتصادية المستقبلية عند ما لا تكون الأطر الدستورية والقانونية هي المرجعية للتحليل والتنبؤ.
* طوال السنوات الماضية كانت الحكومة تضخ إلى السوق مئات الملايين من الدولارات للحفاظ على قيمة العملة الوطنية أمام الدولار، وفعلت هذا خلال الأيام القليلة الماضية، لكن تدهوراً كبيراً حدث خلال الأسبوع الماضي. هل أصبح هذا الإجراء الحكومي غير مجد؟ وهل تتوقع مزيداً من التدهور خلال الأيام القادمة؟ - ضخ عشرات بل مئات الملايين من الدولارات أو القوة الشرائية الدولية النادرة والشحيحة يدل على جوانب قصور عميق لفهم البدائل الممكنة للتدخل في سوق الصرف، ففي ظل نظام مفتوح ومكشوف لا يؤدي إلا إلى تبديد للقوة الشرائية الدولية. فالبنك المركزي يمكنه طمأنة البنوك التجارية باستعداده تمويل الاعتمادات السنوية الفعلية عند سعر الصرف السائد ( 200ريال مقابل الدولار)، كما يستطيع البنك المركزي إيجاد طلب متزايد على الريال من خلال آليات عدة من قبيل دفع نصف مرتبات العاملين في سفاراتنا بالخارج بالريال، لكي نتقاسم معهم معنى مصلحة اليمن فوق الجميع، وإلزام الجامعات الحكومية والأهلية بأن تتقاضى 50 % من رسوم المقاعد الدراسية بالريال اليمني، وتسليم 50 % من أجور العاملين في الأراضي اليمنية ممن يعملون بعقود بالعملات الدولية بالريال اليمني، وخاصة في قطاع النفط.
كما يمكنها فرض ضرائب على تحركات الحساب الرأسمالي المؤدية لخروج العملات الدولية. وبالإمكان إصدار صكوك مالية باليورو أو الدولار مرتبطة بمشاريع عالية الربحية وقصر بيعها على الأخوة المغتربين بضوابط تضعها وزارة المالية والبنك المركزي ووزارة المغتربين وبقية الجهات ذات العلاقة.
وبهذه المناسبة أدع الأخوة أعضاء مجلس النواب الأعضاء في لجنة الشؤون المالية ومستشاريها الماليين إلى التحقيق للتأكد بأن ملايين الدولارات التي يقول البنك المركزي اليمني أنه يضخها إلى السوق، كإجراء احترازي للحيلولة دون تدهور الريال اليمني، عليهم التحقيق في أن هذه المبالغ التي تبلغ عشرات ومئات ملايين الدولارات لا تذهب إلى قوى الفساد والمهربين الدوليين.
فالبنك المركزي يريد أن يأخذ شهادة الجودة لسياسته النقدية من أنصار التحرير. وعلى المتضررين أن يذعنوا طالما أوصى بذلك المفتي الاقتصادي لدول العالم الثالث.
* ما هي التأثيرات المترتبة على تدهور العملة؟ وهل سيؤثر ذلك بشكل مباشر على حياة المواطن العادي من خلال ارتفاع أسعار الصرف؟ - تضخيم الوقائع المالية والاقتصادية العابرة ، ونسيان الكوارث الاقتصادية أمر مرفوض . فقد سرق اللص الدولي المسمى نظام سعر الصرف الحر (العائم) أكثر من 90% من الدخول النقدية للمواطنين، فهل سريان وبقاء هذا الوضع يمثل استقراراً اقتصادياً؟ أو وضعاً مالياً عادياً؟ لقد قلت في البداية أن قيمة الريال أصبحت رمزية أو تذكارية أمام العملات ذات القوة الشرائية الدولية. إننا نصرخ على مسمع العالم معلنين فقرنا، ومع ذلك ننفق على السياح من ثرواتنا الوطنية النادرة أكثر مما ينفقونه عندنا بعملاتهم الدولية، والسبب في ذلك هو اللص الدولي المسمى : نظام أسعار الصرف الحرة .
* تتحدث التقارير الحكومية عن تراجع في إيرادات النفط بنسب كبيرة بسبب تراجع كميات النفط المستخرجة وتراجع أسعار النفط عالميا .. ما مدى تأثير ذلك في حدوث عجز في الموازنة العامة، وهل تتوقع مزيداً من التراجع خلال العام الجديد 2010م؟ - التقارير المحذرة من نضوب النفط ظهرت منذ عام 2004م وتوقعت أن تصدر بلادنا في عام 2016م نصف الكمية التي كانت تصدر في الوقت الذي ظهرت فيه تلك التقارير. وقد قدم ذلك التقرير المشؤوم إلى الحكومة مكتوباً بلغة أهوال يوم القيامة. وفي ضوء ذلك التقرير تحدث كبار المسئولين على أن النفط سينضب في عام 2012م ، أي قربوا التاريخ المتوقع أربع سنوات، الأمر الذي يدلل على أن تحسين مستوى المعيشة بصورة عملية وملموسة للمواطنين أمر يقع خارج مساحة تفكير المعنيين، ويجب أن يعلم المتخصصون والمهتمون بالشأن الاقتصادي وكل الناس أن من بشر بنضوب النفط في اليمن هو البنك والصندوق الدوليين الأمر الذي يستنتج منه أن المؤسستين الماليتين العالميتين تداران من قبل الشركات المتعددة الجنسية، ويقومان في علاقاتهم مع الدول النامية بدور ضابط الائتمان في المصرف التجاري بهدف حراسة التحرير المالي وتحويل البلدان الفقيرة إلى سوبر ماركت يحتوي على أرقى السلع لمن يمتلكون القوة الشرائية، وهكذا تتوسع السوق ويتنافس المتنافسون أما التنمية فقضية أخرى لا تخصهم، و لا مانع من أن يكون مصير الفقراء إلى الجحيم.
* إلى أي مدى يمكن لتصدير الغاز الذي بدأ في أواخر العام الماضي 2009م أن يحد من التأثيرات السلبية لتراجع إيرادات النفط؟ - السياسات الاقتصادية هي المسؤولة عن ترتيب الأولويات وتعظيم الموارد المالية المتاحة وتقرير البدائل .. وفي ضوء ذلك ينظر إلى حجم الموارد النقدية المتاحة، فها هو البنك المركزي اليمني يبدد القوة الشرائية الدولية في تدخلات عقيمة تدلل على عدم إلمامه بحدود وفعالية السياسات النقدية في ظل اقتصاد مفتوح.
* دائماً ما ينصح الخبراء الاقتصاديون بضرورة أن تعمل الحكومة على تنمية الموارد البديلة حتى لا تجد نفسها أمام كارثة إذا ما تراجعت كميات النفط المستخرجة بشكل حاد بحسب ما تشير التقارير، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. فهل تعول الحكومة على مخزون نفطي ومعدني كبير، أم أن طريقتها في الإدارة لا تهيئها للقيام بدور تنمية الموارد البديلة؟ - لم ينصح الخبراء فقط، بل صمموا خططاً لذلك. وقد صممت أول خطة في عام 2005م، وتعد تلك الخطة من وثائق وزارة التخطيط والتعاون، وننتظر من الأخوة أعضاء مجلس النواب الأعضاء في اللجان المتخصصة في الشأن الاقتصادي أن يمارسوا صلاحيتهم في مساءلة الحكومة عن تلك الخطط التي بذلت فيها جهود وأن يبحثوا عن أسباب صرف النظر عن تلك السياسات والخطط.
* مؤتمر لندن للمانحيين الذي انعقد في نهاية 2006م خرج بمخصصات لليمن تزيد عن خمسة مليارات دولار، لكن لم يسلم من ذلك المبلغ سوى جزء يسير بسبب ضعف القدرة الاستيعابية للحكومة، فهل تعتقد أن ذلك سيشكل قناعات لدى المانحين بعدم جدوى تقديم مزيد من المعونات، وما البديل أمامهم في هذه الحالة؟ - المبالغة في الإثبات أو النفي أمر غير مقبول، إلا أنني أقول ودون تحفظ أن على الحكومة أن توظف وتتعاقد مع ما لا يقل عن خمسمائة من الخبراء الاقتصاديين اليمنيين المتمرسين لا تقل مؤهلاتهم عن درجة الدكتوراه بشروط: الأول.. أن تدل سيرتهم الذاتية على أنهم ليسوا من أصدقاء الفساد. والثاني.. أن يشرف مجلس النواب على استيفائهم للمؤهلات المطلوبة. والثالث.. إذا لم يتوفر ذلك العدد في الجامعات اليمنية، وعلى مستوى الكفاءات الوطنية، فليكونوا من الدول العربية والإسلامية، لأن فقرنا لا يتحمل رواتب أصحاب العيون الزرق الذين اختلسوا عائدات برنامج النفط مقابل الغذاء. والرابع.. أن يتواجدوا في الوزارات والمصالح والمؤسسات المنوط بها تنفيذ مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويسند إلى أولئك الخبراء القيام بدراسات الجدوى لكل القطاعات، وفحص المناقصات والتخطيط الاستراتيجي القطاعي، واختيار المشروعات التي يمكن أن تقام بنظام : البناء والتملك والتشغيل والتمويل(B.o.oT)، وتزمين تنفيذ المشروعات، والإشراف على تنفيذها، وتقديم التقارير الأسبوعية والشهرية والدورية، وتقديم مختلف الاستشارات للحكومة الخ.. .
إن عدم وجود العدد الكافي من الخبراء والمتخصصين قد يكون السبب الرئيسي للتعثر في تنفيذ الخطط واستيعاب المخصصات المالية. والأمر المؤسف أن يتم تعويض الحاجة الملحة لمثل ذلك العدد من الخبراء والمتخصصين بالصخب الإعلامي وعنتريات الكاميرات وعقد الندوات وورش العمل لمراكمة التوصيات والإعلان بأن الفشل خارج نظام السيطرة، ويحدث ذلك على مستوى الوزارات والمصالح الحكومية المسئولة عن تحويل المخصصات المالية إلى مشروعات منتجة يراها كل الأحياء ويستفيد منها المواطن .
* بالنسبة للخطوة التي أقدمت عليها في جانب رفع الدعم عن المشتقات النفطية بنسبة بسيطة.. برأيك -كخبير اقتصادي- ما هو المردود الذي يمكن أن تعود به هذه الخطوة على الخزينة العامة؟ - عادة ما تنحصر خيارات برامج التصحيح الاقتصادي التي يرعاها البنك والصندوق الدوليين بين العيش بكلية واحدة، أو التنفس من أحد الخياشيم وسد الآخر. والكلية المقطوعة والخشم المسدود هو الثمن الذي يجب أن يدفعه الملتزمون ببرامج التصحيح الهيكلي، وتظهر شروط تلك البرامج وصرامتها عداءها وعنصريتها للفقراء. وفي هذا الإطار نفهم إفادة الأخ رئيس مجلس الوزراء بأن اليمنيين الذين لم يلتحقوا بالتعليم يبلغ عددهم ثلاثة مليون إنسان يمني محروم من حق طبيعي وإنساني ودستوري.
* هل تعتقد أن هذه الخطوة هي جزء من استحقاقات مؤتمر لندن؟ - يتوجب أن تكون مرجعيتنا القواعد الاقتصادية والأطر القانونية والدستورية، وكلا الأمرين يوجبان على الحكومة المزيد من الإنفاق وليس المزيد من الامتصاص.
* بشكل عام.. هل تتفق مع يرون ضرورة رفع الدعم عن المشتقات النفطية؟ - أرى ضرورة زيادة القوة الشرائية لدى الأفراد إلى ثلاثة أضعاف حجمها الحالي.
* من خلال متابعتكم لأرقام تهريب الديزل .. إلى أي مدى يبدو هذا المبرر مقبولاً لرفع الدعم عن المشتقات النفطية؟ - لدى الحكومة القدرة على معرفة المهربين ومنعهم ومعاقبتهم إذا أرادت، فالتبرير بالتهريب دليل على التقصير ولا يعد التبرير على هذا النحو مقبولاً البتة.
* من خلال قراءتك للموازنة التي تقدمت بها الحكومة إلى البرلمان للعام الحالي 2010م، ما هي أبرز الملامح التي اتسمت بها هذه الموازنة؟ وهل تعكس حقيقة تقليص الحكومة للنفقات والتركيز على المشاريع الاستثمارية؟ - الوقائع العملية تثبت تجاوز الحكومة لما ترسمه من خطط وبرامج كما تتجاوز الكثير من التشريعات المرجعية. أما توصيات مجلسي النواب والشورى فهي من النكات المضحكة للحكومة، والسبب أنها مكتوبة باللغة العربية، وبالمقابل تبذل الحكومة جهوداً مضنية لتبرير تقاعسها، وهذا الأمر بالذات أصبح منهجية لدى الحكومة .. وفي ضوء هذه العوامل والمحددات تجعل إمكانية التزامها وقدرتها على تنفيذ خططها وبرامجها محل شك كبير مهما كانت رائعة وكفؤة وهذا ما ينبغي أخذه في الحسبان.
* ماذا عن الموارد البديلة التي ينظر إليها الجميع كطريق آمن يجنب البلد مخاطر تقلص إيرادات النفط؟ ولماذا برأيك لم تلتفت لها الحكومة؟ - هذا الأمر يجب أن يشغل بال كل اليمنيين كونه يمثل تحدياً تنموياً في غاية الخطورة. وقد ظهرت الدراسات الداعية لتوليد دخل مؤكد بديل للنفط وكاف وقابل للاستدامة عام 2005م، فإذا عرفت أن واردات بلادنا الغذائية لعام 2009م اقتربت من خمسمائة مليار ريال يمني فهل نستطيع رؤية شروط تحقيق مجابهة ذلك التحدي في ضوء هذه الوقائع!