أحيا طلاب مدرسة الرحمة بمنطقة السنينة في العاصمة اليمنية صنعاء صباح اليوم الأحد الذكرى السنوية الأولى لمقتل زميلهم الطالب خير الله عبد ربه أبو عسر. وكان الطفل خير الله قد قتل ظهر يوم السبت الموافق 4/4/2009م وهو في طريقه إلى مدرسة الرحمة, حينما أصابته رصاصة طائشة من قبل متنازعين على أراضي في رأسه وأدت إلى وفاته على الفور.
وفي الحفل الذي أقامته المدرسة بهذه الذكرى الأليمة، جدد رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أحمد القرشي مطالبته لمجلس القضاء الأعلى بالقبض ومحاكمة مرتكبي جريمة القتل, وعدم التغافل عنها، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع حقوق المواطنين.
وقال القرشي في كلمة ألقاها في الفعالية أن أمن المواطن هو ضمان لبقاء الحكم العادل في اليمن, وبقاء الأمن والأمان, مشيراً إلى أن تجاهل القضاء والأمن في ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الأطفال سبب في الأوضاع الأمنية المتدهورة في اليمن.
وأكد على ضرورة وضع حد لما حدث في السنوات الأخيرة للأطفال، وانتهاك حرماتهم وقتلهم بيد باردة. وقال "أصبح الأطفال في اليمن هم أكثر الضحايا بسبب تساهل الدولة في معاقبة المنتهكين لحقوقهم, وأن على الدولة وضع حد لعمليات القتل التي تحدث لهم".
وتطرق القرشي إلى أوضاع الطفل في صعدة، متهماً أطراف الصراع في صعده مسئولية ما يحدث للمدنيين والأطفال في محافظة صعده وذلك على خلفية مقتل 3 أطفال وجرح 3 آخرين قبل أكثر من أسبوع بعد انفجار بعض من مخلفات الحرب.
من جانبه قال عبد الرحمن المروني رئيس منظمة دار السلام لمكافحة الثأر والعنف ان على المواطنين تنظيم حمل السلاح, والحد من الثأر المنتشر في العديد من القبائل في اليمن.
وأشار إلى أن العديد من المواطنين لا يعلمون بمخاطر حمل السلاح وآثره على المجتمع, الأمر الذي يعكس على الثآرات القبلية والأسرية في اليمن, مؤكداً بأن اليمن تعتبر من أكثر الدول استخداما للأسلحة وهو ما يشير إلى مدى خطورة الانتشار الكثيف لها.
أما والد القتيل الطفل خير الله فقد طالب الأجهزة الأمنية بضرورة إرساء الأمن, وقال ل"المصدر أونلاين" تنازلت عن قضية ابني لأني أعلم أن القضاء لن يفيد ولكني أطالب الأجهزة الأمنية بالقبض على من يقوم بمثل تلك الجرائم وتقديمهم للمحاكمة ليأخذوا جزائهم بشرط ان تتواجد قضاء نزيه".
وأوضح والد خير الله ان الفعالية التي أقيمت هي تخليد لذكرى ابنه "الذي استشهد بدون ذنب سوى أنه كان باتجاه المدرسة", مشيراً إلى أن الفعالية جاءت تخليداً للذكرى الأولى لمقتل ابنه الذي وصفها "بعرس خير الله".
وألقيت في الفعالية عدد من الأناشيد والقصائد الشعرية من قبل زملاء القتيل خير الله.
المصدر أونلاين يعيد نشر قصة الطفل خير الله والتي نشرت في صحيفة المصدر من العام الماضي تحقيق - علي الفقيه
كان خير الله في طريقه إلى مدرسته في حي السنينة بأمانة العاصمة، لكن رصاصة خاطفة أجبرته على تغيير طريقه باتجاه ثلاجة المستشفى الجمهوري.
ظهيرة السبت الفائت لم يكن بوسع خير الله (9 سنوات) - والطالب في الصف الثالث بمدرسة الرحمن- الوصول إلى المدرسة كعادته ليلقى أصحابه وزملاءه وليقدم لمعلمه دفتر الواجب مرتباً وبصفحات مسطرة لا ينسى دائما كتابة التاريخ في أعلاها.
كان خير الله يحظى في العادة بحب معلميه واحترام زملائه كطالب متفوق ومثابر وختم ذلك بحصوله على التكريم قبل أقل من شهر كونه حقق مرتبة متقدمة بين زملائه في نتيجة الفصل الأول من العام الدراسي الحالي.
يقول عبدربه أبو عسر، والد الطفل خير: الله "لقيته على بعد أمتار من المنزل وهو رايح المدرسة، اديت له "حق الجعالة" وخطيت باتجاه البيت وهو واصل طريقه". يؤمن الحاج عبدربه جيداً بقدر الله لكنه يشكو الفوضى وانعدام الأمن ويقول إنهما السبب في مقتل ولده الصغير.ظلت حق الجعالة في جيبه لأن الرصاصة القادمة من الجهة المقابلة كانت أسرع من خطوات الصغير، وبينما كان يهرول مسرعا ليصل المدرسة مبكراً ويمر على المقصف لشراء جعالته، كانت الرصاصة القادمة من مسافة تقدر بنصف كيلومتر أكثر عجلة للقيام بمهمتها المشؤومة.
فتحة صغيرة بلون الدم وبحجم حبة الذرة تركتها الرصاصة على جبين خير الله لتغادر بعدها من مؤخرة الرأس مخلفة وراءها حزناً عميقاً وطابوراً لانهائياً من الأسئلة.
أثناء سقوطه على الأرض لم تفارقه حقيبته المدرسية التي يحبها أكثر من اللازم وظلت ملاصقة له حتى بعد أن أخذته أطقم الشرطة التي وصلت المكان بعد حوالي ساعتين من الحادث لتقبض على القتيل كهدف سهل، موفرة على نفسها ملاحقة القتلة كمهمة تبدو شاقة وغير مضمونة النتائج.
لا شيء من قبيل تلك الأفكار الخطيرة للغاية يخطر ببال خير الله الذي أخذ غداءه على عجل مع أخيه الذي يكبره حوالي عامين ويدرس معه في نفس المدرسة إلا أنهما افترقا على مسافة أمتار قليلة.
بعد الحادثة كان الأب الخمسيني عبدربه أبو عسر يعاتب ولده الناجي من رصاصة الموت "ليش فلت أخوك اليوم يا ولدي"؟ كان الأب يبدو متماسكاً إلى حد كبير لكن عينيه تبوحان بحزن لا يستطيع مواراته، كان يشرح للصحفيين الدقائق العصيبة منذ فارق ولده على بعد أمتار من المنزل إلى أن سمع دوي الرصاصة ووصله الخبر أن ولده خير الله هو الضحية هذه المرة.
يقول الأب "دائماً هم يتقاتلوا على الأراضي هانا ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع إطلاق النار، ولم تحرك الجهات الأمنية ساكن، وربك يكتب السلامة على الناس لكن اليوم جت في رأس ولدي لا حول ولا قوة إلا بالله".
زملاء خير الله غادر بعضهم ساحة المدرسة وآخرون عادوا من الطرقات المؤدية إليها ممتنعين عن الدراسة تحت صدمة الفاجعة. كانوا يتحلقون حول قطرات دم لا تزال طرية.. يحدقون إليها بصمت بينما تتقافز من نظراتهم أسئلة خائفة عن المستقبل الذي ينتظرهم بعد أن انتهى مستقبل زميلهم المتفوق برصاصة أوقفت أحلامه إلى الأبد.
على امتداد الأزقة والشوارع الترابية والعشوائية الضيقة كانت الأمهات يقفن على الأبواب غير آبهات بالمارين من الرجال يتناقلن الحادث بفزع ويعبرن عن خوف سيطر على الجميع من مخاطر استمرار النزاعات المسلحة على الأراضي، وأسئلة تتردد في أرجاء الحي الذي يزحف باتجاه عصر عن من يتحمل مسؤولية إيقاف هذه الفوضى.
بعد الحادث بأكثر من ساعتين كان الأب يرفض رفع جثة ابنه من الأرض حتى تأتي الصحافة ومنظمات المجتمع المدني لتشهد على اللحظات التي اختطفت فيها الفوضى روح نجله وتهدد الجميع دون استثناء، لكن ستة أطقم تابعة للشرطة وأصوات ونانات جابت الشوارع الترابية للحي مخلفة وراءها غباراً كثيفاً كانت في طريقها للقبض على جثة خير الله الملقية على الأرض لتأخذه في زيه المدرسي الملطخ بالدم وحقيبته التي لم تفارقه حتى وصل المستشفى.
وإلى جانب ذلك كان والد خير الله يتلقى تأكيدات رسمية بتحركات سريعة للقبض على الجناة وتسليمهم للعدالة، وتطمينات تبدو غير كافية للأب لكن ليس أمامه سوى التسليم بالأمر ومحاولة ممارسة ضغوط شعبية للقبض على الجناة وإيقاف فوضى الأراضي.
لا تزال المدرسة مغلقة حتى أمس الاثنين والطلاب يرفضون دخول الفصول الدراسية حتى يتم القبض على الجناة، بينما أعلنت إدارة الأمن القبض على 13 من المتهمين في القضية.
وما يجعل الحادث أكثر خطورة أنه يأتي في سياق تفاقم نزاعات الأراضي وما تخلفه من مآس يذهب ضحيتها الأبرياء خاصة وأن المتنازعين يرون في بندقياتهم الطريق الأقرب لإثبات الملكية بحق أو بغير حق