عن دوافع الانفلات الأمني الذي تشهده محافظة الضالع التي ما زالت تتصدر قائمة أحداث العنف على مستوى المحافظات الجنوبية، وتسجل أعلى أرقام الاغتيالات والتفجيرات.. تحدث سعد الربية رئيس التجمع اليمني للإصلاح بالضالع لصحيفة "الناس" وينشره "المصدر أونلاين" بالتزامن. - بداية.. هل لك أن تصف لنا الأوضاع حالياً في محافظة الضالع؟ * الأوضاع في اليمن لا تسرّ أحداً سواء في الضالع أو صعدة أو صنعاء أو غيرها، وإن كانت الضالع أكثر مشكلات وأقل استقراراً، بسبب انشغال الدولة عن دورها الأساسي في الحفاظ على الأمن والحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم بقضايا أقل ما يقال عنها أنها قضايا تافهة. - ما هي هذه القضايا التافهة من وجهة نظرك؟ * مثلاً هناك كثير من المسؤولين مشغولون بالأراضي، والسفريات وقضايا أسرية وتسوية أوضاع الأقارب، والسعي وراء جمع المال، وغيرها من الأشياء التي يعرفها الكثير من الناس كونها أصبحت ظاهرة عند كثير من المسؤولين إلا من رحم الله. - لماذا الضالع بالذات تزيد فيها المشاكل أكثر من غيرها في المحافظات الجنوبية؟ * هناك أسباب متعددة أولها أن الدولة لا تقوم بدورها ، ثانياً اختيار مسؤولين ضعفاء وليس لديهم أدنى مؤهلات للحفاظ على الأمن والاستقرار، ناهيك عن أن الضالع تعد محافظة سياسية ومعظم أبنائها يطمحون للتغيير، بالإضافة إلى أسباب أخرى كالبطالة وانتشار مشكلات الثأر والتي تزدهر في ظل الفوضى الأمنية ووجود مسؤولين ضعفاء. - وكأنك تريد من السلطة أن تعين مسؤولين من المعارضة أو الحراك مثلاً؟ * نحن نريد من الدولة أن تختار مسؤولين بحسب الكفاءات، وأن يكون لهم خلفية إدارية، فمثلاً تم تعيين مؤذن مسجد وكيل محافظة، وتم تعيين وكيل آخر كان يشتغل في سوق القات، فهذا يعني أن الدولة لا تبحث عن حلول للمشكلات ، وإنما تقوم بترضيات وتسعى للبحث عن الضعفاء الذين ينفذون سياستها، ونحن نتمنى أن يكون هنالك مسؤولون أقوياء سواء من الحزب الحاكم أو غيره، فاليوم عدد سكان اليمن يقارب(25) مليون نسمة، وبالتأكيد هنالك الآلاف منهم من يصلحون رؤساء ووزراء ومحافظين، فلماذا الدولة تبحث عن أضعف وأسوأ الناس. - لماذا؟ * نحن نسأل الدولة هذا السؤال (لماذا) خاصة وأن الضالع معروفة بأنه يوجد فيها من كانوا رؤساء حكومات ومن كانوا وزراء ومحافظين وكفاءات بلا حساب، فلماذا يتم تعيين شخصيات ضعيفة وغير كفؤة؟هذا السؤال يوجه لصاحب القرار، لكني أتصور أن هذا جزء من سياسة السلطة التي تريد أن تشغل الناس بهذه القضايا، وتخلط الأوراق على المجتمع حتى لا يجدوا حلولاً لمشاكلهم إلا بعد الخوض في دوامة طويلة من الصراعات والحروب. - لكن الضالع ليست بحاجة إلى من يأتي لها بالصراعات والمشاكل من خارجها فهي محافظة معروفة بالمشاكل منذ القدم؟ * هناك من يتهم الأجهزة الأمنية بإثارة هذه المشاكل في الضالع، وهناك من يدعي أن أبناء الضالع هم من يصنعون المشاكل، وخلال هذه المشاكل كلها وعلى مدى ثلاث سنوات تقريباً لم يتم تقديم أي شخص للمحاكمة فما السبب في هذا؟ ومن خلال الكلام الذي يتداول في الشارع أن السلطة هي من تدفع هؤلاء الأفراد للقيام بهذه المشاكل وبالتالي لا تحاسبهم ولا تحاكمهم، وإذا كانت السلطة بريئة فلتحاكم من يقومون بهذه المشاكل. - نفهم من كلامك أنك تتهم السلطة بصناعة هذه المشاكل؟ * نعم فالسلطة هي المتهمة بالدرجة الأولى، لأنها أولاً المسؤولة عن حماية أرواح الناس وأمنهم وممتلكاتهم واستقرار الأوضاع، ثانياً لأنها لم تقم بواجبها في محاكمة الفاعلين. - أنتم دائماً تتهمون السلطة بأنها لا تقوم بواجبها، وحين تقوم بواجبها تتهمونها بالاعتقالات التعسفية؟ * غالباً السلطة لا تعتقل الجناة وإنما أناساً آخرين، فهناك اعتقالات بشكل عشوائي وتستهدف أشخاصا ليس لهم علاقة حتى بالمظاهرات، وكأن الدولة تدفع بالأوضاع إلى مزيد من الاحتقانات، فعندما يعتقل مثلاً سكرتير الحزب الاشتراكي، وأيضاً رئيس مجلس شورى اتحاد القوى الشعبية لمجرد أنهم سافروا من الضالع إلى عدن، فهذا وضع مقلوب أن يتم اعتقال أناس معروفين لدى النقاط الأمنية ويغض الطرف عن القتلة والمجرمين. ونحن نطالب باعتقال كل من يمارس أعمال القتل والتفجير والإخلال بالأمن وتقديمهم للمحاكمة، وهذا ما لم يتم حتى اليوم، ونتمنى أن تقدم السلطة هؤلاء للمحاكمة. - حتى لو كانوا من المعارضة؟ * نعم حتى لو كانوا من المعارضة. - ما جوهر الأزمة في الضالع، هل هي الأراضي أم الفقر أم المعارضة؟ * كثير من الناس لا يشعرون أن لهم مستقبلا يعيشون لأجله، فعندما تجد الآلاف من الناس عاطلين، وتجد الآلاف مطرودين من أعمالهم، وتجد التعليم لا مستقبل له، فما الذي يجعل الناس يستقرون في هذا البلد، فكثير من الشباب وصلوا إلى درجة عدم التفريق بين الموت جوعاً أو الموت قتلاً. - كيف تفسر مسألة استهداف ضباط الأمن بما فيهم من المحافظات الجنوبية؟ * هناك روايات مختلفة، وفي ظل هذه الأوضاع لا تستطيع أن تتهم جهة محددة كما لا تستطيع أن تقول إنها لأسباب مناطقية، لأنه عندما تتدهور الحالة الأمنية على هذا المستوى فكل شخص يمكنه أن يعمل ما يريد دون أن يردعه أحد ولا يوجد من يحاسبه، وبالتالي يمكن أن تنتشر مثل هذه الأحداث بسهولة ويقع ضحيتها الكثير بغض النظر عن أن هؤلاء الضحايا من أبناء المحافظات الشمالية أو الجنوبية. فالدولة يجب أن تكون صمام أمان للناس جميعاً شمالاً وجنوباً..سلطة ومعارضة، لكن الدولة للأسف استمرأت كثيراً اللعب بالورقة الأمنية، وتعميم الفوضى على كل البلاد، وتخلت عن واجباتها تجاه أبناء الشعب. - لكن الدولة منحت كل المحافظات حق اختيار المحافظين وإدارة أنفسهم محلياً، بل وعينت عشرات الوكلاء وخاصة في المحافظات الجنوبية؟ * العبرة ليست بكثرة الوكلاء ولكن في مدى حضور وفاعلية هؤلاء الوكلاء الذين يبحثون عن القرارات وما يتبعها من امتيازات ثم يذهبون إلى أعمال أخرى. - مثل من؟ * نحن نعلم أن بعض الوكلاء لا يداومون في السنة إلا مرة أو مرتين، وهذا جزء من الفساد الذي ما فتئ ينخر في جسد الدولة ، فكلما رأوا أن هناك شخص يمكن أن يقوم بمشكلة يسترضى بوظيفة أو بسيارة أو بمال أو غيره. - ألا ترى أن الوظيفة أو السيارة أو المال علاج جذري لأسباب المشكلة المتمثلة في أن هؤلاء فقدوا مصالحهم كما تقول السلطة؟ * هذا أسلوب خاطئ لا يعالج المشكلة وإنما يؤدي إلى مزيد من تعقيدها، ومزيد من الأعباء على هذا البلد الجريح . - ما تقييمك لزيارة نائب رئيس الجمهورية مؤخراً إلى المحافظات الجنوبية؟ * أعتقد بأن هذه الزيارة هي نوع من المسكنات التي تحاول السلطة استخدامها كل مرة، لكني لا أتصور أن هناك توجه حقيقي لدى الدولة لحل المشكلات في المحافظات الجنوبية، وأن المسألة لا تعدو عن كونها عملية ترقيعية ومهدئات ليس أكثر. ويبدو أن السلطة لا تهتم بقضايا الناس بشكل عام بقدر اهتمامها بتحسين أوضاع بعض الأفراد هنا وهناك، وهذا بالتأكيد لن يكون له أي أثر إيجابي في إصلاح أوضاع البلد. - لماذا لم يزر نائب الرئيس الضالع؟ * هذا السؤال يجيب عليه النائب نفسه، ولكني أعتقد أن السلطة ما زالت تمارس هوايتها في إثارة الخلافات بين كل المحافظات ومنها محافظتي الضالع وأبين. - كيف؟ * حين تقوم السلطة بعقد مؤتمر في أبين يتولى نبش خلافات الماضي وقضايا عتيقة مرّ عليها أكثر من عشرين سنة، فهذا دليل دامغ على أن السلطة لا تسعى للإصلاح بين الناس وإنما هي تفتن بين مواطنيها. - ما مصلحة الدولة في بعث هذه الفتن؟ * يبدو أنهم حفظوا سياسة قديمة وهي سياسة "فرق تسد" فهم يسيرون في نفس هذا الاتجاه، وليس هذا بين أبين والضالع فحسب، وإنما أيضاً بين أبناء المديريات. - كيف؟ * مثلا سمعنا بعد مقتل مدير البحث وهو من مديرية الضالع ومعه مرافق من "الأزارق" يقولون: "لو أنه في هذه المنطقة مشائخ لاقتلعوا هذه الحارة التي قتل فيها مدير البحث من مكانها" وكأن المشائخ سلطة يملكون صواريخ ودبابات . - من الذي يقول هذا الكلام؟ * مسؤولون في الضالع، وقد سمعهم بعض المواطنين وهم يرددون هذا الكلام الذي لا أظنه يصدر عن إنسان عاقل، بقدر ما يصدر عن إنسان يسعى إلى تنمية الصراعات والحروب بين الناس. - إذاً هذه سياسة خاصة بمسؤولي الضالع وليست السياسة العامة للسلطة؟ * نحن نشعر بأن السلطة هي التي تصنع المشكلات، فهي لا تقوم بواجبها حتى مع موظفيها والمخلصين لها. - كيف؟ * مثلاً في حادثة مقتل مدير البحث الجنائي ظل ينتظر لمدة ساعتين وهو مصاب في سيارته لم يجد من يسعفه والدولة تتفرج عليه وهو في وسط مدينة الضالع. - الآن السلطة أوقفت حرب صعدة واتجهت للتفرغ لمعالجة القضية الجنوبية كما تقول؟ * نتمنى أن السلطة تتفرغ لحل القضايا ولا أظن أن حرب صعدة كانت سببا كافياً لانشغال السلطة عن القضية الجنوبية، وكان المطلوب منها فقط أن تحسن اختيار المسؤولين وأن تعطي الناس حقوقهم، لكن يبدو أن المسؤولين لم يكونوا منشغلين بقضية صعدة وإنما منشغلين بأوضاعهم الخاصة. - يلاحظ أن القضية الجنوبية تطورت من مطالب حقوقية إلى سياسية، إلى دعوة فك ارتباط، ثم إلى انتفاضة وتوعد بقطع الألسنة والرؤوس؟ * لم يعد هناك شيء لا يتوقعه الإنسان في ظل هذه الأوضاع، الدولة لا تفرق بين من له مطالب حقوقية ومطالب سياسية وبين من يدعو إلى فك الارتباط وبين من يتوعد بقطع الرؤوس، ليس هناك فرق لدى السلطة التي تكتفي بإصدار بيانات إدانة مع أن السلطة أو الأجهزة الأمنية تحديداً ليس من واجبها أن تصدر بيانات تنديد، وإنما واجبها أن تلقي القبض على الجناة وتفرض الأمن والاستقرار، فكيف تعجز الدولة عن الوصول إلى هؤلاء وهي تحيط المدن بالدبابات وبالعديد من ألوية الجيش!! - لعل السلطة لا تريد استخدام العنف حتى تقطع الطريق عمن يستدعون التدخل الخارجي ؟ * يا أخي السلطة لا تهتم بالوطن ولا بالمواطنين، فقط هي تريد أن تشعل الفتن في كل مكان في سبيل بقائها في الحكم واستمرار جلوسها على الكرسي الذي هو "رؤوس ثعابين" أو "قطعة من نار" ولذلك هم يريدون المحافظة على هذه الثعابين وهذه النيران المنبعثة من كرسي الحكم. - لكن النيران إذا امتدت لا تفرق بين سلطة ومعارضة، ولذلك السلطة تدرك أنها قد تكون الضحية قبل غيرها؟ * يقال إن حكيماً قديماً نصح بعض المسؤولين في اليمن بالحفاظ على صنعاء هادئة ولا يهمه الأطراف، خاصة وأن الخيرات تأتي من كل الأطراف إلى المركز، ولذلك السلطة تلعب لعبة قذرة في القضايا الأمنية، ومع ذلك تحولت إلى دور الواعظ فقط. - إلى أين تتجه الآن القضية الجنوبية؟ * إذا لم يتدارك العقلاء في اليمن بشكل عام للبحث عن حلول ومخارج يشعر فيها أبناء المحافظات الجنوبية أنهم شركاء وأنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الثالثة أو العاشرة، فإن الأمور تتجه إلى الفوضى، وأتصور أنها تشبه حالة الصومال الذي مر سابقاً بنفس المراحل التي يمر بها اليمن اليوم، فمثلاً تجد انتشار السلاح في كل مكان، والمخدرات، وغيرها، والغريب أن الدولة تعلم هذا، بل لعلها تساعد في مزيد من توتير الأوضاع وصب الزيت على النار من خلال عدم قيامها بدورها واستمرائها في صناعة الأزمات. - نحن متعودون من السلطة أن تخوفنا بالصوملة وليس من المعارضة؟ * هذا ليس تخويفاً وإنما هو واقع معاش، والسلطة لديها قدرة على توظيف الأحداث محلياً وخارجياً، لتقنع الجميع بأن بقاءها أفضل من الصوملة، وفي الحقيقة لا أعتقد أن هنالك فرق بين وضع السلطة الصومالية قبل انهيار الصومال وبين وضع السلطة اليوم في اليمن، فالسلطة تسير على نفس الطريق الذي سار عليه "سياد بري". - وما هو الحل إذاً؟ * الحل قد ذكره كثير من العقلاء ومنهم الرئيس علي ناصر محمد عندما قال "التغيير تفادياً للتشطير" فحينما يحصل متاح من السلطة على الأقل في القضايا الهامة التي تلامس هموم الناس وأوضاعهم ممكن أن يصل الناس إلى حلول، لكن عندما تستقوي السلطة بالخارج، وتترقب نتائج المؤتمرات والحلول الخارجية دون أن تلتفت لأبناء الشعب في الداخل فإنه في الأخير قد يصل الناس إلى ما لا يحمد عقباه. - وما هو دوركم أنتم كمعارضة؟ * المعارضة سائرة باتجاه مؤتمر الحوار الوطني على ضوء رؤية الإنقاذ، ومع ذلك المعارضة تقوم بدور توعوي والدفع بالأمور إلى التهدئة وإيجاد الحلول، ولكن في الغالب المعارضة لديها رؤى ونصائح ونقد بناء ومقترحات حلول لكنها لا تملك دولة ولا أجهزة أمنية أو تنفيذية أو قضائية أو غيرها، فليس بيدها القرار، فالمعارضة تقوم بدورها لكن اتجاه السلطة يسير نحو مزيد من التأزيم وعدم البحث عن الحلول. - وماذا عن السلطة المحلية بالمحافظة؟ * السلطات المحلية بالمحافظات تقوم بدور الموظف العاجز عن اتخاذ أي قرار.. إذا كان المحافظ يشكو بأنه لا يستطيع حتى إطلاق سجين واحد في الضالع، وإذا ما أراد ذلك فلا بد أن يستأذن من صنعاء، بل أنه حتى كثير من هؤلاء المحسوبين على السلطة يعيشون في وضع يرثى له.