مع كل صباح، تقف الطفلة "سهام" أمام ما يسمى "مقر جهاز الأمن السياسي" (المخابرات) بمدينة إب، علّها تحظى بفرصة لرؤية والدها، المعلم صديق العباب، الذي اختطفته مليشيا الحوثي قبل أشهر وأخفته قسريًا في هذا السجن. صديق العباب، معلم من مديرية الرضمة شمال شرق محافظة إب، اضطر لترك مهنة التعليم بعد أن أوقفت مليشيا الحوثي صرف الرواتب، فلجأ إلى العمل في أحد مستشفيات المدينة لإعالة أسرته.
في مطلع يونيو الماضي، اقتحم مسلحون من مليشيا الحوثي المستشفى واختطفوه واقتادوه إلى جهة مجهولة، في وقت كانت المليشيا قد شنت حملة اختطافات واسعة طالت عشرات المواطنين من أبناء إب.
سهام، الطفلة الصغيرة، تأمل في رؤية والدها وإيصال بعض الملابس والطعام له، بالإضافة إلى أدويته التي يتناولها منذ سنوات. تستعطف الحراس وتترجاهم إيصال الأغراض، لكن دون جدوى، وكأنها تخاطب جدرانًا صمّاء، لتعود في كل مرة مكسورة الخاطر، مثقلة بالخيبة وأوجاع تفوق عمرها الطفولي.
أكثر من 100 مختطف
في ظل هذه الانتهاكات، أطلق أهالي وأسر المختطفين من أبناء إب مناشدة إنسانية، بالتزامن مع حملة إعلامية تهدف لتسليط الضوء على هذه الجريمة الجماعية، والمطالبة بالضغط على مليشيا الحوثي لإطلاق سراح ذويهم.
خلال الأسابيع الماضية، شنّت مليشيا الحوثي حملة اختطافات واسعة في مناطق متفرقة من محافظة إب، طالت العشرات من المواطنين، بينهم معلمون ووجهاء وناشطون، جرى اقتيادهم من منازلهم أو أماكن عملهم دون أي تهم واضحة.
وأكد أهالي المختطفين أن أكثر من 100 شخص اختطفوا في هذه الحملة، وسط حالة من الخوف والترهيب.
مصادر حقوقية كشفت ل"الصحوة نت" أن عدد المختطفين قد يتجاوز الأرقام المُعلنة، حيث تتجنب بعض الأسر الحديث علنًا عن ذويها، خشية الملاحقة أو أملًا في تسوية تؤدي إلى الإفراج عنهم.
وبحسب المصادر، فإن قائمة المختطفين تضم 72 تربويًا (معلمين وإداريين)، و12 أستاذًا جامعيًا، و12 موظفًا في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى 3 محامين، و3 من أصحاب الأعمال الحرة، وطبيب.
وشملت الحملة 18 مديرية من أصل 20 في محافظة إب، وكانت الحصة الأكبر من مديرية ريف إب، حيث سجلت 14 حالة اختطاف. تلتها مديريتا حزم العدين والسياني ب10 حالات لكل منهما، ثم العدين ب9 حالات، وجبلة ب8 حالات، وحبيش ب7، ويريم ب6، فيما توزعت بقية الحالات في مديريات السدة والمشنة (5 حالات لكل منهما)، ومذيخرة، القفر، وذي السفال (4 لكل منها)، والظهار، المخادر، النادرة، الرضمة (3 لكل منها)، وفرع العدين ب5 حالات، والسبرة بحالة واحدة. وأوضحت المصادر أن مليشيا الحوثي ترفض الاستجابة لأي وساطات مجتمعية أو جهود محلية تطالب بالإفراج عن المختطفين، وتُصرّ على استمرار احتجازهم.
ووفق مصدر حقوقي تحدّث ل"الصحوة نت" – فضل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية – فقد جرى نقل جميع المختطفين من مختلف المديريات إلى سجن جهاز الأمن السياسي بمدينة إب.
وأشار إلى أن بعض المختطفين يقبعون في زنازين انفرادية، بينما يُحتجز الباقون في عنابر مكتظة، تضم أيضًا معتقلين سابقين، بعضهم أمضى سنوات في الأسر.
مخاطر تهدد حياتهم أكد عدد من أهالي وأقارب المختطفين في محافظة إب ل"الصحوة نت"، أنهم عاجزون عن التواصل مع ذويهم أو زيارتهم، ولا يعرفون حتى أماكن احتجازهم، حيث تتعمد مليشيا الحوثي إخفاءهم قسرًا.
كما ترفض المليشيا إيصال الأدوية للمختطفين المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، ما يُعرض حياتهم لخطر حقيقي.
ويُعد المختطف محمد مارش السلمي من أبرز الحالات المعرضة للخطر، حيث يعيش بنصف جمجمة نتيجة حادث مروري مروع تعرّض له قبل سنوات، خضع على إثره لتركيب صفيحة معدنية في الرأس والوجه، إضافة إلى معاناته من نوبات صرع وتشنجات متكررة، مما يزيد من قلق أسرته على حياته.
استهداف النخب
وبحسب مصادر حقوقية في المحافظة، فإن حملة الاختطافات الأخيرة استهدفت شخصيات من النخب المجتمعية، بينهم أطباء، أكاديميون، معلمون، محامون، ومهندسون، في محاولة لتفريغ المجتمع من قياداته المؤثرة.
وتُظهر البيانات التي حصلت عليها "الصحوة نت"، أن النسبة الأكبر من المختطفين هم من فئة المعلمين، حيث بلغ عددهم أكثر من 72 معلمًا وتربويًا، نصفهم يدرّسون مادة القرآن الكريم، والبقية في تخصصات أخرى، بالإضافة إلى ثلاثة إداريين.
كما طالت الحملة 12 مختطفًا من حاملي الشهادات العليا، بينهم 9 من حملة الدكتوراه، و3 من حملة الماجستير، أحدهم يشغل منصب نائب رئيس إحدى الجامعات في إب.
ولم يسلم معلمو القرآن الكريم من حملة الاختطافات، حيث اعتقلت مليشيا الحوثي عددًا من المشايخ والحفاظ والعاملين في مؤسسات تعليم القرآن، من أبرزهم الشيخ محمد قائد عقلان، مدير دار القرآن الكريم في منطقة اليهاري بمديرية ريف إب.
من بين الشخصيات الأكاديمية المختطفة لدى مليشيا الحوثي في إب، الدكتور في علوم القرآن وشيخ القراءات علي محمد محب الدرب، بالإضافة إلى الحافظ الشيخ محمد نعمان الخولاني، مدير مركز الإقراء والإجازة بالسند في الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم، والذي يُعد من كبار الحفاظ بالقراءات العشر في المحافظة.
كما طالت الحملة الدكتور صادق عبد الله اليوسفي، أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة إب، والتربوي محمد مارس السلمي، مدير جمعية معاذ العلمية لخدمة القرآن الكريم، إضافة إلى محمد مارش السلمي، رئيس جمعية الأقصى سابقًا في إب.
حملة الاختطافات في إب أثارت موجة سخط واسع بين ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أجمع المغردون أن هذه الحملة تؤكد هشاشة المشروع الحوثي وهواجس السياسية التي تعيشها مليشيا الحوثي بالمحافظة.
وأضاف ناشطون أن حملة الاختطافات مؤشر أيضا على رعب المليشيات وخوفها من تنامي وعي أبناء إب الرافض لمشروع السلالة الطائفية، والتمسك بالجمهورية التي تصون كرامة اليمنيين وحريتهم وتضمن حقوقهم.