رفض غالبية النواب في جلسة عقدها البرلمان اليمني، أمس الثلاثاء، تقريراً أعدته لجنة مكونة من 6 نواب، شُكلت مطلع مارس الماضي، لدراسة المعالجات الملائمة لأزمة خانقة في الوقود، تعصف بغالبية المُدن اليمنية، منذ أكثر من شهر. وكان مجلس النواب استدعى خمسة وزراء من حكومة الوفاق ورئيس الحكومة لحضور الجلسة المخصصة لمناقشة تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة، التي رأسها النائب عبدالله المقطري.
وتغيب عن الحضور كلٌ من رئيس الوزراء وثلاثة أعضاء في الحكومة، هم: وزير النفط والمعادن خالد بحاح، ووزير الكهرباء والطاقة صالح سميع، ووزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد. وحضر وزيران فقط، اللواء عبده الترب وزير الداخلية، وصخر الوجيه وزير المالية.
ووصف أكثر من 20 نائباً خلال مداخلاتهم التقرير الذي أعدته اللجنة الخاصة ب«الهزيل»، وقالوا إنه لا يضع حداً نهائياً لأزمة المشتقات النفطية وتحديداً الأزمة الحالية التي تشهدها الأسواق المحلية في مادة «الديزل».
وحتى الذين تحدثوا في الجلسة، ويزيد عدهم عن 30 برلمانياً، عجزوا عن تقديم حلول للمشكلة، عدا مقترحات وآراء كان يتقدم بها البعض ويناقضها ويعترض عليها البعض الآخر؛ الأمر الذي دفع رئيس المجلس يحيى الراعي إلى الموافقة على مقترحٍ لرئيسي كتلتي المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح يقضي بتكليف الحكومة ممثلة في وزارات النفط والمالية والدفاع والداخلية بإعداد الحلول المناسبة من وجهة نظرهم، وعرضها على مجلس النواب في النصف الثاني من الشهر الجاري، عقب انتهاء الإجازة المقررة للأعضاء.
استمع النواب إلى تقرير اللجنة الخاصة، على الرغم من عدم مرور 48 ساعة على توزيعه، ويُعد هذا الإجراء مخالفة للائحة مجلس النواب اعترض عليه النواب عبدالرحمن الأكوع وعبدالرزاق الهجري وصادق البعداني، وأصر على تمريره رئيس الجلسة يحيى الراعي تحت مبرر مُضي أكثر من أسبوع على إعداد التقرير. صخر الوجيه يكشف عن عجز الصادرات من النفط الخام اليمني عن سداد قيمة المشتقات النفطية المستوردة وجاءت الأسباب المالية في مقدِمة أسباب أزمة المشتقات النفطية التي تضمنها تقرير اللجنة، ومن تلك الأسباب المرتبطة بالجانب المالي عدم تسديد الحكومة قيمة الشحنات النفطية المستوردة وإبقاؤها على ظهر السفن لمدة 20 يوماً، إضافة إلى عدم سدادها مبالغ الدعم المستحقة لشركة النفط اليمنية في المواعد المحددة، وقيام وزارة المالية بتعويض الدعم النقدي -في أغلب الأحيان - بنفط خام، ما تسبب في إضعاف القدرة الشرائية للشركة.
كما أن المديونية المرتفعة لوزارتي الكهرباء والدفاع وشركة الخطوط الجوية اليمنية أثرت سلباً على قدرة شركة النفط دفع قيمة المشتقات النفطية.
وحسب الأرقام التي أوردها التقرير البرلماني، وزودته بها شركة النفط، فإن حجم مديونية وزارة الكهرباء للشركة بلغ 93 مليار ريال حتى نهاية يناير الماضي، كما أن مديونية وزارة الدفاع بلغت 11 مليار ريال إلى منتصف مارس الماضي، ومديونية الخطوط الجوية ما يقارب 8 مليارات ريال إلى التاريخ ذاته.
وزير المالية في حكومة الوفاق الوطني، صخر الوجيه، قدم شرحاً مفصلاً في الجلسة عن إجمالي الانفاق الفعلي للحكومة على المشتقات النفطية خلال عام 2013 والربع الأول من هذا العام.
الشرح الذي قدمه الوجيه، ودعمه بالأرقام، أوضح إجمالاً عدم كفاية الصادرات من النفط اليمني الخام حتى لسداد قيمة المشتقات النفطية المستوردة، ناهيك عن توفير فائض مالي من الإيرادات المحلية لصالح الخزانة العامة. وحسب وزير المالية، فإن الفارق المالي في العام الماضي بين ما صدرته اليمن من نفط خام وما استوردته من الخارج بلغ ملياراً و270 دولاراً، سددته الحكومة للوفاء بالمبالغ المالية المستحقة للشراء.
الأمر ينطبق على الربع الأول من هذا العام، يقول الوزير إن المؤشرات الأولية توضح أن الفارق، الذي ستتحمل أعباءه الحكومة، سيبلغ ملياري دولار، بعد أن بلغت كمية النفط الخام المحصلة في هذا الربع 12 مليون برميل، في وقت كانت شركة النفط قدرت أن ما سيتم تحصيله يزيد عن 15 مليون برميل، أي أن النقص بلغ 3 ملايين برميل بقيمة تتجاوز 250 مليون دولار. التقرير البرلماني يقول إن مديونية وزارة الكهرباء من النفط بلغت 93 مليار ريال والدفاع 11 ملياراً والجوية اليمنية 8 مليارات وقال وزير المالية إن اليمن أمام مشكلة اقتصادية صعبة، وإن هذه الأرقام قد تأتي بعدها قرارات غير شعبوية كحل مناسب لها، بغض النظر عما يقوله الناس.
في إشارة منه إلى رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية وانعكاسات هذا القرار على الشارع اليمني.
وقدم الوزير أربعة خيارات لحل أزمة السيولة النقدية، في مقدمتها «اكتفاء الحكومة بصرف المرتبات ودعم المشتقات النفطية، وإيقاف الصرف الداخلي»، ونتائج هذا الخيار «سلبية»، وتتمثل في إيقاف التنمية في البلاد، كما أن أي حكومة رشيدة لا تتخذ هذا القرار، حسب قوله.
أما الخيار الثاني فهو حصول الحكومة على دعم عيني أو نقدي يعادل ملياري دولار، وهذا الدعم –حسب الوزير أيضاً- من الصعوبة بمكان الحصول عليه.
والخيار الثالث هو الآخر لم يحبذه الوزير، ويتطلب «السحب على المكشوف من ميزانية اليمن في البنك المركزي، وتكمن نتائجه السلبية في زيادة التضخم».
واعتبر الوزير خيار تحرير أسعار المشتقات النفطية، وهو خيار رابع تقدم به للمجلس، مناسباً، وقال إن الجميع يتجنب الحديث عنه -لكنه حسب قوله- «الخيار المُر الذي سيُخرج اليمن من هذه الأزمة».
وضجت قاعة البرلمان عند حديث وزير المالية عن تحرير أسعار المشتقات النفطية ورفع الدعم الحكومي عنها، لكن الوزير رد عليهم بقوله: «هذا رأيي الشخصي ولم ألزم أحداً بالاقتناع به، لكني ما دمت وزيراً للمالية فلن أقول إلا ما يُرضي الله وما فيه مصلحة الوطن».
ومن ضمن أسباب أزمة الوقود، التي أوردها تقرير اللجنة المختصة، أسباب أمنية في مقدِمتها تعرض أنابيب نقل النفط الخام لعمليات تخريب أثر سلباً على الكميات المخصصة للاستهلاك المحلي وعلى قيمة الصادرات الخارجية منها، إضافة إلى تكرار عمليات استهداف أبراج الكهرباء التي تزيد من معدلات استهلاك المحطات الحكومية وزيادة استهلاك المولدات الخاصة بالمواطنين، ما يرفع الطلب في السوق على مادتي الديزل والبنزين، ويُفاقم المشكلة.
وخلال فترة عمل اللجنة، اقترحت على الجانب الحكومي سداد 123 مليون دولار عبر البنك المركزي، مقابل قيمة مشتقات نفطية من مادتي الديزل والبنزين والبالغة 130 ألف طن، كحل عاجل للأزمة.
وعقدت اللجنة اتفاقاً بين وزارة المالية وشركة النفط يشترط تسديد الأولى قيمة المشتقات نقداً وليس بكميات من النفط الخام، وتولي الثانية مهمة إحاطة الحكومة ببرنامجها التمويني وكميات وقيم المشتقات ومواعيد وصول الشحنات لتلافي تأخر دفع قيمة دعم الحكومة لهذه المشتقات.
ورفض النواب التوصيات التي أوردها تقرير اللجنة الخاصة، وقالوا إنها توصيات مكررة في الحسابات الختامية والتقارير المماثلة للأعوام الماضية.
كما أن إهمال التوصيات قضية التهريب بنوعيه (الداخلي، والخارجي)، وكيفية التخلص من العجز الحاصل بين كمية الصادرات والواردات من الوقود، في مقدمة مثالب التقرير التي سردها أعضاء المجلس.
واقترح نواب حضور رئيس هيئة الأركان في حال استمر غياب وزير الدفاع، كما انتقدوا تغيب وزير النفط الذي حضر الجلسة بدلاً عنه نائبه الدكتور أحمد باصريح.
ولم تُتحِ الفرصة لوزير الداخلية اللواء عبده الترب الذي عُيِن لمنصب الوزارة قريباً ويحضر لأول مرة إلى البرلمان الحديث عن الاختلالات الأمنية، بعد اقتراح الراعي مناقشة الموضوع عند حضور وزير الدِفاع، لكن الكثير من النواب وفي مقدمتهم رئيس كتلة المؤتمر سلطان البركاني أشادوا به ووصفوا أداءه ب«المهني».
وطلب الراعي في ختام الجلسة من وزارتي النفط والمالية إعداد تصور لحل مشكلة أزمة المشتقات النفطية، فيما تتولى وزارتا الداخلية والدفاع إعداد التصور المتعلق بالجانب الأمني، على أن يكون النصف الثاني من الشهر الجاري موعداً لتقديم التقارير إلى المجلس لمناقشتها والتصويت عليها.