تدفق الناس من كل أحياء المدينة بتلقائية مثل السيل في أحشاء مدينة بالغة اللطف والاتساق مع الذات محروسة بجبل الله وعقل مهندس اللقاءات الوطنية. المدينة التي شهدت اللحظات الأولى لغرس قلب أخضر في أعماق حميد شحرة وهي المبللة بخيال زيد مطيع دماج، ومن سواقيها أيضاً تشرب علي عبد المغني يوميات الكفاح وتمجيد الأرض والإنسان اليمني.
حينما كان علي الآنسي يتدفق برائعة "أنا يا أبو أنا. وأمان يا نازل الوادي أمان"،
كان النبع اليمني لمطهر الإرياني هو الراوي لشجن الآنسي.
إب تنتفض وتتدفق كنهر مدني لتعلن ميلاد المقاومة المدنية السلمية لثنائية الدّمار الشامل (العنف والإرهاب) في لحظة تزامن وتناسق بالغ الإبداع النضالي مع التظاهرة الالكترونية الفريدة في الابتكار.
صباح السيل المدني يا إب .. السيل الذي يلملم جراح التصدّع الروحي البليغ في المركز الثقافي، حينما اقتاتت الشظايا قلوب أنبل شباب المدينة من شعراء وفنانين وقيادات شبابية ومثقفين ومسرحيين، حينما غرست ميليشيات الموت أنيابها في جسد مدينة تدبّ في أزقتها الحياة اليمنية والروح اليمنية كقوس قزح في العلن متعدد الألوان والأفكار.
من سوق جرعان إلى جولة العدين ومن الربادي في أعماق جبلة إلى إريان في أعماق القفر إلى الوديان الوارفة في وراف إلى سوادق وادي بنا، حيث تغنِّي فتيات القرى "أمان يا نازل الوادي أمان"..
في شوارعها يمجد الناس الحياة والروح والبساطة، حيث يتجول أحمد طارش خارصان ليقتني يوميات الصحف التي تتزين أغلفتها بمقال أحمد، ويسأل مثقف شاب قادم من اليهاري "مو كتب محمود ياسين اليوم"..
بينما أبحث أنا عن محمد المليكي وخالد عطاء محاولاً ملء فراغات الجرح الذي خلفه رحيل صادق أمين الجرح الحي بداخلي والضوء الذي كان يغمرني كلما دخل قلبي إلى مقيل الشباب في منزل علي عبد اللطيف، كان صادق أمين هادئاً كمعمّر النجار، لكن ثمة ضوءاً يغمرني كلما تأملت في عين أحدهما.
كنت أجد اليمن بكل تفاصيل الجمال والوجع والمكابدات الجريحة واللذيذة في نفس اللحظة.
صباح أرواح الشهداء الذين اعتلت أرواحهم في كل أرجاء إب من شهداء مدينة يريم أبناء بدير إلى شهداء الرضمة إلى شهداء المدينة من أبناء الربادي وكل الشهداء بلا استثناء.
صباح السيل اليمني المدني في إب، هكذا سيكتب المؤرخون عن الانتفاضة المدنية في إب المناهضة لإرهاب القاعدة وعنف ميليشيات الحوثي.
وأنا هنا اتعافي قليلاً وأنادي شاشة "اللابتوب" أمامي بصوت هادئ "صباح السيل المدني يا إب.. صباح 10 يناير 2015"..