كيف يعقل أن يفضي مؤتمر الحوار العجيب إلى اضمحلال الحالة السياسية يا هؤلاء؟ وإلى أين يمضي بنا مغامرو الأقاليم في ظل تنامي الحالة المسلحة والنعراتية المهووسة والمهددة لكيان اليمن كما للقيم الوطنية العليا؟ ثم لماذا الإصرار المخيف على إفراغ الدولة من مهامها كدولة، إضافة إلى الاستلذاذ والاستمزاج (غير المتوقعين) ببقاء الوضع معلقاً إلى صنارة العبث الحاصل بسبب تأخير الدستور على وجه الخصوص؟. لقد صار الشعب أكثر حصاراً بين الإحباط والتغفيل وتشوش الأفق، بينما أصبح المشهد مكثفاً بين تضحيات جسيمة للشعب وحماقات في أداءات السلطة، إضافة إلى انتهاز عديد فرص ذرائعية من قبل مشاريع رجعية متربصة بكل حلم وطني يمني جامع وسوي.
على أنها تداعيات الشلل السياسي والفراغ الأمني والفساد الاقتصادي تدأب على استغلالها بالمقابل تلك المشاريع – ذات الاجندات التي تجري حالياً في المنطقة- لفرض إرادتها التي لا أخطر منها على كيان الدولة والمجتمع.
والحال أن كل مشروع متخلف مثل كل مشروع انتهازي لا يهمهما أن يقودا إلى انهيارات الدولة وتضييق الخيارات والممكنات التصحيحية، كما لا يعنيهما تفاقم الاضطراب العام والتدهور العام. بل يبدو مؤكداً بالمحصلة أن سوءات المشهد العام ستزداد اضطراماً جراء الرهانات الفوضوية وغير المسئولة التي تعمل على تجريف الانتخابات بشكل متعمد خبيث، بينما ستكون نتائجه شديدة الفداحة كما تشير أبسط الدلائل للأسف.
والأنكى بالطبع عدم قيام اي كيان في هذا المشهد التيئيسي المعقد ولو بأبسط مراجعات موضوعية وحيوية يمكنها أن تنجي الدولة من الغرق وتحمي وحدة المجتمع ومكتسبات الأمة وتعيد الثقة للأمل العام.
فما يحدث ليس إلا التهافت الرهيب لخيانة الضمير الوطني الجامع من خلال تعزيز البلاهة والحماقة في أداءات النخب الحاكمة، إضافة إلى دأب إرهاب مشاريع الميليشيات والطموحات الطائفية والمناطقية على تكريس أجنداتها المأزومة والعنيفة، بما يقود الى استلاب الشعب وتدمير الدولة تكليلاً لمرحلة الخراب المجلجل.
وإذ يريد الماضي الشنيع أن يكون هو المستقبل لا أقل و لا أكثر، نبدو الآن في مرحلة الوجوم الأشد فظاعةً وجنوناً نظراً لشروط الحاضر المتذبذب الإرادة والشديد التنصل عن فرض شروط حلم الوطنيين الجامع، كما لإنقاذ ما تبقى من الدولة.
وبالتالي رد الاعتبار لتضحيات الشعب من أجل المواطنة والمدنية والتقدم عبر الحفاظ على الدولة وتطويرها لتكون الضامنة لإنفاذ القوانين التي تصون الجميع وتحميهم من بعضهم أيضاً.. دولة وطنية قوية ضامنة للحريات والحقوق والعدالة والمساواة والديمقراطية كما لمكافحة الفساد ولتقوية الجيش ولازدهار الاقتصاد ولاستقرار الأمن وللسلم الأهلي.
رغم ذلك - لاشك-مازالت الفرصة تاريخية لإعادة ترتيب الأوضاع واستشعار المسؤولية الكاملة - يا هؤلاء- بما يصب في مصلحة الوطن واليمنيين ككل.