صار على الحوثي أن يكمل العملية العسكرية على البلاد كلها، بدءاً من تعز ومروراً بعدن وانتهاءً بسقطرى وحضرموت والمهرة، وباقي الخريطة اليمنية حتى يصنع انقلاباً ناجحاً.. ويحكم قبضته على البلاد فعلياً، وهذا أحد خياراته المحدودة و"الصعبة" التي وضعته أمامها مغادرة الرئيس هادي إلى عدن، أما خياره الثاني فأن يسلم الدولة للدولة ومؤسساتها ويعود إلى صعدة، وهذا أكثرها استحالةً، أما ثالث الخيارات فأن يستمر في مقامرته التي سوف تترتب عليها "مصائب" كثيرة، أبرزها الانفصال، أو بتعبير أدق "التشظي" في جسد البلد الممزقة روحه، وهذا الخيار- للأسف- أقربها جميعاً إلى سيكولوجية الحوثي "المقامرة". إكمال الحوثي عمليته العسكرية للسيطرة على "الجغرافيا الجنوبية" يبدو صعباً خصوصاً أن الجماعة لم تستطع استكمال السيطرة على الشمال، وسبق أن تراجعت عن خوض معركة لدخول مأرب التي بدت عقبة كبيرةً أمام الجماعة، وهذا ما تدركه جيداً مهما تظاهرت بعكس ذلك، ثم أن منبع الصعوبة في مأرب لا يكمن في استعداد قبائلها لمواجهة الحوثي- بعكس أبناء المحافظات الأخرى- بل في كون مأرب أصبحت قضية إقليمية، فالسعودية ومعها دول الخليج (فيما عدا عمان على حد علمي) صارت ترى في مأرب قضية تخصها بدرجة رئيسة، فكيف يمكن أن يكون الأمر بالنسبة للجنوب الذي لن يستطيع الحوثي دخوله دون معونةٍ من الحرس الجمهوري الذي قاتل مع الجماعة في رداع والبيضاء، أو دون تسهيلات صالح التي قدمها له منذ حاشد وعمران وصولاً إلى صنعاء، وهي تسهيلات لا يمكن أن تكون "عابرة" إذ بدونها لم تكن الجماعة قد غادرت "دماج"، وفي أقصى الاحتمالات ستكون الآن واقفة على عتبات حاشد، أو تقاتل على سبيل المثال في الجوف حول بيت "حسن أبكر" الذي كلف الجماعة- وحده- شهوراً من القتال المستميت ومئات من القتلى، ومعارك لم تنتهِ حتى سيطر الحوثيون على صنعاء. جماعة الحوثي ليست بتلك القوة التي يمكنها أن تسيطر على أكثر من 3 محافظات، مثلاً، وقوتها البشرية تضعف كلما اتسع نفوذها لدرجة أنها تعتمد على "تنقلات" مسلحيها-ذاتهم- وفقاً لخارطة الجبهات المفتوحة، ولا يمكن لها أن تسيطر على الجنوب دون معونة صالح، أو دون أن تستخدم الجيش الذي لا يعرف حقاً إن كان قد أصبح في قبضتها فعلاً، مهما بدت ماضيةً في تفكيكه، والاستيلاء على أسلحته. ربما فكر الحوثيون أن الاستيلاء على صنعاء ثم الانقلاب على الدولة يمكن أن يجعل سقوط بقية المحافظات والبلاد كلها في قبضة الجماعة، تحصيل حاصل ليس أكثر، لكن أبرز المشاكل كانت مأرب- طبعاً- ولعل معاركها مع الحرس الرئاسي وانقلابها على هادي جاءت بدرجة أساسيةٍ كردة فعلٍ على رفض هادي تحريك الجيش لمساندة الجماعة في دخول مأرب، وأما الآن وقد استقال هادي ثم غادر إلى عدن، ما زالت مأرب عالقة في "حلق الحوثي" بينما انفتحت له جبهات أخرى كالجنوب الذي لا بد أن الجماعة كانت تظن أنه ليس بالمهمة الصعبة طالما تمت السيطرة على "المركز" وقراره السياسي. أصبح الجنوب بسلطة هادي الشرعية ولجانه الشعبية وجيشه وموارده، وحساسيته واتساع جغرافيته مشكلة مضاعفة لغصة "مأرب" بالنسبة لجماعة الحوثي، لكن باب المندب وقد صارت قضية دوليةً -أكبر من مأرب- يمكن إضافته كضلع ثالث لمثلث المهمة المستحيلة التي يجب أن تقوم بها جماعة الحوثي كي تحكم البلاد كاملة، مع عدم نسيان أن الشمال الذي فرضت الجماعة "سلطة الأمر الواقع" فيه ليست تمتلكه كاملاً، ولا قوته الوحيدة، ذلك أن ثمة قوةً أكبر منها متمثلةً في "صالح" الحاضر قبلياً وعسكرياً، وإن كانت قوته في حكم القوة "غير المفعلة" أو ال"ساكنة" إلى حين. ليس بمقدور جماعة الحوثي، إذن، أن تكون دولةً، وليس بمقدورها أن تكون حزباً سياسياً، أو جماعة سلميةً يعيش أنصارها كمواطنين صالحين، لكن بمقدورها- كما أثبتت- العبث بالدولة والإنسان ومستقبلهما على هذه الأرض، وهذا ما جاءت الجماعة كي تقوله لنا بشكل أكثر وضوحاً في صنعاء، وهي تنهي مستقبلها السياسي قبل أن يبدأ، ليصبح ما هي عليه ليس أكثر من الصعود السهل كمقدمةٍ لسقوط مدوٍ.