بدأ الحوثي مقاتلاً منذ يومه الأول، وكان يدرك الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، وهو يفتح خزينة الدولة ل"الشباب المؤمن"، البذرة الأولى لجماعة الحوثيين، أنه بذلك إنما يصنع منافساً متطرفاً وعنيفاً في صعدة لمواجهة المد الإسلامي الوسطي الذي يرى فيه صالح العدو اللدود والمنافس القوي. فتح الجيش اليمني النار على الحوثيين على مدى ستة حروب، لكنها كانت حروب يلفها الكثير من الشكوك، ودارت أحاديث كثيرة من قبيل أن صالح يخوض حروباً شكلية مع الجماعة التي اسسها بنفسه، خاصةً بعد أن بدأ الحوثيون يتحدثون عن "البطنين" والأحقية في الحكم؛ فجن جنون الرجل المهوس بالسلطة، كيف لمن صنعته بيدي أن ينازعني ملكي؟! استخدم صالح الحوثيين لاستفزاز الجيران، وكفزاعة إقليمية عند أي خلاف، لكن الحوثي شب عن الطوق وتمرد على رب نعمته! إبان الثورة الشعبية، تعامل الثوار مع جماعة الحوثيين ب"طيبة زائدة" وتناسوا، أو حاولوا غض الطرف، عن جرائم الحوثي في حق أبناء صعدة وغيرها، كل ذلك كان من أجل عدم جر الثوار إلى قضايا جانبية أو هامشية.
وحرصاً على محاولة دمج الحوثيين في المجتمع، تمت مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، مثلهم مثل أي حزب سياسي يمني، رغم أنهم مليشيا مسلحة تعمل خارج إطار القانون، بل تقف في وجه أي تحرك من شأنه بسط هيبة الدولة.
وقع الحوثيون على مخرجات الحوار الوطني، التي من بينها التأسيس للدولة المدنية ونزع سلاح المليشيا، وزج الحوثيون بممثلين لا علاقة لهم بالجماعة، لتحسين صورتها أمام المجتمع المحلي والإقليمي والدولي، في حين كان رجال الجماعة يعدون العدة لمهاجمة القرى والمدن في الجوف وأرحب وهمدان وحاشد وغيرها.
استغل الحوثيون مؤتمر الحوار استغلالاً سيئاً، وراحوا يروجون للاعتذار الذي قدمته الدولة في حق أبناء صعدة أنه اعتذار للحوثيين، في حين كان الجميع يعلم أن الحوثيين طرف في الصراع مع الدولة فكيف يمكن الاعتذار لطرف قاتل الدولة ونكل بها.
يتكئ الحوثيون على المظلومية، ويقدمون أنفسهم كضحايا، لكن حين غادر صالح كرسي الرجل الأول، بدأ الحوثيون يفكرون بطرق بديلة؛ التكفيريون والأجانب! يقدم الحوثيون أنفسهم اليوم كما لو كانوا أوصياء على اليمنيين، وكأننا أبرمنا عقداً مع مسلحي الجماعة المتطرفة للقضاء على كل فاسد، أو تخليصنا من أي شخص لا نرغب في بقائه! يهذي زعيم الجماعة الحوثية في التلفاز كما لو كان نبي أرسله الله إلى اليمنيين لينقذهم من أعداء الحوثي، علي محسن، وبيت الأحمر، والإصلاح، والسلفيين، وعموم اليمنيين، الذين لا يدينون لجماعته بالولاء المطلق، ثم يتحدث عن العدل والمساواة والعدالة، وهو الرجل الذي يفجر ويقتل ويسجن ويُملي شروطه على الدولة في اختيار ممثليها في المناطق التي تحاصرها مليشياته.
الحوثي يغامر بما تبقى له من شرعية، ويستغل هشاشة الدولة وضعف صانعي القرار، الذي يوشك الحوثي أن يحقق طموحاته في وجودها، وتلبية طلباته في تغيير فلان أو علان من مسؤولي الدولة ممن لا ترغب الجماعة في بقائهم في مناصبهم.