صرح سياسيون ينتمون إلى أكبر فصيلين في الحراك الجنوبي يتزعمهما نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض والقيادي في الحراك حسن باعوم بالاقتراب من التوصل إلى اتفاق من شأنه توحيد قرار الحراك بعد عامين من القطيعة بين القياديين وفصيليهما. وذكر بيان مشترك للمجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب الذي يتزعمه باعوم والمجلس الأعلى للثورة السلمية لتحرير واستقلال الجنوب الذي يقوده البيض أن لجنة مشتركة منبثقة عن المجلسين عقدت اجتماعاً يوم الثلاثاء الماضي تدارست فيه وضع القضية الجنوبية في الوقت الراهن.
ووجهت اللجنة المشتركة نداءً إلى كل فصائل الحراك الجنوبي لفتح حوار «جنوبي جاد ومسؤول وشفاف للوصول إلى رؤية واحدة ينبثق عنها برنامج سياسي موحد وقيادة جنوبية موحدة تكون الحامل السياسي للقضية الجنوبية العادلة».
جاء في البيان «إن المجلسين وقد قطعا شوطاً كبيراً في حوارهما وتوصلا إلى نتائج ايجابية بشأن التنسيق فيما بينهما آثرا في هذا اللحظة التاريخية أن يوجها هذه الدعوة إلى كافة المكونات الوطنية الجنوبية الفاعلة في ساحات ميادين النضال إيماناً بأهمية الاصطفاف الجنوبي وأنه السبيل لانجاز المهمة الوطنية بأسرع وقت».
وأفضى اجتماع اللجنة المشتركة من المجلسين إلى تفويض رئيسي اللجنة علي هيثم الغريب وعيدروس حقيس ومقرريهما أحمد سالم فضل وفؤاد راشد للتحضير لهذا التوجه.
يأتي هذا التوجه بعد أسابيع من إعلان لقاء جمع بين علي البيض وحسن باعوم في العاصمة اللبنانية بيروت للتعبير عن انفراجة في العلاقة بين الرجلين وفصيليهما بعد فصول من الشقاق والقطيعة منذ صيف 2012.
وفترت العلاقة بينهما على نحو مطرد حتى انتهت إلى خصومة حادة في صيف عام 2012 حين طلب علي البيض من حسن باعوم تأجيل عقد مؤتمر «المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال الجنوب» لدواع أوردتها رسالة مفصلة من البيض، من بينها أن المؤتمر سيصبح «عبئاً على ثورة الجنوب التحررية في حالة ولد انقساما في صفوف قيادات المجلس الأعلى» وعدم الجاهزية التنظيمية لعقد المؤتمر.
لكن باعوم مضى في الإعداد للمؤتمر وانعقد المؤتمر بالفعل نهاية 2012، الأمر الذي فجر غضب البيض عليه فاحتفظ باعوم برئاسة «المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال الجنوب» وتزعم البيض الفرع الموالي له في المجلس إلى أن عقد مؤتمراً له في سبتمبر من العام الماضي وسماه «المجلس الأعلى للثورة السلمية لتحرير واستقلال الجنوب».
وشكل انعقاد مؤتمر فصيل البيض دليلاً بارزاً على تفاقم حالة الانقسام لدى قيادة الحراك نتيجة التنافس على قيادة الحراك على مستوى المناطق الجنوبية كلها.
ومرت حالة الانقسام بين أكبر فصيلين في الحراك بمناسبات كثيرة، نظم خلالها حليف البيض في حضرموت أحمد بامعلم تجمعات سياسية وعروضاً لمسلحين في مدينة المكلا بالتزامن مع تجمعات موازية نظمها فصيل باعوم.
وتجلت القطيعة بين الطرفين يوم 13 يناير الماضي حين نظم بامعلم احتفالاً كبيراً لإحياء الذكرى السابعة للتصالح والتسامح وهي مناسبة اعتمدها الحراك الجنوبي لتجاوز آثار اقتتال داخلي دامٍ وقع في الدولة الجنوبية قبل 27 عاماً. ونظم فصيل باعوم احتفالاً منفصلاً في التوقيت نفسه.
يلتقي البيض وباعوم في الدعوة إلى فصل الجنوب في دولة مستقلة، تستعيد الدولة التي كانت تحكم الجنوب قبل قيام الوحدة مع الشمال عام 1990 واشترك الاثنان في رسم سياسات الحراك الجنوبي لكنهما تحولا إلى قطبين أسهما في تغذية الاستقطاب داخل الحراك وحسم البيض موقفه من باعوم على أنه خصم سياسي، فأغفلت أخباره تماماً في تلفزيون عدن لايف المملوك للبيض كما اختفت صورته من شاشة التلفزيون الذي لطالما عرضها وأشاد بصاحبها من قبل.
لكن يبدو أن قطبي الحراك أفاقا على واقع جديد، تشكل في الجنوب نفسه وصولاً إلى الساحة الدولية التي كان الحراك يؤمل في أنها ستفهم مطالبته باستعادة الدولة الجنوبية، استناداً إلى قراري مجلس الأمن الدولي اللذين صدر خلال أيام حرب 1994.
اختراق هادي للحراك والهبة الحضرمية ونتائج الحوار الوطني بشأن القضية الجنوبية ثم قرارات مجلس الأمن عوامل بسطت حقائق جديدة على طاولة قيادة الحراك تحتم عليها توحيد القرار فمنذ أعلنت قبائل حضرموت «الهبة الشعبية» في ديسمبر من العام الماضي رداً على مقتل شيخ قبيلة الحموم سعد بن حبريش، برهنت القبيلة على أنها أقوى الأطراف في الجنوب، ووضع الحراك الجنوبي طاقاته في خدمة هبتها، لكنه في نهاية المطاف خرج من الهبة خالي الوفاض خصوصاً الحراك المنتمي إلى خارج محافظة حضرموت وربحت القبيلة كل شيء بعدما أقرت الدولة كل مطالبها وصالحتها بأكثر من مليار ريال كي تقبل بتحكيم عرفي في مقتل بن حبريش فقط.
وقبل انطلاق «الهبة» الحضرمية، كان الرئيس عبدربه منصور هادي قد اخترق الحراك عميقاً وشكل منه فصيلاً بقيادة حليفه القديم محمد علي أحمد، اشترك في مؤتمر الحوار الوطني قبل أن يشق هادي فصيل أحمد نفسه ويطوعه أكثر ليصادق على كل مشاريع الرئيس داخل مؤتمر الحوار.
والواقع، أن هادي استخدم الأدوات التي ظل يتفرد بها علي البيض للاستقطاب داخل الحراك، فهناك في صنعاء المال الوفير المتدفق من خزينة الرئاسة، إضافة إلى القوة والسلاح الذي وقع في أيدي مقاتلي اللجان الشعبية في أبين.
إضافة إلى ذلك، لا بد أن نتائج مؤتمر الحوار الوطني بشأن القضية الجنوبية، على الرغم من أنها مفصولة إلى حد ما عن الواقع الحقيقي، تساعد في إغلاق ساحات مؤثرة كان يلعب فيها الحراك وتنهي بعضاً من دعاواه كما تحد من مساحة المناورة لديه، لاسيما في حال مضى تطبيق النقاط الإحدى والثلاثين الخاصة بالجنوب بوتيرة سريعة.
وفي الوقت الذي كان الحراك يراهن على قراري مجلس الأمن الصادرين إبان حرب 1994، أصدر مجلس الأمن في فبراير الماضي قراره 2140 بشأن اليمن ليصمم عقوبات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة ضد معرقلي العملية الانتقالية.
هذا القرار هو الثالث بشأن اليمن منذ 2011 وكلها تضمنت تأكيد مجلس الأمن على وحدة اليمن واستقراره، بما ينسخ مضمون قراري عام 1994 ويحولهما إلى وثيقة للتاريخ.
وأمام هذا الواقع الجديد، يبدو الحراك في حالة انكشاف؛ فخياراته تقلصت مثلما قضي على ما هو فاعل من رهاناته باستثناء الرهان الشعبي داخل الجنوب.
وليس بمقدور الحراك أن يكسب الرهان الشعبي إلا بقرار موحد تصدره قيادة موحدة ومنسجمة، تستطيع تمثيل القضية الجنوبية.
لعل كل هذه العوامل قد بسطت على طاولة قطبي الحراك حقيقة أنه لا مناص من توحيد قرار الحراك لاكتساب وزن حقيقي لتمثيل القضية الجنوبية في مواجهة تلك الحقائق الجديدة التي تشكلت فيما كان قادة الحراك يوسعون خلافاتهم ويفرطون في أحلامهم ونثر وعود لجماهيرهم.
وسيكون التحدي الماثل أمام علي سالم البيض وحسن باعوم هو المضي قدماً في تحقيق وحدة قرار الحراك وهو ما يبدو ممكناً على افتراض أن تقدير الرجلين للحقائق الجديدة بشأن القضية الجنوبية سيدفعهما إلى مساحات التقاء ويحملهما على كبح رغباتهما الذاتية في القيادة وتزعم قرار الجنوب.
لكن الخصائص الذاتية لدى علي البيض لا تساعده على العمل الجماعي وتقبل أن يكون عضواً في قيادة جماعية، يتساوى مع باقي أعضاء القيادة، ذلك أن الرجل لم يجرب هذا النوع من المسؤولية ولم يألفها إذ هو الوحيد تقريباً من قادة الأحزاب الاشتراكية الذي تهيأت له ظروف لتسمح له باتخاذ قرارات فردية منذ تولى قيادة الدولة الجنوبية عام 1986 حتى قيام الوحدة في 1990.
إذن، البيض مثقل بذاتية ومتشبث بتوصيفه القديم في زعامة الجنوب، وهذا بحد ذاته قد يهدد نجاح أي قرار جماعي للحراك الجنوبي.
وباعوم، لديه أيضاً مثل ما لدى البيض من الذاتية والغرام بأن يسبح فوق الشعبوية على حساب العمل الجماعي.
فضلاً عن هذين القطبين، ثمة قادة كثيرون في الحراك لابد من دمجهم عند التفكير بتوحيد قرار الحراك وحيئنذ سيأتي كل قيادي بمشكلاته.