هناك مؤشرات قوية ان دولاً أوروبية قد بدأت فعلاً باتخاذ خطوات لتقييد وقمع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. فقد أزعجت الاحتجاجات في مدن مختلفة من أوروبا, إسرائيل وحلفاءها بشكل كبير. ولم ينجحوا هؤلاء بشكل لافت حتى الآن من احباط مظاهر الاحتجاج والتضامن مع الفلسطينيين. مما يستدعي من جانب هؤلاء تصعيد خطوات القمع وتقييد الحريات المكفولة دستورياً وتغليفها بغلاف قانوني.
في هولندا مثلاً, كان نجاح اللوبي الإسرائيلي والذي يتحكم في معظم مؤسسات الدولة وأهمها الأمن والإعلام في دمغ المتظاهرين بالعداء للسامية وتمجيد العنف, محدوداً ولم يلق آذاناً صاغية من معظم الجمهور الذي بات يحصل على معلوماته من الإعلام البديل والشبكات الإعلامية وإن كان الاعلام الممأسس لايزال مهيمناً على تشكيل الرأي العام.
واستهجن معظم الجمهور الهولندي سرعة إعلان مساندة إسرائيل في حربها الوحشية على غزة من قبل رئيس الوزراء الهولندي ووزير خارجيته وعدم تأثره أو شجبه لقتل المدنيين غير المبرر على الإطلاق وبهذا العدد.
وعبر الكثيرون عن اشمئزازهم من مواقف حكومتهم والتي بات جزءاً لا يستهان به من الشعب الهولندي يدرك أن اللوبي الإسرائيلي هو من يتحكم في سياسات ومواقف حكومته حين يتعلق الأمر بإسرائيل وسياساتها. فقد اعتقل بالأمس ما يقارب الأربعين محتجاً في اعتصام أمام السفارة الإسرائيلية في لاهاي.
وكان بامكان الشرطة تفريقهم بدون اعتقال, خاصة أن عناصر الشرطة كانوا قد انتشروا بشكل كثيف فاق أعداد المحتجين أنفسهم. مما يرجح فرضية أن المؤسسة الحاكمة تميل الى تجريم الاحتجاج ضد إسرائيل وحروبها القذرة. كان الحضور الأمني في مظاهرة أمستردام يوم الأحد 3 أغسطس أيضاً كثيفاً جداً وسبقه جدل طويل مع رئيس البلدية من أجل الموافقة على تنظيمها.
ورغم أن المظاهرة وقد شارك بها ما يقرب من العشرة آلاف والتي جابت شوارع أمستردام على مدار ثلاث ساعات, لم تشهد أي حوادث, الا أن الشرطة قامت بتفتيش حقائب بعض المتظاهرين واعتقلت أربعة ممن رفضوا ان تفتش حقائبهم. والمعروف قانونياً أن تفتيش أي شخص بدون سبب قوي ليس قانونياً في هولندا الا في بعض الأحياء التي تعتبر خطرة.
في أعقاب الحرب على غزة 2008, مارست الأجهزة المخابراتية ضغطاً كبيراً على بعض النشطاء الذين برزوا كمنظمين للاحتجاجات أو في الإعلام لاجبارهم على ترك الشأن العام.
ونجحوا في بعض الحالات على إجبار بعض النشطاء على مغادرة البلاد هرباً من جحيم المضايقات التي تعرضوا لها, وأحقرها المنع من العمل وقطع الرزق واختلاق المشاكل الادارية والشخصية لهم والمضايقات التلفونية والالكترونية. ولكن نظراً لتزايد التعاطف الشعبي وحرفية المنظمات الشبابية والأهلية في التنظيم وادارة الاحتجاجات, بات من الضروري -على مايبدو- سن بعض القوانين لتجريم الاحتجاج على الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
فعدد المشاركين في الاحتجاجات بات أكبر بكثير من ذي قبل وبرزت مؤسسات شبابية نشطة وكبيرة العدد, ذات قدرات مميزة في التحرك الجماهيري والحشد والتأييد. وبات الإعلام الهولندي مفضوحاً نتيجة تبنيه الكامل للرواية الأسرائيلية على الدوام, ولم يعد باستطاعته اخفاء الحقائق في زمن الانترنت والاعلام الاجتماعي, خصوصاً أنه وفي جميع المظاهرات التي نظمت في هولندا, هتف المتظاهرون ضد الإعلام الرسمي والاعلامي المملوك من قبل شركات كبرى. أما الحجج لتجريم وتقييد الاحتجاج ضد إسرائيل فسوف تكون حسب توقعاتي: منع التعاطف مع منظمات "إرهابية" (حماس والجهاد في هذه الحال حسب زعمهم) ومزيد من التعويم لمصطلح معاداة السامية وتشديد إجراءات منح رخص المظاهرات والاحتجاجات.
لا يجب أن نطمئن الى أن الدول الأوروبية دول قانون وحريات, فمن عايش العقد الأخير في أوروبا يدرك تماماً أن الحريات قد تآكلت وأن القيود قد زادت. وندرك في ذات الوقت أن فرض قيود على الاحتجاج لن يكون عملية سهلة.