قبل 1100 سنه اتى الهادي الى صعده وهو يبحث في جبالها عن مخبأ لتشكيل دولة زيدية تكون بمامن عن بطش العباسيين. انتزع الهادي المعاول من ايادي فلاحي صعده ووضع بدلا عنها السيف...ظل الهادي يخرج من حرب الى اخرى،ومن تدمير مدينة الى حرق مدينة اكبر، ومن توسع الى انكماش حتى ضاعت حدود دولته ولم يبق له منها الا جبال صعده وقبر صغير في الجامع الذي سيحمل اسمه. كانت الجبال هي البداية والنهاية. عاد الصعديون الى مزارعهم بعد ان تعبوا من معارك الائمة التي لا تنتهي ولكن بعد ان اصبح القادمون من طبرستان يملكون الكبر الاراضي واكثرها خصبا.
وعندما ارادت السعودية التخلص من امتدادت السلفية المسلحة التي وصلت ذروتها باقتحام جهيمان للحرم المكي عام 1979 م تجد غير صعده لترسل داعيتها السلفي النشط مقبل_الوادعي اليها ليؤسس لمد سلفي كاسح وصل الى كل مدينة يمنية. حاول مقبل الوادعي اقناع مزارعي دماج ان جنة الاخرة اهم من الجنات الخضراء التي يملاونها بمحاصيلهم كل موسم. استخدم السلفيون "القوة الناعمة" بدلا من السيف ونجحوا انطلاقا من وادي دماج وجباله في تجريف الشافعيه والزيدية والصوفية من اكثر المناطق اليمنية. لكنهم في الاخير انتهوا مهجرين وملاحقين حتى الى معاهدهم ومساجدهم.
بعدها بقرون عاد حسين_الحوثي الى جبال مران لاعادة مجد المذهب واطماع السلاله. بدا حسين الحوثي من جبال مران وقتل فيها في اول حروبه مع الدوله. كانت الجبال هي البداية وهي النهاية. وعندما كان علي_صالح يضع الافكار الاولية لتوريث الحكم لنجله كان العائق الاكبر امامه هو رجل الدولة القوي على_محسن. لكن مع اشتعال او مواجهة بين الحوثيين والدولة في 2004 اصبحت جبال صعدة مرة اخرى فرصة جغرافية لاستنزاف جيش علي محسن والقضاء على المنافس الخطير.. وبعد سقوط صالح بانتفاضة 2011 كانت صعدة هي المخزن الاستراتيجي للحلف العسكري الطائفي الذي سيكتسح العاصمة في سبتمبر 2014 ويسقط الجمهورية ويضع اليمن في مواجهة سياسية وعسكرية مع العالم. كانت جبال صعدة تدافع عن قصور الحكم في صنعاء ولا زالت. وحين بدات ايران تمد نفوذها الى العالم العربي بعد سقوط "حراس البوابة الشرقية" بسقوط بغداد في 2003 م كانت كل الاقليات الشيعية مخازن بارود محتملة في ذهن المخطط الايراني بما فيها النواة الصغيرة للشباب المؤمن في صعده. كانت صعده تصدر الرمان والبرتقال والخضروات لكن عبد الملك الحوثي اقنعهم ان الموت اسمى من الحياة وان المقاتل اعلى مرتبة من المزارع وبدات صعده تصدر المقاتلين بدلا من الفواكه. والارض التي زرعت يوما ما بالبرتقال اصبحت مزروعة بالالغام.
ليلة امس كانت جبال صعده تئن تحت قصف الطيران السعودي. لا زال القادة الحوثيون بمامن في كهوف الجبال بينما المواطنون يموتون يوميا دون ان يعبأ بهم احد. سيطر الحوثيون على الدولة لكن قادتها لا زالوا في كهوف الجبال. بالنسبة لصعده ولقادتها الطموحين تظل الجبال هي البداية وهي النهاية ايضا.
يحاول مواطنو صعده الاستقرار في الحقل والزراعه. لكن زعماء الحروب المقدسة يجرونهم من الحقل الى الجبل. وحين يضيق الجبل بالمختبئين لا يبقى امامهم الا القبر. صعده مدينة القبور على منازع. اكبر عدد من القبور في اي جامع في اليمن ستجدها في جامع الامام الهادي بالمدينة القديمة: ما يقارب العشرين قبرا للائمة واولادهم وزوجاتهم. لا يوجد في صعده مبان ضخمة باستثناء المعسكرات والمقابر. وفي 2011 كان الحوثيون ينظمون مسيرات تاييد الثورة الشعبية بالقرب من سور المقبرة الكبيرة فهناك اكبر سور واكبر شارع. في الحروب الست العبثية تراجعت المساحات الخضراء المزروعة بالفواكه والخضروات وتوسعت المساحات الخضراء المزروعة بقبور الشهداء الحوثيين التي سموها (رياض الشهداء) لتصبح المعلم الابرز في كل مديريات صعده وصولا الى حرف سفيان على اطراف عمران. صعدة تاريخ صراع طويل بين الجبل والمزرعة والقبر. لكن الطيران السعودي قصف الجبال والمزارع و القبور ايضا.
صعده ضحية صراعات الفتنة الكبرى وهي تتدحرج من طبرستان الى جبال اليمن، وضحية لاطماع السلاله وهي تحول الرسالة الى ميراث جبري للسلطة والثروة باسم العترة والوصية. وضحية لتحالف الاسلام مع البترودولار لانتاج النسخة الحنبلية الوهابية التي لم ترض الا باقتلاع كل مذهب اخر الا مذهبها ، وضحية هوس ولاية الفقيه بالانتقال من تصدير الثورة الى تسليح الطائفة، ومن دولة الطائفة الى حروب الطوائف. صعده ضحية صراع التوريث وضحية قدرة النفط على شراء المواقف الاممية وغسل جرائم الحرب. صعده ضحية شراء صمت " حكومة المنفى" اليمنية بريالات المضيف السعودي وعطاياه. صعدة تاريخ صراع طويل بين الجبل والمزرعة والقبر. لكنها ايضا تاريخ شوق طويل للانضمام الى الدولة. لكن الدولة لم تضع صعده بعد على خارطتها. لا زالت النخبة السياسية تطالب الحوثيين بالانسحاب الى صعده كان صعدة جغرافيا اخرى خارج الوطن.
بعد ثورة_1962 وطرد الملكيه كانت صعده اول مدينة تسقط من يد الثوار. بعد ذلك رحل المليكون الى الابد لكن الجمهوريين نسيوا ان يعيدوا صعده الى الوطن.