من المعلوم بالضرورة أن الأمن حاجة أساسية لكل إنسان بالحياة، فبدون الأمن لا يستطيع الحياة والتحرّك لأداء واجباته وقضاء حاجاته الأخرى، وهذا حال كل مواطني الدول في العالم وحتى يستطيع الناس التعايش السلمي في ظل تقاطع حاجاتهم ومصالحهم لا بُد من ضابط للأمن ومنظم للحياة بينهم بصورة رادعة وسلطان حاكم وهو ما يسمى بقانون وسلطة وتشريع الدولة. وهذا يعني لا أمن بلا سلطة دولة لها حق ردع المخلين بأمن المجتمع وردع المعتدين على حقوق الناس، وبدون ذلك يتحول المجتمع إلى قطيع من الوحوش يأكل القوي فيهم الضعيف ويبطش بعضهم ببعض بكل وحشية.
وإذا كانت هذه هي الحقيقة فما بالنا نتجاهل خطورة غياب الأمن وخطورة السعي المُمنهج لتوفير بيئة طاردة للأمن، والذي يعمل لإنتاجها قادة وزعماء ونُخب سياسية يقودون منظمات وأحزاباً وجماعات من خلال زرع وإثارة ثقافة الكراهية والعنصرية بشتى أنواعها المناطقية والمذهبية والعرقية والحزبية وبكل حماس في شتّى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
أما آن للنخب السياسية التي تصب الزيت على النار أن تدرك أنها أول من سيحترق بنارها، وتتفحم بوسط البركان الذي ستفجره وتوصل بالوضع إلى خارج نطاق السيطرة.
أما آن للنخب السياسية أن تدرك معاني وحدة الهوية الوطنية مهما تعددت الانتماءات المناطقية والحزبية والمذهبية والأسرية وأن الأوطان والدول لا تقوم إلا بتوحد مجتمع الدولة حول ثوابت وطنية تجعل الجميع مشتركين في الحقوق والواجبات لهم انتماء وطني واحد وعدو وطني واحد ومصالح مشتركة تحتم على الجميع العمل والتنافس لتوفير بيئة آمنة توفّر للجميع الأمن والاستقرار والتعايش السلمي، مهما تنوعت وتعددت انتماءاتهم داخل الوطن سياسياً وجغرافياً وعرقياً، لأن غير ذلك يعني الصراع الدموي والتخلّف والمجاعة والدّمار.
وإذا كانت هذه المهمة في الأساس هي مهمة النخب السياسية فلا يعفو ذلك أن على كل مواطن مهما كان موقعه ومهما كانت قدرته عن القيام بدوره وواجبه في حماية الأمن وتوفير البيئة المنتجة لذلك، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وعلى كل مواطن واجب فردي في زرع ثقافة المحبّة والتعاون والمبادرة الإيجابية للمشاركة الفاعلة في توفير بيئة الأمن الاجتماعي والتعايش السلمي والتنافس السياسي الشريف بالطّرق السلمية قبل تفجير الوضع واشتعال الحروب التي تحصد موقديها ووقودها.
هذه رسالة مواطن يحب وطنه وشعبه، فهل ستجد آذاناً صاغية وعقولاً واعية تدرك معانيها وتستشعر مسؤوليتها الوطنية أمام ربها وشعبها ونفسها؟