العالم تغير، والأمم تقدمت وأصبحت تحمل مشاريع حضارية، فزرعت لنفسها قيم وصنعت لها مبادئ تحتكم للقانون وتسير وفق منظومة متكاملة من القوانين واللوائح التي تنظم حياة الفرد والمجتمع، ونبذت الماضي بسلبياته وأخذت ايجابياته.. فهناك دول كانت تحكمها الفئات والعشائر التي تعتمد في معيشتها على قطع الطريق وإخافة السبيل، وكانت تلك البلدان عبارة عن واحات تسيطر عليها عصابات تمتهن الإجرام وتنهب الضعفاء لصالح الأقوياء، ولكنها تحولت من بلدان تسيطر عليها العصابات والقطاعات القبلية إلى دول تحكمها منظومة حديثة من القوانين والتشريعات التي استقتها من شريعتنا السمحاء ومن كتاب الله وسنة نبينا محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فحكمت بشرع الله وطبقت الحدود وساوت بين الناس أجمعين فعاقبت القوي قبل الضعيف، وجعلت شرع الله والقضاء ملجأ للقوي والضعيف على حد سواء، فتحولت من واحات تتحكم بها القطاعات القبلية إلى دول تقدمية حديثة تواكب تحديثات الحاضر وتتسابق مع الزمن لبناء الإنسان الحضاري، فحولت بلدانها إلى واحات حب وإخاء وعمل وبناء وصناعات شامخة يعيش فيها المواطن برخاء وسعادة وغناء يتفاخرون بالبنيان والأبراج العالية يجمعهم حبهم لأوطانهم لا يعتدون على حقوق الغير ولا يسطون على أملاك الدولة بالباطل يؤدون حقوق الله وواجباتهم نحو دينهم وأوطانهم ومواطنيهم.. كل هذا لم يأت من فراغ بل أتى من عقول ناضجة وضمائر حية وطنية وشريفة تعمل لأوطانها متجردة من انتماءاتها القبلية والمناطقية والحزبية لا تجامل في الحق ولا توالي في العدالة المتساوية بين كافة المواطنين تأخذ بيد الضعيف وتضرب على يد القوي تنصف المظلوم من الظالم ولو كان ذوي قربى فهم أبناء الدولة قبل أن يكونوا أبناء القبيلة أو أعضاء في الحزب فوصلت هذه الدول إلى ما وصلت إليه من تقدم وحضارة عصرية بسواعد أبنائها وبعقولهم التي وظفوها لخدمة أوطانهم وتخلوا عن أنانيتهم ومصالحهم المحدودة التي يتضرر منها الوطن ويتأذي منها المواطن ولا يستفيد منها إلا أولياء الشيطان. فلماذا لا نكون مثلهم ونحن أحق منهم لما نمتلكه من موروث حضاري وثقافي وديمقراطي؟ فلماذا نحن اليمانيون دائماً نعيش خلف القضبان ونحيط أنفسنا بأسوار من الفولاذ لا تستطيع تحديثات العصر اختراقها فنظل متقوقعين داخل الأسوار نشرب أوهام الماضي، ونتغنى بأمجاد الجهالة ونوهم أنفسنا بشيء اسمه الشجاعة فهل الشجاعة بمنظورنا هي متمثلة بقطع الطريق، وخطف الآمنين ونهب أموال البسطاء والإستقواء بالجاه والنفوذ، والسلطة، والاعتماد على أحزاب المزايدات والشعارات الكاذبة في امتهان القانون ومخالفة الشرع وخداع البشر وضياع الثروة الحقيقية للوطن وجعلهم متسكعين بلاطجة يجوبون الشوارع مرددين هتافات حاملين شعارات صُنعت داخل الغرفة المظلمة من قبل أناس لا تحب العيش في المجتمعات النظيفة تأبى أنوفهم شم الرياحين العطرة ولكنها تهوى شم الروائح النتنة التي تعود ت عليها في الماضي وتجاهد على بقائها في الحاضر متناسية إننا في عصر العولمة والقرية الواحدة في ضل عالم يحتكم إلى القانون والعدالة؟ فهل سنبقي أنفسنا محاطين بأسوار الماضي ومتسلحين بعصبية الجاهلية أم إننا مطالبين بالعودة إلى أمجاد أبائنا وأجدادنا الأولين نستشف منهم حب الوطن ونخوة الرجولة في احترام القانون والخضوع لشرع الله في ضمائرنا وتعاملاتنا اليومية؟ نتمنى أن تصحوا ضمائر مسئولينا في هذا الشهر الكريم وان يعيدوا حساباتهم الدنيوية ليعرفوا ماذا كسبوا للآخرة؟ ونتمنى، ثم نتمنى، ثم نتمنى أن تقوم الدولة ممثلة بأجهزتها المختلفة بواجبها نحو الوطن والمواطن وان تضرب بيد من حديد على يد كل عابث ومستهتر بمقدرات الوطن ومنتهك لحقوق المواطن في أمنه واستقراره وتأمين الطريق فالأمن والعدالة أساس التنمية والاستثمار ومصلحة الجماعة تقدم على مصلحة الفرد.