ربما لأن د. قاسم سلام وزير للسياحة في حكومة الوفاق، ويعرف موقفها القانوني الحقيقي، وربما لأنه أيضاً يعلم أن الاتهام الموجه إليها بالفشل ينسحب عليه وعلى بقية زملائه من أحزاب التحالف المؤتمري المشارك بنسبة50% من مقاعد الحكومة.. لكل ذلك فقد كان له رأي آخر في زوبعة سحب الثقة من الحكومة من قبل مجلس النواب بدعم وتحريض من أتباع المخلوع علي عبد الله صالح.. وهو رأي كان مفاجأة وصفعة للعبة: غيروا هذه الحكومة الفاشلة! اللطمة التي وجهها د. قاسم سلام لزوبعة سحب الثقة جاءت في حوار طويل معه نشرته صحيفة "الميثاق"، وكان واضحاً من الأسئلة التسعة التي خصت بها الحكومة أنها المستهدف الأول من الحوار! وعلى أية حال فأياً كان الهدف فقد كفى قاسم سلام مجلس النواب والحكومة شر سحب الثقة، وإن كان يحق لنا أن نفهم من موقفه أنه بعيد عن المطبخ السياسي الذي يدير زوابع الفوضى في البلاد، ويعمل على الزج بالبلاد في فراغ سياسي وإداري تمهيدا لتكرار سيناريو لبنان وليبيا.. وإتاحة الفرصة لأصحاب المشاريع الصغيرة لاستكمال أحلامهم! المهم د. قاسم سلام أعطى ل"الميثاق" ومن يقفون خلفها درساً في المبادرة الخليجية (مفهوم عند الجميع إلا المزوبعين!) ملخصه أنها تشكلت نتيجة المبادرة الخليجية، وارتبطت ارتباطاً جدلياً ووثيقاً بها! وبالتالي فالحكومة ترتبط بشكل مباشر برئيس الجمهورية التوافقي، وإذا كان هناك أي خلل في أداء الحكومة فإنه يسحب نفسه على رئيس الجمهورية (ومن باب أولى: وزراء المخلوع وحلفائه!)، وتزيد من الأعباء الملقاة عليه، ولذا تسعى الحكومة – والكلام لقاسم سلام- جاهدة لإيجاد أعلى قدر من التوافق بين أعضائها أو بالتعامل مع الجهات الرسمية خارج الحكومة، فإذا اختلفت مثلاً أطروحات أعضاء الحكومة ووجهات نظرهم وتعذر الحسم فإن الأمر يعرض على رئيس الجمهورية للتشاور للبت فيه مع رئيس الحكومة، وإلا اتخذ الرئيس القرار الذي يراه مناسباً! وعن زوبعة سحب نواب المؤتمر للثقة من الحكومة قال سلام عن أصحاب الفكرة إنهم لا يدركون طبيعة حكومات الوفاق التي لا يستطيع أحد سحب الثقة منها إلا الذي أتى بها! ولأن المحاور لم يكن يعلم من الذي أتى بها كما ظهر من سؤال له حول ذلك؛ فقد عدد له المسؤول الذين جاءوا ها وهم: المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، الأحزاب المتوافقة والموقعة على المبادرة، قرار مجلس الأمن الذي أقر المبادرة.. وعليه فإن المطالبة بسحب الثقة من الحكومة يصير: "نوع من خلط الأوراق والتخندق الذي يريد إحباط الحكومة والأخ الرئيس هادي"! كذلك نصح سلام المزوبعين على طريقة "إياك أعني واسمعوا يا أصحابنا في المؤتمر" أنه في حال حدوث تقصير من الحكومة في تنفيذ البرنامج فالواجب أن يتم تحديد القصور وإلزام الحكومة بتنفيذه بما هو متاح مع عدم إغفال صعوبة المرحلة وتعقيداتها! ووصف طريقة المزوبعين في البرلمان عن فساد الحكومة بأنه أمر غير منطقي، ويجلب مزيداً من التعقيدات لأنه افتقد إلى التحديد والأرقام والأسماء، واتسم بالاتهامات الجزافية! وفي إشارة خفية (الله أعلم بمراده منها) نبه سلام "الميثاق" إلى بعض أسباب التعقيدات مثل (أعمال التخريب والتقطعات التي تقوم بها شبكات تخريبية عنكبوتية متغلغلة في كل منطقة وطريق وشارع يصعب القضاء عليها في يوم وليلة)! هذا ملخص كلام القيادي في تحالف المؤتمر ووزير السياحة حول زوبعة سحب الثقة، وما يهمنا هنا أن أحد قيادات المؤتمر وحلفائه هو الذي يرفض زوبعة سحب الثقة من الحكومة وليس فقط أحزاب اللقاء المشترك، وللأسباب نفسها تقريباً.. وحتى نتعرف على أسلوب مبتكر للمعرقلين الذين توعدهم مجلس الأمن وظنوا أنهم يستطيعون التحايل على الناس بمثل هذه الحركات كبديل لأعمال التخريب والفوضى التي يثيرونها هنا وهناك! **** في تصريحات لوكالة رويترز قال المخلوع علي عبد الله صالح عن الفساد أثناء حكمه "إن مسؤولين يمنيين سابقين ربما يكونون نهبوا المال العام لكنه لم يكن واحداً منهم!".. المثير في العبارة ليس تبرئة المخلوع لنفسه من الفساد؛ لأن هذا من طبائع بعض البشر الذين يظنون أن عليهم: حجاب! ولا المشكلة في إلقائه التهمة على مسؤولين سابقين بالفساد.. الأخطر هو كلمة "ربما" التي استخدمها فهي تعني أن الرجل غير متأكد وغير مقتنع أن هناك فساد أصلاً، أو أن مسؤولين سابقين أو دائمين نهبوا المال العام! وأجهزة الرقابة والمسامحة وهيئات مكافأة الفساد لم تخبره أو ترفع إليه تقارير عن وجود فساد في بلاد السعيدة! لا شك أن هذا الإنكار حالة غريبة تثير الحيرة عن رئيس يتشكك في وجود الفساد في دولته وهو الذي شكّل عدة مؤسسات وهيئات لمكافحة الفساد! وفي آخر انتخابات رئاسية هدد من معه أنه غير مستعد أن يكون سيارة تاكسي يركبها الفاسدون! وفوق كل هذا فقد سبق له عام 1995 أن أعلن ثورة على الفساد ولا ثورة السلال على الإمامة.. ثورة يا بني آدم وليس انقلاباً أو أزمة سياسية أو ربيع يمني! وها هو اليوم يقول للأجانب في رويترز: "فساد؟ إيش معنى فساد؟ حاولوا تفكروني.. فساد؟ فساد؟ يا ربي فين سمعت هذه الكلمة؟.. والله بصراحة مش فاكر.. يمكن.. يمكن بعض المسؤولين السابقين كانوا فاسدين ما أحملش ذمتي! لكن أنا.. وأعوذ بالله من كلمة أنا.. ماكنتش معهم.. وأتحدى واحد يحصل في جيبي ريال فرانصي أو دولار حرام!".
وبناءً على هذه الاعترافات الرومانسية؛ فيصير المتهم الوحيد في النهب والسرقة والفساد طوال 33 سنة هو.. الشعب اليمني حصرياً! فاليمنيون هم النهّابة والسرق وليس الذي كان بيده مفاتيح الخزينة العامة، وصرف الأراضي وممتلكات الدولة، وهو الذي كان يقول للصفقات التجارية والبترولية وغيرها: امطري أو لا تمطري فسيأتيني.. حقي!