منذ القدم كانت اليمن ممراً آمناً للقوافل في البر والسفن في البحر، حتى أنها كانت تدعى بالعربية السعيدة، إلا أنها ابتليت بحُكام أتوا إليها وحكموا بالحديد والنار وأهلكوا الحرث ولنسل ونشأت في ظل حكمهم الظالم ظاهرة التقطع والنهب والسلب نتيجة لسياسية هؤلاء الحُكام، وأصبحت القبائل تتسابق الى قطع الطريق وإخافة السبيل وتتفاخر بهذه الجريمة سيئة الذكر، على اعتبار أنها رجولة وشجاعة وقد تُلبس أحياناً ثوب الانتقام من الآخرين أو محاولة استرداد مظلمة ما، ولكن حقيقة هذا العمل المشين ما ذكره المولى عز وجل في كتابه: "أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ" إشارة إلى قوم لوط (عليه السلام)، فبعد أن يمارسوا أفعالهم الشاذة تأتيهم شهوة قطع الطريق على المسافرين وبعدها تكتمل النشوة في ناديهم والتفاخر بأفعالهم السيئة. فقطع السبيل من الأعمال الحاطّة بالكرامة والنخوة والشهامة والرجولة، فلا يستقوي على الضعيف إلا دنيء النفس، وهذا عمل الجبناء وليس الشجعان، فلو كان هناك من يحمي عابر السبيل أو كانت هناك عواقب لما تجرأ الجبناء على قطع الطريق.
وفي اليمن الحديث استمر مسلسل التقطع والنهب والسلب بعد أن أصبحت بعض القبائل مجرد عصابة للإجرام ليس إلا، وخاصة بعد غياب مؤسسات الدولة، وأصبح القانون السائد هو قانون الغاب بحيث يأكل القوي الضعيف، وحتى المبررات التي يسوقها قطاع الطريق كلها أعذار أقبح من ذنب التقطع والنزول إلى مستوى قوم لوط في الأخلاق.
والذي يزيد من فداحة جريمة التقطع أنها أصحبت ثقافة سائدة وعرفاً متأصلاً في أخلاق شريحة كبيرة من الشعب، وأغلب من يقف وراءها شخصيات كبيرة وذات ثقل اجتماعي من مشائخ وسياسيين سابقين ورجال أمن، ممن فقدوا مصالحهم أو يطمحون إلى إدخال اليمن في نفق مظلم من عدم الأمن والاستقرار ونشوء الأزمات جراء انقطاع الوقود، والذي يترتب عليه توقف التنقل بين المدن ونقل البضائع وتوقف الزراعة وضخ المياه وانقطاع الكهرباء، كل هذا فقط من أجل أن يلعن المواطن الوضع الحالي ويترحم على عهد النباش الأول.