يحتفل العالم "المسيحي" في هذه الأيام بميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام الذي يصادف الاحتفال بمولد النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام (عدا طائفة" الأرثوذكس" في 7 يناير) ولا زالت "أشجار الميلاد" تنصب في أغلب البلدان بما فيها بعض المدن العربية. وهنا تحضرني شخصيتان "نصرانيتان" من بين عشرات الشخصيات "النصرانية" التي صادفتها وصادقتها في حياتي. التقيت به قبل عامين وهو داعية أمريكي نصراني سابق أسلم في تركيا بعد مهمة تنصير هناك، خرج منها مسلما! وعاش في الأردن فترة لطلب العلم. ثم جاء وتزوج واستقر في اليمن ويسكن الآن في بيت واحد من أبرز دعاة الصوفية في المكلا، في تفاصيل عجيبة وطريفة، لا محل لتفصيلها هنا.
تعرفت إليه في مسجد الرباط في حي "الأصبحي" وذهبنا معاً إلى "عرس بلا قات"، تضامناً مع الفكرة وكان العريس ناشطاً شبابياً يُدعى "البراء شيبان"، وجلسنا "حيث انتهى بنا مجلسنا" كما هي سنة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومن باب التذكير ذكرته له هذه السنة التي توقف عندها قليلاً ثم قرأ لي من ذاكرته شيئاً من وصايا المسيح عليه السلام باللغة الإنجليزية وفحواها "أنه كان في المجالس لا يقيم أحداً من مجلسه ويجلس أحد آخر مكانه، حتى لا تكون إهانة للأول وتكريماً للآخر".
طبعاً تذكرت وقتها ما ترويه كتب السيرة عن "النجاشي" ملك الحبشة حين أجاب وفد قريش الذين جاءوا يطلبون منه تسليم المهاجرين المسلمين وحاولوا إهانة "دين الإسلام" لدى الملك النصراني. فقال بعد أن تلا عليه "جعفر بن ابي طالب "سورة مريم: والله ما زاد على ما تقولون نقيراً.
في ذلك اليوم صلينا المغرب معاً في مسجد "أبي عبيدة" بشارع بغداد، وفوجئت، بصوته الخافت الباكي، ثم بعينيه تفيضان من الدمع (هذا ما تأكد عند السلام من الصلاة) تفيضان من الدمع مع قراءة إمام المسجد الضرير الخاشعة، وتكرر الأمر في اليوم التالي مع قراءة إمام صلاة الفجر الخاشعة أيضاً، في مسجد "الآل والصحابة" بطريقنا إلى المطار ليلحق بطائرة "المكلا". أتذكر الآن قوله تعالى: "ولتجدنّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك أن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون، وإذا سمعوا ما أُنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين، فأثابهم الله بما قالوا جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين" سورة المائدة.
مرت الشهور وإذا بي في وسط مدينة عمّان- الأردن قبالة مكتبة مسيحية، فتذكرت سُنة المسيح تلك التي تطابقت مع سنة النبي محمد عليهما أزكى الصلاة والسلام. فقلت أسال فيها إن كان هناك كتاب لسنن أو آداب المسيح العملية. لكن المسؤول عن المكتبة "جورج" من مصر أجاب بعدم وجود كتاب من هذا النوع. وهنا بادرني كهل أردني في الستين من عمره بالسؤال عن غرضي من هذا، فأوضحت له. وهنا أخذني "وليم" (وهذا اسمه) على جنب وأخذ يحدثني عن "المسيح" فقلت له ما قاله النجاشي آنفاً. وأن الاختلاف بيننا وبينهم هو في الصلب وفي الطبيعة. وهنا بدأ يحكي لي القصص والأمثال عن "المسيح الرب" ثم إذا به فجاءةً يحذرني قائلاً: ستأتي يوم القيامة وسيسألك الله: أنك في يوم كذا جاءك عبدي "وليم" وأبلغك برسالة إيمان فلم تسمعها، فقلت له: إن كنت تظن بأنك حجتي يوم القيامة أمام الله فأنا متأكد بأنني حجتك يوم القيامة أمام الله .ولا أطلب منك إلا أن تقرأ القرآن بتفاسيرة المعتمدة لدى مسلمي الأردن ثم تختار. فقال لي لقد قرأت القرآن، ألستم تقرأون فيه.
"إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون" (سورة آل عمران).
قلت له نعم، ولكننا نقرأ أيضاً: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار".
وقال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد، وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسنّ الذين كفروا منهم عذاب إليم، أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم" سورة المائدة.
لكنه بدأ بعدها يجادل، في أن "التثليث" هو "التوحيد" ويحدثني عن معجزات، وكيف أقنعت ابنته الصغيرة طبيب أسنانها بالخلاص على يد المسيح، وهنا قلت له إن الحديث ذو شجون، ولن يتأتي لنا هكذا عند رفوف مكتبة. واقترحت أن أتبادل معه العناوين الالكترونية لنكمل النقاش لكنه أبى. فختمت قائلاً: إذاً تبحث أنت وأبحث أنا عن الحق وسيهدينا الله إليه إن سألناه بإخلاص، فأنا رسولك كما أنت رسولي.
لا بأس بأن أختم بقصة حدثت معي في متحف الأديان في قلعة "برتينورو" التابعة لمدينة "فورلي" الإيطالية، حيث يضم المعرض نماذج للأديان الثلاثة ستلاحظ الفخامة والدقة في اختيار ما يمثل الديانتين الأوليين، والذكاء في اختيار ما يجعل الدين الإسلامي أقل أهمية، بل ويحث على اتباع جميع الأديان عن طريق إبراز آية وحيدة فقط. وهي "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وقد أخرجت من سياقها، خصوصاً وأن آخر صور تعبيرية للأديان الثلاث تظهر اليهودية والمسيحية في قالب من الرحمة والتراحم، وتعرض صورة "مزعومة" للنبي محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ترافقه أبيات شعرية باللغة السنسكريتية أو الأوردية الهندية- مهما تكن (قال المسؤول عن المتحف إنه اشتراها من الهند) وكانت الكلمة العربية المفهومة وسطها هي تكرار كلمة "هلاك" في آخر كل بيت. أظهر لي مسؤول المتحف (حسن النية) في أنه لا يعرف أن لا صورة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وكذلك، وبالرغم أنه اطلع على القرآن كما يقول؛ فإنه لم يركز في الآية التي قرأت ترجمتها "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" التي هي أقرب لجو الرحمة الذي أبرزت فيه "اليهودية" والمسيحية، لكنه وعد بتغييرها، وأنا وعدته بإرسال صورة مناسبة.
عموماً أعجب شيء لاحظته في مدينة "فورلين بابولي" إيطاليا أن أحد موظفي مكتب السياحة الشبان حين علم بأنني مسلم سألني عن القرآن الذي سمع أنه "كتاب جميل" ووعدته بنسخة، لكن المكتبه القريبة في المول الكبير، كان صاحبها يرد عليّ وأنا أساله عن نسخه إيطالية من القرآن "elfenito" يعني نفدت. وتكررت الإجابة في مكتبات أخرى، إلى مدينة "شيزيناتكو" على البحر الأسود التي تبعد ساعة عن تلك المدينة.
الأعجب أن بعض الإخوان اليمنيين المسلمين، حين يرونك تناقش وتوضح وتصحح فإنهم ينبرون "مزايدة" و"مجاناً" من غير أن يشتكي لهم أحد، ينبرون للنهي عن تصحيح المعلومات المغلوطة التي يبثها الآخرون بقصد وبغير قصد. يتعللون ب "احنا ضيوف" و"هؤلاء خدموا الإنسانية" و"لكم دينكم ولي دين"... طيّب ما اختلفناش لكنا لماذا "أتحرّج" من توضيح تبليغ معاني الإسلام الصحيحة، قال تعالى: "هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس" الحج.