منتهى البؤس ما تعيشه البلد بسبب مغامرات مسلحة واضطغانية بلا كوابح .. منتهى البؤس والمهزلة ان تكون التجريفات للوطنية هي عنوان المرحلة القادمة ينبري لها حفنة من المأزومين والاستشراسيين في ثاراتهم ومشاريعهم البدائية جداً .. أخشى أن اليمن العظيمة قد فقدت مخيلتها، فيما توق اليمنيين للمستقبل الذي لا يراوغ بالتخلف ينحسر عبر توغل أيديولوجي أكثر تأججاً بالتخلف المضاد وأشد مراوغة.. ياللحظة الأكثر ابتذالاً، ياللحظة الجوفاء الأقسى على اليمنيين جميعاً وياللهستيريا المندلقة في الأرجاء بدون إمعان ولا تبصر ولا أدنى مقدار معتبر من الحكمة والرجاحة.
ترى هل سأل أحد عن ضحايا التمددات المسلحة في عمران والجوف ومارب وحجة وقبلهن صعدة ؟ وماذا عن المهجرين خصوصاً؟ ما حالهم في مسعى الشتات والخوف والخسارات والذكريات؟ ثم ما حال الناس المدنيين بالآلاف الذين تأثرت حياتهم جراء هوس الحروب وتداعياتها الفظيعة من خلال إذعان المكشوفين للأقوياء؟
بالتأكيد: جيش الحوثي يكاد يتفوق على جيش الدولة ولا مبالغة في القول. كذلك يخرج لحنه ذرائعياً بامتياز للأسف.. على أن مسألة قائد المسيرة تتصدر هواجسه. وليس من مصلحة الحاضر والمستقبل استمرار اليمن في احتدام الحروب الإصرارية التي تضرم حياة اليمنيين بالنكد والوحشية والمكائد والرعب؟.
ليس سهلاً اضمحلال الدولة يا هؤلاء. ولقد كان أجدى بالحوثي أن يؤثث وعيه بالسياسة لا بالميليشيا، والشاهد أن حملة ترسيخ الفضيلة الحوثية بالسلاح والعنف أكبر خطيئة تدفع باتجاه العصبويات لتنتج أعلى مراحل الخراب ليس إلا. .. فضلاً عن ان العقلية البائسة بتصورنا هي التي تستجلب الخطاب الديني لمواجهة خطاب ديني، بينما الخطاب المدني هو الذي سيضمن لليمن مواجهة نقية نوعية تقوده الى النجاة من الرهانات الجائحية حاضراً ومستقبلاً.
كان بإمكان الحوثي أن يتقن المفارقة حال تعقلن ولم يستنسخ أوسخ ما في القيم التي لطالما قال إنه عانى منها في الماضي. كان سيكون عبقرياً لو تكرس ككيان سياسي وطني واتساقه التام مع ما طرحه في موفمبيك خصوصاً في الجانب الديمقراطي والمديني كما زعم.
بالإمكان العودة الى ما تبقى من الوعي المسئول قبل فوات الأوان بلا مكابرة، لاشك. ولتكن السياسة وأدواتها هي الحامية للتعايش والخصوصيات. وبالطبع ليس نصرة لله دمار وتفتيت اليمن واستفحال الاستقواءات والثارات والكراهيات.
من حق الحوثي أن يثور كفقير كما قال في خطابه الأخير وهذا شرف له ويستحق الاحترام؟ لكن السلاح يخذل توق اليمنيين الفقراء للسلم الأهلي دائماً وسيكون هو العار الذي لن ينساه التاريخ للجماعة التي من الواضح تحشيدها المسلح الدؤوب في العاصمة لكأنما مطالب رفض الجرعة مجرد ذرائع واهية تضمر الشر كله.
باختصار: ماهكذا تورد الابل يا دولة؟ كما لا يعقل أن يكون العبث سلوك الدولة التي يجب أن تحمي الجميع من الجميع، وتصون التعايش وتكافح إرث فسادها بكامل النضج والشفافية. الناس ينتظرون نبرة صوت الدولة كدولة لا كعصابة أو كمركز قوى ضمن مراكز قوى الفوضى والاستغلال التاريخية.
والثابت انه إذا رغبنا أن نكون أسوياء ووطنيين وبشراً فليس أمامنا إلا طريقاً واحداً هو فرض مطلب الدولة على الدولة وانبثاقها بدون لف ولا دوران ولا مغالطات كدولة تحترم نفسها ولا تتواطأ ضد الدولة أو الشعب المتعطش لتغيير نهج الماضي الآثم وتفعيل نهج الدولة الذي يكاد يضمحل تجاهه كشعب، دولة مع كرامة الشعب وأمانه وحقه بدولة يعتز بها، بينما تقر بالأخطاء في أداءاتها وتعمل على المعالجة النابهة، والأهم أن لا تتواطأ مع كل ما هو ضدها مثلما يحدث للأسف.