في انهيار متلاحق ومخيف لسعر العملة الوطنية على مدى أيام، تخطى الدولار الأمريكي يوم أمس الاثنين، حاجز ال 250 ريالاً، ليصل إلى 255 ريالاً يمني للدولار الواحد، بحسب أسعار البيع لدى محلات الصرافة. وهو أعلى معدل ارتفاع يلاحظ خلال أسابيع قليلة، بفارق مستوى بلغ ال30 ريالا عما كان عليه أواخر مايو الماضي بسعر 225 ريالاً. وشهدت أواخر شهر يوليو تدهوراً سريعاً ومتواصلاً لقيمة العملة الوطنية، ليرتفع سعر صرف الدولار من 232.84 ريال يمني في 25 يوليو، إلى 243 ريال في 31 يوليو، ليصل إلى 255 ريال/ دولار، يوم أمس الاثنين.
واتهم محافظ البنك المركزي محمد عوض بن همام (المعين حديثاً في أبريل الماضي)، شركات الصرافة بشراء عملات أجنبية بأسعار مرتفعة وغير حقيقية، والامتناع عن بيعها، بعد أن كان قبل أيام -في تصريحات أدلى بها لوكالة سبأ– عزا الارتفاع المتلاحق للدولار إلى زيادة مدفوعات استيراد مستلزمات شهر رمضان المبارك وعيد الفطر من السلع والمنتجات المختلفة، مع أنه لم يستبعد وجود مضاربين يتلاعبون بأسعار الصرف.
تفسيرات متعددة لكن الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الصبري، اعتبر دفوعات استيراد مستلزمات رمضان والعيد لا تمثل سوى جزء بسيط من الأسباب الحقيقية. وقال في تصريحات أدلى بها مساء أمس الاثنين للصحيفة إن جزءاً من الأسباب الحقيقية يكمن وراء التضخم القائم في الأسعار، الأمر الذي أدى بدوره إلى هلع الناس وخوفهم من استمرار تدني القوة الشرائية للعملة الوطنية فيضطرون معه للحفاظ على الدولار.
وإلى جانب ما سبق، يضيف الصبري مجموعة أسباب أخرى، بينها عجز ميزان المدفوعات، عجز الموازنة العامة، انخفاض عوائد المغتربين، عدم وجود استثمارات أجنبية مباشرة، قلة الصادرات لزيادة الدخل الأجنبي. وذلك مقابل حجم الاستيراد الذي بلغ في العام 2009 حوالي 9 مليار دولار، بينما وصل 4 مليار خلال الأشهر الستة الماضية فقط.
ويتوقع خبراء ومحللون اقتصاديون أن يتواصل تدهور قيمة العملة الوطنية لتصل إلى 300 ريال يمني مقابل الدولار الواحد خلال الأشهر القادمة، إذا ما ظلت السياسات النقدية والمالية على ما هي عليه دون معالجات حقيقية. ويشير الدكتور الصبري في هذا الصدد إلى أن المعالجة الهامة والضرورية يجب أن تبدأ برفع الدعم عن المشتقات النفطية.
غير أن محافظ البنك المركزي (الذي يتعرض لامتحان عسير أمام الوضع الاقتصادي الحرج للبلاد) تحدث عن إجراءات قانونية آنية تتعلق بشركات الصرافة المتسببة برفع سعر الصرف. وقال –في تصريحات نشرتها وكالة سبأ السبت- إن البنك سيتخذ إجراءات صارمة بحق شركات الصرافة والصرافين الذين يمتنعون عن البيع للجمهور. وأوضح المحافظ خلال لقائه رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية لجمعية الصرافين إن الإجراءات التي سيتخذها البنك تشمل سحب التراخيص في حال تكرار المخالفات من قبل شركات الصرافة والصرافين.
ويتوقع أن يحاول البنك المركزي تثبيت سعر صرف الريال مقابل الدولار عند سقف 250 ريال .لكن خبراء اقتصاديين قللوا من قدرات الحكومة في هذا الجانب. وبحسب موقع "الصحوة نت" قال الخبراء إن حكومة مجور عاجزة عن إيقاف التدهور الحاصل للعملة الوطنية، معتقدين أن هناك جهات نافذة من خارج الحكومة تتحكم بمسار الريال وبمضاربات العملات لمصالحها الخاصة . وكشف الموقع عن وجود سبب آخر ساعد على انهيار العملة الوطنية. ونقل عن مصادر خاصة قولها إن البنك المركزي اليمني أصدر عملة جديدة غير معلنة من فئة 1000ريال . فيما نسب لخبراء اقتصاد القول: إن لجوء البنك المركزي إلى طبع فئة جديدة سبب من أسباب الانهيار الذي يعاني منه الريال. لافتين إلى أن عدم إعلان البنك عن ذلك يعد مخالفة دستورية، ويجعلها في حكم العملات المزورة في السوق المحلية. وحتى الآن لم تنف الحكومة أو تؤكد تلك المعلومات.
استنفار حكومي غير حاسم والأحد عقد المجلس الاقتصادي الأعلى اجتماعاً برئاسة رئيس مجلس الوزراء الدكتور علي محمد مجور لمناقشة الأزمة والقضايا المتصلة بالجوانب الاقتصادية والتنموية. وفي خبر مقتضب، نشرته الوكالة، لم يشر إلى القرارات أو الإجراءات الحكومية الضرورية اللازم اتخاذها إزاء التدهور المستمر. واكتفى بالقول إن المجلس اتخذ "جملة من القرارات ومنها إقرار توفير احتياجات السوق المحلية من العملة الأجنبية بما يضمن استقرار سعر العملة الوطنية أمام العملة الأجنبية". ويوم أمس الاثنين هرع محافظ البنك لعقد لقاءين منفصلين، الأول مع رؤساء ومدراء عموم البنوك التجارية والإسلامية العاملة في اليمن، والآخر مع رؤساء ومدراء عموم شركات الصرافة العاملة في سوق الصرف الأجنبي. وخصص الاجتماعان لمناقشة التطورات الأخيرة في سوق الصرف الأجنبي. وخلال الاجتماع مع البنوك (التي أشيع أنها أوقفت تعاملاتها بالنقد الأجنبي) شدد بن همام على ضرورة قيامها بدورها في الوساطة المالية وعدم إتاحة الفرصة للمضاربين في سوق الصرف الأجنبي.. مؤكدا أن على جميع البنوك الالتزام بالتعليمات والمعايير الخاصة بعمليات النقد الأجنبي.
وفيما تناقلت بعض الوسائط الإخبارية يوم أمس معلومات تحدثت عن امتناع البنك المركزي من بيع الدولار للبنوك، أكد خبر الوكالة الرسمي حول اجتماع الأمس، أن محافظ البنك المركزي جدد استعداد البنك الفوري لتمويل احتياجات البنوك لتمويل اعتمادات السلع الأساسية وفقا لنشرة البنك اليومية والتي بلغت يوم أمس: 239.5 ريال للدولار شراء، و 240 ريال بيع.
تناقص الاحتياطي من العملة الأجنبية وكان البنك المركزي قد تدخل الخميس الماضي للحد من تراجع سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية من خلال رفده السوق المحلية بمبلغ 57 مليون دولار، لتغطية احتياجات البنوك وشركات الصرافة من النقد الأجنبي، إلا أن ذلك التدخل -كما اتضح– لم يساهم سوى بتراجع طفيف لقيمة الريال خلال يومين فقط بنسبة 3 في المائة تقريباً، لكن سرعان ما عاد الدولار للارتفاع بقوة ليصل 255 ريالاً يوم أمس.
ومنذ مطلع العام الجاري تدخل البنك المركزي برفد السوق المحلية بالعملة الأجنبية لتسع مرات، بينها المرتان الأخيرتان خلال أقل من أسبوعين. حيث كان رفد السوق بمبلغ 80 مليون دولار في 17 يوليو المنصرم. وبلغ مقدار ما ضخه البنك المركزي منذ مطلع العام مبلغ وقدره مليار و157 مليون دولار في تسع مرات.
وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي للبنك المركزي من 8.3 مليار دولار نهاية العام 2009م إلى 6.1 مليار دولار نهاية النصف الأول من العام الحالي، وذلك نتيجة لتراجع إنتاج وصادرات البلاد من النفط، حيث يشكل 92 في المائة من إجمالي الصادرات اليمنية، و70 في المائة من الموازنة العامة للدولة.
ويرجح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الصبري أن يكون الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية في البنك المركزي قد تناقص ليصل الآن 5.8 مليار دولار فقط. موضحاً أنه يتناقص شهرياً بمعدل 200 مليون دولار.
وقال الصبري إن التدهور الحاصل، وتناقص النقد الأجنبي، والعجز في الميزانية سيستمر بالزيادة إذا استمرت الحكومة بدعم المشتقات النفطية. لكن –يستدرك- سيعمل رفع الدعم عن المشتقات النفطية على سد العجز القائم للموازنة العامة للدولة.
الحل: رفع الدعم عن المشتقات النفطية أعدت الحكومة خطتها بخصوص اتخاذ قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية خلال الأيام القادمة. والأسبوع الماضي (26 يوليو) استمع أعضاء مجلس النواب الردود الإيضاحية المقدمة من رئيس مجلس الوزراء وعدد من أعضاء الحكومة على الاستفسارات المطروحة من قبل المجلس بشأن سياسة الحكومة تجاه أسعار المشتقات النفطية والآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على رفع أسعار البعض منها.
وبحسب الدراسة التي قدمتها الحكومة للبدائل المناسبة لسد عجز الموازنة، فالبديل الأنسب يأتي عبر تخفيض العجز في الموازنة وعدم إلحاق أضرار كبيرة تمس المواطنين المستهدفين من الدعم، ومن هذه النفقات بند دعم المشتقات النفطية الذي يلتهم جزءاً كبيراً من موارد الدول. حسب الدراسة
وإذ يؤيد الدكتور الصبري –في تصريحاته للصحيفة– قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية تأييداً كاملاً، إلا أنه حذر من إتباع ذلك برفع المرتبات. وقال إن مثل هذا الإجراء لن يكون له أثر على إصلاح الاختلالات الاقتصادية القائمة. واستشهد بما حدث في السابق حين رفع جزء من الدعم، وترافق ذلك مع رفع المرتبات.
ويقول إن إلغاء الدعم ورفع المرتبات لا يتفقان اقتصادياً، لأنك تدخر من نفقة جارية لتدعها في نفقة جارية أخرى، بينما أن النفقات الاستثمارية تظل كما هي دون تقدم. وقلل من فائدة مثل هذا الإجراء قائلاً: في ظل التضخم الوظيفي الهائل، وفي ظل وجود كبير للبطالة المقنعة، يظل رفع المرتب غير ذي جدوى ولن يحسن من دخل الموظف، في الوقت الذي سيؤثر بشكل كبير على موازنة الدولة. بل يؤكد أن ذلك من شأنه أن يقلل من القوة الشرائية للريال، خاصة وأن قوة موظفي الدولة تتجاوز المليون.
رصد تسارع ارتفاع سعر الدولار من الطبيعي أن تتدهور قيمة العملة الوطنية في ظل مثل هذه الاختلالات الكبيرة. وظل خبراء في الاقتصاد طوال الفترات الماضية يحذرون من بلوغ الأمر ذروته مما قد يسبب اضطرابات داخلية كبيرة.
وكانت العملة الوطنية شهدت فترات تدهور متفاوتة، لكنها تسارعت بشكل كبير خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية. وقبل أن يصل سعر الدولار 200 ريال يمني مع مطلع العام 2009، كانت أفضل التوقعات تقول إنه سيستقر عند هذا المستوى، وكان الناس حينها يعتبرون ذلك أمراً غير مقدور عليه.
طوال العام الماضي 2009، ظل الدولار مستقراً مابين سعر 200 ريال، و 207 ريال. لكنه منذ مطلع العام الحالي شهد ارتفاعات طفيفة بداية ليصل إلى 212.26 ريال في يناير. وفي شهر فبراير وصل 215.23 ريال، ثم ارتفع في أواخر مارس إلى 222.31 ريال. واستقر خلال الأشهر الثلاثة التالية (أبريل ومايو، يونيو) عند 225 ريال تقريباً. ومع أواخر شهر يوليو المنصرم ارتفع إلى 232.84 ريال في 25 يوليو، بعدها بيومين ارتفع إلى 235 ريال في 27 يوليو، ليواصل ارتفاعه بشكل مخيف ومقلق في 29 يوليو وصولاً إلى 240 ريال. لكنه قفز بشكل أكبر إلى أعلى مستوى له حتى الآن ليسجل 255 ريال يوم أمس الاثنين. ولازال الخبراء الاقتصاديون يثيرون مزيداً من الهلع، حين يؤكدون أنه سيواصل ارتفاعه ليصل 300 ريال للدولار الواحد.
مقارنة مثيرة للهلع ومما يزيد في رفع حدة القلق مقارنة هذه الارتفاعات والقفزات السريعة مع الأعوام العشرة الماضية. حيث ظل يرتفع بشكل طفيف طوال العشر السنوات الماضية. وعند رصد مستويات تلك الارتفاعات الطفيفة خلال الفترة من 2002-2009 سنجد فقط أنه ظل ما بين 179.01 ريال و 207.32 ريال. أي بزيادة تصل إلى 30 ريال تقريباً خلال ثمانية أعوام. بينما وصل إلى الفارق نفسه خلال أسابيع قليلة فقط من أواخر شهر يوليو الحالي، ومطلع هذا الشهر.
والتجار يصرخون مع أن الوسط التجاري يتقاسم الضرر الأكبر مع المواطن البسيط، إلا أن هناك من يعتبره متهماً، ويتقاسم التهمة مع الحكومة في الوقت نفسه. التاجر سيتضرر كونه يحتاج للعملة الأجنبية لاستيراد السلع وبيعها للمواطن، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يتضرر من عدم توفرها، بداية ومن عدم استقرارها تالياً. وهو متهم كون البعض –بمن فيهم محافظ البنك وإن بطريقة غير مباشرة– يلقي باللائمة عليهم.
من الطبيعي أن يقول البعض إن هناك مجموعة صغيرة من التجار يعدون المستفيد الأكبر من المضاربة بالعملة. وإن هناك من سيتحصل على مبالغ كبيرة جداً بسبب هذا الفارق بالصرف خلال أيام قليلة.
محمد محمد صلاح نائب رئيس مجس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة أعرب عن قلق الوسط التجاري من ارتفاع أسعار الصرف للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية. وقال –بحسب تصريحات له نشرتها صحيفة الثورة الرسمية أمس- إن ذلك بدوره سيؤثر على الحركة التجارية والنشاط الاستثماري في مختلف المجالات الاقتصادية بالسوق المحلية. ودعا في تصريحه البنك المركزي اليمني إلى ضرورة تفعيل دور الرقابة على أسعار الصرف ووضع حد للمضاربة بسعر الصرف لدى البنوك وشركات ومحلات الصرافة وإلزامهم بالسعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي، خصوصاً وأن هناك فارقاً شاسعاً بين الأسعار بالسوق السوداء وبين ما تقدمة النشرة اليومية للبنك المركزي التي لا تتجاوز (240) ريال للدولار الواحد الأمر الذي يستدعي تدخل البنك المركزي لوقف هذا التضارب بأسعار الصرف بالسوق المحلية.
وأشار إلى أن المضاربة بأسعار الصرف للعملات الأجنبية سوف تؤثر تأثيراً كبيراً على الحركة التجارية خصوصاً وأن السوق المحلية هي سوق استهلاكية بحتة تعتمد اعتماد كلياً على الواردات السلعية لتغطية احتياجات المستهلك اليمني من السلع الغذائية الاستهلاكية الأساسية، الأمر الذي سيعرض المستوردين لخسائر باهظة قد تصل إلى الإفلاس ويقلص حجم رأس المال الوطني ويهدد الاقتصاد الوطني بالانهيار التام.