العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    الرئيس العليمي: هذه أسباب عدم التوصل لسلام مع الحوثيين حتى الآن    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    التعاون الدولي والنمو والطاقة.. انطلاق فعاليات منتدى دافوس في السعودية    ميسي يصعب مهمة رونالدو في اللحاق به    الهلال يستعيد مالكوم قبل مواجهة الاتحاد    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    تجاوز قضية الجنوب لن يغرق الإنتقالي لوحده.. بل سيغرق اليمن والإقليم    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقيقة الأوضاع الأوكرانية.. وكيف يمكن تفسيرها
نشر في المصدر يوم 29 - 04 - 2014

طالعنا موقع «المصدر أونلاين» الالكتروني بتاريخ 17 ابريل الجاري بمقالة سياسية تمثل رؤية القائمة بالأعمال بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن السيدة كارين ساساهار كتبتها تحت عنوان: «المجتمع الدولي يقف مع أوكرانيا موحدة وذات سيادة».

باهتمام بالغ اطلعت على ما احتوته تلك المقالة التي كتبتها السيدة كارين ساساهار بطريقة سهلة ومفهومة المعاني للجميع حسب الرؤية الأمريكية، التي تتصف بطبيعة الشعور العاطفي والاهتمام المبالغ به من الأمريكيين بمصير الإنسانية جمعاء وبالطبع يدخل في ذلك مصير الشعب الأوكراني.

وأكثر من ذلك، تزعم كارين ساساهار أنها تستند الى حقائق مؤكدة، وتأخذ على نفسها حملاً ثقيلاً، بل بلغت حالة الاستهتار بأن تحسب هذه الرؤية أو الملاحظات على أنها باسم المجتمع الدولي، الذي يدخل من ضمنه الجمهورية اليمنية.. والغريب أن رؤية القائمة بالأعمال التي وضحتها في المقالة حول أوكرانيا تجدها تارة تشبه الكلام الذي يكتب على اللافتات أو اللوحات الجدارية، وتارة أخرى تجدها كأنها تتحدث عن حقائق محاولةً بشكل مريب أن تملي قناعاتها على الآخرين.

أوكرانيا غرقت في الفوضى.. وديمقراطية «الميدان الأوروبي» لا يريدها أحد
هذه المغالطات والمحاولات تظهر بشكل جلي وواضح الصعوبة الكبيرة التي يمر بها الأمريكيون في مسألة التكيف مع الأوضاع الدولية الجديدة التي أنهت الأحادية القطبية التي تؤكدها الأحداث الجارية في العديد من مناطق العالم وأنها أصبحت جزءاً من الماضي، وأن شعوب العالم أصبحت لا تريد أن يعلمها الأمريكيون دروساً في ماذا يجب عليها أن تعمل في شؤونها الداخلية ومصالحها الوطنية.

للأسف الشديد تضمنت المقالة، الى جانب بعض المعلومات عن الأوضاع الأوكرانية التي لا يمكن الجزم أنها بنيت على حقائق مجردة، إنها غير متفقة مع الواقع وغير مسؤولة.. ان ما يجري في أوكرانيا من أحداث تصورها المقالة بطريقة عكسية تماماً وبتبسيط مريب لما يحدث على أرض الواقع الأوكراني، ويبدو أن كاتبة المقالة فكرت في أنه كلما بسّطت الأزمة الأوكرانية وتناولتها بسطحية كان ذلك أفضل، غير مدركة أو مثمّنة مستوى القارىء اليمني.

الذين استولوا على السلطة في كييف يعملون بشكل فاضح على مخالفة ما اتفق عليه في جنيف، ولم يقوموا بأية تحركات أو اجراءات من شأنها أن تعمل على حل الأسباب التي لا زالت قائمة نتيجة لعمق الاختلافات السياسية على جميع المستويات في أوكرانيا
دعونا نحاول أن نجد الحقيقة ونتابع الأحداث التي أوردتها السيدة كارين ساساهار في مقالتها.. فهي كتبت: «أن كل ما حدث في أوكرانيا بدأ في نوفمبر العام الماضي بمظاهرات سلمية فيما يسمى «الميدان».. والميدان الذي تعنيه الكاتبة هي ساحة معروفة في كييف العاصمة الأوكرانية لها اسم رسمي هو «ساحة الاستقلال». لكن هذا الادعاء الذي قالته السيدة كارين ساساهار ليست الحقيقة الحقة. فما جرى في أوكرانيا صدقاً بدأ قبل التاريخ الذي ذكر في المقالة، حيث بدأت الأحداث عندما وضعت دول الاتحاد الأوروبي أوكرانيا أمام خيارين لا ثالث لهما: اما ان تختار أن تكون مع تلك الدول أو مع روسيا. وتم ممارسة مختلف أنواع الضغوطات على كييف من أجل أن توقع اتفاقية الانضمام الى منظومة الاتحاد الأوروبي. الا أن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش لم يقدم على اتخاذ خطوات نحو أوروبا. ولو أن أوكرانيا أقدمت على التوقيع على تلك الاتفاقية لكانت فقدت مصالحها الاقتصادية الكبيرة التي تحصل عليها من خلال مشاركتها في اتفاق المنطقة الحرة التجارية مع الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي عقب انهياره.. وروسيا الاتحادية احدى تلك الدول التي لا زالت عضواً في ذلك الاتفاق الاقتصادي. الرئيس يانوكوفيتش منح نفسه فرصة اضافية لدراسة اتفاقية الانضمام الى الاتحاد الأوروبي ووصل الى نتيجة مفادها أن الأفكار التي تدعوه الى توقيع الاتفاقية الاقتصادية الأوربية فوراً، تتطلب مزيداً من العمل والدراسة. ومن هنا بالضبط بدأت الأحداث وليس كما أوضحته السيدة ساساهار في مقالتها، حيث أن ساحة المظاهرات في كييف أصبحت تسمى بدلاً من «الميدان» ب «الميدان الأوروبي».

وبتشيع من الدول الغربية ظهرت أول مظاهرة على «ساحة الاستقلال» مطالبة بانضمام أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي. معظم المتظاهرين كانوا من المحافظات الأوكرانية الغربية التي يمثل الناطقون باللغة الروسية فيها أقلية سكانية. في كييف تقاطرت وتكثفت زيارة وزراء خارجية الدول الغربية وسياسيون من أمريكا وقاموا بالتوجه الى ساحة الاستقلال والتقوا المتظاهرين مباشرة ودفعوهم نحو استمرار المظاهرات. من جانب آخر السكان الأوكران في المناطق الشرقية والجنوبية الذين يتحدثون اللغة الروسية ويمثلون أكثرية السكان، لم يشاركوا في تلك المظاهرات، بل كانوا ضد انضمام بلادهم الى الاتحاد الأوروبي ويؤيدون بقاء العلاقات مع روسيا. نتيجة لذلك حدث في البلاد انقسام حاد وخطير يهددها بالانفصال. إن الدول الغربية فقط لا يزعجها هذا الوضع المتأزم. المهمة الأساسية والحقيقية التي كانوا يفكرون فيها ويعملون عليها بأي ثمن هي كيف يمكنهم فصل أوكرانيا عن روسيا اللتين ترتبطان بجذور تاريخية عميقة.

تطورت الأوضاع بخطورة أكبر ما أدى الى أن الرئيس يانوكوفيتش - لأجل تهدئة الأوضاع- وقع اتفاقية مع المعارضة الأوكرانية في 21 فبراير حول ضرورة نزع السلاح من «الميدان الأوروبي» والإصلاح الدستوري وتقديم الانتخابات الرئاسية عن موعدها المحدد الى ديسمبر هذا العام، وأشرفت على ذلك وقدمت الضمانات لتنفيذه بعض من الدول الأوربية وهي: بولونيا وألمانيا وفرنسا. الا أن ما جرى من توقيع وتقديم الضمانات الأوروبية لتنفيذ الاتفاق وإنجاحه كان «بلفا» سياسيا وظهرت نتائجه من اليوم الثاني من خلال ما جرى في «الميدان» عندما ظهر أن قيادة المتظاهرين فيه هم من الراديكاليين المتطرفين المعاديين للروس الذين بدأوا بأعمال الفوضى والتخريب، حيث قاموا بإلقاء الزجاجات الحارقة على الشرطة، كما قاموا بإطلاق النار عليهم من الخلف، وقاموا أيضا بالهجوم على المبنى الرئاسي الأوكراني، الذي مثل خطراً كبيراً على حياة وأسرة الرئيس بانوكوفيتش. مما استدعى منه اتخاذ قرار سريع بمغادرة كييف إلى مدينة خاركيف شرق أوكرانيا. هو لم يهرب من بلاده كما طرحته السيدة كارين ساساهار في مقالتها الموقرة. والحقيقة انه اذا لم يغادر الرئيس كييف كان سيتم اغتياله بكل بساطة.

من الأفضل للشركاء الأمريكيين أن يدعوا كييف الى الالتزام بتنفيذ ما اتفق عليه في جنيف وتسريح مقاتلي «القطاع الأيمن» المسلح والمجموعات الفاشية المسلحة الأخرى التي شاركت في الانقلاب العسكري ضد الحكومة الشرعية في كييف
في هذا الوقت، استولى المتظاهرون الراديكاليون المتطرفون على السلطة عن طريق الانقلاب المسلح غير الدستوري وقاموا بالاستيلاء على عدد من المباني الحكومية وقاموا بإسقاط الرئيس الشرعي. هذا الانقلاب المسلح خاصة سمي في المقالة الأمريكية «مطالبة المواطنين بإنهاء الفساد في بلادهم» وهذا يعني من وجهة النظر الأمريكية الحصول على «حماية دستورية حقيقية» برفض «الصفقات التجارية المشبوهة» ويعنُون التعاون الاقتصادي مع روسيا، في ذلك الوقت التعاون مع الاتحاد الأوروبي والأصدقاء الأمريكيين كان عندهم لا يبدو عليه أي اشتباه. هذا بكل صراحة ما يفكر فيه الغرب نحو الأحداث الأوكرانية فهم يتصرفون نحوها «بمعايير مزدوجة» وهذا ليس بجديد على سياساتهم المعروفة لدى شعوب العالم.

تحركات الحكومة الأوكرانية التي اغتصبت السلطة والتي عينت أعضاء حكومتها بنفسها وأدخلت في تشكيلتها خمسة وزراء من مجموعات متطرفة. كل تلك الإجراءات تمت بدون أية مسوغات قانونية. ولم يقفوا عند هذا الحد بل أعلنوا أن المواطنين الأوكران الناطقين باللغة الروسية والمنحدرين من أصول روسية والقاطنين منذ الأزل في مناطقهم أنهم مواطنون غير أصليين ودخلاء محتلون للأراضي الأوكرانية، وعلى هذا يجب قتلهم. كما أن اللغة الروسية تعرضت لقرار يقضي بتحريم تداولها في البلاد محاولين القضاء عليها، حيث كان أول إعلان من الحكومة الجديدة إلغاء القانون الذي يسمح بتداول اللغة الروسية في أوكرانيا.

وتعتقد السيدة كارين ساساهار وهذا صحيح أن «روسيا لا تستطيع أن تملي على أوكرانيا مستقبلها». لكن هذه الأطروحة ليست خاصة بروسيا فقط، بل بأي بلاد أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. كما لا يجرؤ أحد على تسهيل وصول الراديكاليين المجرمين الى سدة الحكم وهم الذين يتبنون ويدعون الى قتل الروس بشكل مباشر. هذا الوضع الجاري في أوكرانيا هو من مسؤولية الدول الغربية. فالأمريكيون يصفون ما يحدث هناك «بالثورة الديمقراطية»!.. حتى أصبحت اليوم الديمقراطية بمعنى «الميدان الأوروبي» لا يريدها أحد.

قول السيدة كارين ساساهار في مقطع من مقالتها: إن القادة الأوكرانيون الذين اغتصبوا السلطة وعينوا أنفسهم على رأسها في كييف بأنهم يحظون بدعم كبير وواسع من الجمعية العامة للأمم المتحدة، هو قول يجب أن ينتقد وكلام غير صحيح. في الحقيقة صوتت 100 دولة من أعضاء الجمعية العامة على قرار ضد روسيا الا أن هناك 93 دولة أخرى لم تدعم ذلك القرار. علماً أن الكثير من الدول التي صوتت لصالح الولايات المتحدة عملت ذلك بسبب أن الأمريكيين مارسوا ضدها ضغوطاً وتهديداً «ولي أذرع» قبل التصويت. ولكن لم ينجحوا مع الآخرين الذين لم يدعموا ذلك القرار هذا الكلام حقيقة لا تقبل الشك.

يجب على واشنطن أن تحث القيادة الاوكرانية الحالية لوقف عملياتها العسكرية في جنوب وشرق البلاد فوراً، والقيام بسحب الوحدات العسكرية لأوكرانيا والقوات الأمنية إلى أماكن انتشارها الدائم
ماذا حدث بعد الانقلاب «الميدان الأوروبي»؟
بمنطق زميلتنا الأمريكية فإن مواصلة فعاليات «الميدان» الناجحة بدأت تؤتي نتائج إيجابية، خاصة وأن المتظاهرين والفرق الدينية من الروس والأوكران والتتار بدأوا ببناء مستقبل ديمقراطي. كما أنهم اجتمعوا معاً من أجل انتخاب رئيس جديد للبلاد. كل هذا الحديث والمنطق كيف يمكن ان يستقيم؟!.

في الواقع الحقيقي على الأرض كل ما يجري عكس هذا الكلام جملة وتفصيلاً. ومرة أخرى هو كلام غير صحيح!

أوكرانيا غرقت في الفوضى
في العاصمة كييف المباني الحكومية لا زالت محتلة من المسلحين الراديكاليين والمنظمات الفاشية (القطاع الأيمن). كما أن الكثير من الخيام لا زالت تبنى في وسط العاصمة. لقد انتهكت السلطة الحالية اتفاقية 21 فبراير الموقعة بواسطة بولونيا، ألمانيا، فرنسا التي تلزم أولاً: نزع السلاح وإجراء إصلاحات تشريعية فقط وبعد ذلك إجراء انتخابات رئاسية لكنهم قرروا إجراء الإنتخابات في 25 مايو القادم متجاهلين بذلك كل الاتفاقيات السابقة.

في الوقت نفسه في مناطق الجنوب والشرق الأوكراني حيث يمثل المواطنون الأوكرانيون من أصول روسية 90% من سكانها بدأت مظاهرات قوية مضادة غير معترفة بالسلطة غير الشرعية التي استولت على الحكم في كييف. كان يمكن أن يكون غريباً لو أن الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية لم يتفاعلوا مع تلك القرارات العنصرية ضدهم التي اتخذتها الحكومة غير الشرعية في كييف التي دعت الى تصفيتهم وقتلهم. ونتيجة لذلك حدث انفجار وغضب شعبي في الجنوب والشرق الأوكراني مما أدى الى تصاعد الأحداث حتى وصلت الى مستوى الانتفاضة. استولى الشعب في هذه المناطق على المقار الحكومية في عشر مدن. وطالبت الجموع الشعبية الغفيرة التي احتشدت في الساحات والميادين بتنظيم استفتاءات حول إقامة سلطة الأقاليم الفيدرالية في إطار الدولة الأوكرانية ومع الجماهير الشعبية انضمت الكثير من الوحدات العسكرية القتالية والشرطة وقوى السلطات المحلية الأوكرانية في تلك المناطق.

وشعر الغربيون بفشل مؤامراتهم الرامية الى فصل أوكرانيا عن روسيا، فما كان منهم الا أن قاموا بتحميل روسيا المسؤولية عن أعمال الثورة في الجنوب والشرق وقاموا بتحريض ودفع القيادة الأوكرانية الجديدة في كييف بممارسة طرق عقابية عسكرية غير قانونية أو دستورية ضد المواطنين الأوكران في الجنوب والشرق. وكييف أرسلت دباباتها بدون أي تعقل ضد شعبها، وسمت ذلك «العمليات المضادة للإرهاب». الحمد لله الى الآن كل ما خططوا له لم يحدث وذلك بفضل انضمام الجنود الأوكران الى المتظاهرين. وبذلك بدأت العمليات المضادة للارهاب كما يسمونها بالتقلص ولكنها ما زالت موجودة. وبدأوا مرحلة جديدة من الصراع عن طريق استدعاء المتطرفين الإرهابين الحقيقيين من المناطق الغربية الأوكرانية وهم مقاتلو «القطاع الأيمن» الذين بدأوا تحت جنح الظلام بمهاجمة النقاط والحواجز الأمنية في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد، وسلطات كييف أعلنت عن مواصة «العمليات المضادة للإرهاب». كما بدأوا نشر الشائعات حول وجود 40000 جندي روسي عند حدود أوكرانيا، لكن وحداتنا العسكرية كانت منتشرة هناك دائما. هذه هي أراضي روسيا وعلينا أن نقرر مكان انتشار القوات وعددهم.

هكذا الأفكار التآمرية التي كانت ترمي الى فصل أوكرانيا عن روسيا عبر الانقلاب لم يحالفها الحظ. ونتيجة لتلك المرامي الخبيثة أصبحت أوكرانيا منقسمة. وظهرت في البلاد بوادر الحرب الأهلية. اجمالاً لم تتحقق أوهامهم التي احتوتها مقالة السيدة كارين ساساهار.

أعلنت سلطات كييف عن مواصة «العمليات المضادة للإرهاب»، كما بدأوا نشر الشائعات حول وجود 40 ألف جندي روسي عند حدود أوكرانيا، لكن وحداتنا العسكرية كانت منتشرة هناك دائما. هذه هي أراضي روسيا وعلينا أن نقرر مكان انتشار القوات وعددهم
وظهر أن هناك مخرجاً من المأزق الأوكراني يمكن البناء عليه من خلال النتائج المتوقعة مما تم في 17 ابريل الجاري خلال اللقاء بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي في جنيف الذي اتخذ فيه «إعلان جنيف ليوم 17 ابريل» الذي يقضي بإيقاف وإنهاء المظاهر المسلحة غير الشرعية للقوى شبه العسكرية التي تكونت في أوكرانيا.. وإيقاف التطرف الديني وإطلاق حوار بين الأطراف في الأطر الدستورية النافذة الذي يجب أن يكون حازماً وملفتاً ومسؤولاُ.

ماذا نرى الآن؟ أصوات نسمعها من واشنطن تقيم ما حصل في جنيف على أنه مخيب للآمال. الجانب الأمريكي مرة أخرى وبقوة يحاول تبرئة أنشطة واجراءات الحكام الجدد في كييف. ونحن نرفض رفضاً قاطعاً محاولات تشويه اتفاقية جنيف والفرض على رأي المجتمع الدولي الفهم بأن موقف الولايات المتحدة كان أَتفق عليه في جنيف. الدعاية الأمريكية تسمي أهالي جنوب وشرق أوكرانيا إرهابيين ومجرمين. وفي الوقت نفسه تصف السلطات في كييف بأنها سلطات قانونية وبريئة وديموقراطية وتجلب السعادة لشعبها. تتم هذه الدعاية عبر وسائل الإعلام بمساعدة نشطة من قبل شركائنا الأمريكان والأوروبيين.

في أمريكا من جديد يهددون روسيا بالعقوبات. مما أدى الى تكوّن اعتقاد أو شعور بأن التهديد الكلامي الأمريكي حلّ محل الدبلوماسية. من الأفضل للشركاء الأمريكيين أن يدعوا كييف الى الالتزام بتنفيذ ما اتفق عليه في جنيف وتسريح مقاتلي «القطاع الأيمن» المسلح والمجموعات الفاشية المسلحة الأخرى التي شاركت في الانقلاب العسكري ضد الحكومة الشرعية في كييف والعمليات العسكرية والإنسحاب إلى مقراتهم السابقة، ونأمل أن تفهم واشنطن بمسؤولية كل ما يجري في أوكرانيا.

إن ممثلي «الميدان الأوروبي» يجب عليهم أن يسلموا المقار الحكومية التي استولوا عليها بالقوة وكذلك بقية الأبنية التابعة للحكومة الشرعية. ماذا تقول واشنطن بهذا الخصوص؟ ممثلو وزارة الخارجية الأمريكية وخاصة متحدثتها السيدة فيكتوريا نولاند تزعم أن أطراف الاجتماع الرباعي ليوم 17 أبريل في جنيف توصلت إلى الاتفاق حول إلزام «الانفصاليين» في جنوب شرق أوكرانيا مغادرة المباني الحكومية المحتلة، وهذه كذبة أخرى. إعلان 17 أبريل يقضى بدقة بالالتزامات المتزامنة والمتساوية لجميع الأطراف بمغادرة أي مبنى تم الاستيلاء عليه بشكل غير شرعي ونزع سلاح جميع المجموعات المسلحة غير المشروعة.

كما من الضروري إرسال اشارات واضحة إلى كييف بأنه يمكنها العمل على تسوية وتهدئة الأوضاع عن طريق اطلاق حوار شامل مع الأقاليم حول الإصلاحات الدستورية، وخاصة مع ممثلي المناطق الناطقة باللغة الروسية في الجنوب والشرق الأوكراني الذي أصبح من الواجب على السلطات المركزية أن تستمع لأصواتهم وآرائهم.

مع الأسف الشديد أولئك الذين استولوا على السلطة في كييف يعملون بشكل فاضح على مخالفة ما اتفق عليه في جنيف، ولم يقوموا بأية تحركات أو اجراءات من شأنها أن تعمل على حل الأسباب التي لا زالت قائمة نتيجة لعمق الاختلافات السياسية على جميع المستويات في أوكرانيا.

واضح عدم قدرة ورغبة السلطات الجديدة في كييف وعجزها عن إيجاد نهاية لما يقوم به «القطاع الأيمن» المتطرف من ممارسات عنيفة والمجموعات والتنظيمات القومية المتشددة الأخرى التي وصل بها الأمر الى سفك الدماء البشرية من أجل تحقيق رغباتهم في عدم توقف الاعتقالات وتحرير المعتقلين والنشطاء من الحركات المعارضة في الجنوب والشرق الأوكراني. ما يحدث الآن يمثل خللاً وخطراً محدقاً لما تم الاتفاق عليه في جنيف وذلك لعدم تنفيذ بنود الاتفاق التي توافق عليها كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا منذ 17 ابريل.

نحن ندعو أمريكا الى ممارسة الضغط على كييف وعدم السماح لأصحاب الرؤوس المتحجرة بتحويل الصراع الحالي الى صراع دموي، ودعوة السلطات الأوكرانية الجديدة لتنفيذ التزاماتها وفقاً لما تم الاتفاق عليه في جنيف من أجل أن بدء تحسن في الأوضاع. كما يجب على واشنطن أن تحث القيادة الاوكرانية الحالية لوقف عملياتها العسكرية في جنوب وشرق البلاد فوراً، والقيام بسحب الوحدات العسكرية لأوكرانيا والقوات الأمنية إلى أماكن انتشارها الدائم. نأمل أن واشنطن تدرك مدى المسؤولية على الأوضاع في أوكرانيا.

الآن هناك ضرورة لتسريع وتسهيل مسألة إطلاق الحوار الشامل في أوكرانيا، وفتح الباب أمام إجراء الاصلاحات الدستورية بمشاركة واسعة من كل القوى السياسية وممثلي الأقاليم في البلاد.

من أجل معرفة الحقيقة يجب أن لا تهمل التطرق الى مسألة انضمام القرم الى روسيا الاتحادية
في مقالة السيدة المحترمة كارين ساساهار أكدت أن: «العالم لم يُخدع ليظن أن الاستفتاء الذي هندسته روسيا يبرّر بطريقة ما أو بأخرى ما لا يعدو كونه مجرّد استيلاء على الأرض بالقوة». وأضافت: الآن يمكن لأي شخص أن يعرف ذلك عبر الانترنت. نعم هي على حق.. فكثير من المتابعين في العالم لديهم وسائل الانترنت وأي حادثة في العالم يمكن التأكد منها. والغريب أن الانترنت لم يساعد الزميلة الأمريكية على النظر بأن الاستفتاء تم اجراؤه في القرم بدون أن تطلق طلقة نارية واحدة، فالجيش الروسي لم يتدخل في القرم ولم تتواجد أية قوى محتلة.

شعر الغربيون بفشل مؤامراتهم الرامية الى فصل أوكرانيا عن روسيا، فما كان منهم الا أن قاموا بتحميل روسيا مسؤولية عن أعمال الثورة في الجنوب والشرق وقاموا بتحريض ودفع القيادة الأوكرانية الجديدة في كييف بممارسة طرق عقابية عسكرية غير قانونية أو دستورية ضد المواطنين الأوكران في الجنوب والشر
الرئيس فلاديمير بوتين اتخذ قرار انضمام القرم فقط بعد الأحداث الاستفزازية في «الميدان» والاستيلاء العنيف على السلطة في أوكرانيا وتصاعد مشاعر معادية لروسيا هناك، حيث بدأ مقاتلون متطرفون بأعمال الفوضى في مدن البلاد، وحاولوا التدخل في القرم والاستيلاء هناك على المباني الحكومية، فيما وقف أهالي القرم ضد السلطات الجديدة وعقدوا الاستفتاء حول تقرير مصيرهم حيث أظهروا رغبتهم في الاستقلال والانضمام مع روسيا. شيء وحيد قام به الرئيس الروسي قبل عقد الاستفتاء هو توجيه جنود القاعدة العسكرية الروسية المتواجدة في القرم بشكل شرعي بالانتشار وذلك لمنع تطور التوتر وإفشال الاستفتاء هناك. وكان سكان القرم أصيبوا بالقنوط ولم يروا أي طريقة أخرى لإنقاذهم إلا إعادة الوحدة مع روسيا.

الآن أصبحت القرم عن طريق الحرية والتأييد الشعبي - الذي بلغ نسبة 97% من السكان الذين صوتوا على الانضمام الى روسيا الاتحادية - إحدى أقاليم روسيا الفيديرالية.

فالقرم أكثر المناطق استقراراً ضمن أراضي أوكرانيا السابقة. الا أن ما جرى في هذه المنطقة من حرية في تقرير مصير سكانه لا يشبه ما حصل في كوسوفو الذي عمل الناتو على فصلها عن صربيا بدون الحصول على موافقة من الأمم المتحدة، وتم اعلان استقلالها بدون أن يتم تنظيم أي استفتاء شعبي على ذلك. ولم يتم السماح لممثلي الصرب القاطنون في كوسوفو بأن يعبروا عن رأيهم فيما حدث.. فضلاً عن سقوط الآلاف من الضحايا نتيجة قصف طائرات الناتو على دولة يوغسلافيا السابقة. في القرم أؤكد وأعيد التأكيد لم تحدث أية ضحايا مثلما حدث في كوسوفو. وهكذا لم يكن هناك أي احتلال للقرم.. روسيا تحركت على أساس القانون الدولي الذي يعترف بحق تقرير المصير للشعوب.. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك بما في ذلك دعم أمريكي صارم وواضح الشكل لكوسوفو. لماذا لا يدعمون حق تقرير المصير في القرم؟. هنا كل شيء واضح ومفهوم! لأن القرم انضمت لروسيا وليس الى الغرب. مرة أخرى نرى «ازدواجية المعايير الغربية» ومرة أخرى لا شيء جديداً.

وبغض النظر عن الانترنت، لم يشاهد شركاؤنا الأمريكيون الآلاف من الناس الذين احتشدوا في مدينة سيفاستوبول ومدينة سيمفروبول وكثير من مدن القرم من الروس والأوكران والتتار الذين بكوا من الفرح عندما عاد القرم الى «الوطن». هكذا أعتقد أن الأمريكيين فرحوا عندما تم الاعلان لأول مرة وثيقة الاستقلال الخاصة بدولتهم.

إن شبه جزيرة القرم بالنسبة للروس جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية، حيث أنهم ضحوا كثيراً من أجل هذه الأرض وفقدو كثيراً من الأرواح من أجلها. ووقعت القرم في الحالة المذكورة أعلاه لأنها لم تجد أي مفر منها إلا أنه ما زالت هذه الأراضي في روح الشعب الروسي.

في ختام هذه المقالة أريد أن أسدي نصيحة خالصة لزميلتي الأمريكية أن لا تحاول التحدث نيابة عن الأصدقاء اليمنيين بقولها في المقالة «أمريكا واليمن والعالم يريدون أن يروا روسيا ليست ضعيفة بل قوية ومسؤولة». أصدقاؤنا اليمنيون يعرفون ذلك بشكل ممتاز، أنه بدون التمنيات الطيبة الأمريكية، روسيا كانت ولا تزال وستكون قوية ومسؤولة ونحن بدورنا نتمنى ذلك لأصدقائنا الأمريكيين كما يتمنون لنا.

نحن لن نكون نسخة مكررة عن الأمريكيين ونوجه بتعالي الآخرين وندعوهم للتوحد معنا من أجل أوكرانيا في نضالها من أجل الديمقراطية.

الشعب اليمني هو سليل حضارة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ الإنساني، ولديه القدرة الذاتية ولا يحتاج الى نصائح أجنبية في كيفية القدرة على تفهم وقراءة الأوضاع في أوكرانيا. ويستطيع أن يميز من هو على حق ومن هو على الباطل. وأكثر من ذلك فإن الخبرات اليمنية السياسية التي خرج بها اليمنيون من أزمتهم تحتاجها أوكرانيا الآن في محنتها.. ففي الجمهورية اليمنية تم العمل بنجاح على تسوية الأوضاع المتأزمة من خلال عقد مؤتمر الحوار الوطني.. وبدأت اللجنة الدستورية عملها من أجل إعداد دستور جديد للبلاد.. وفي أوكرانيا لا زلنا ننتظر ذلك في المستقبل. هناك ما يمكن أن نفكر فيه.

* سفير جمهورية روسيا الاتحادية لدى اليمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.