إذا كان تأريخنا السياسي اليمني القديم قد شهد ما عُرف ب(العقدة اليزنية)؛ إذ استعان الملك اليمني /سيف بن ذي يزن بالخارجي (الفرس) لطرد الغازي الخارجي (الأحباش), أو وفقًا لتعبير شاعرنا وأديبنا الراحل/ عبد الله البردوني :" إخراج الدخيل بالدخيل " ؛ فإن تاريخنا المعاصر غدا يشهد استعانة الأخ والقريب بالغريب أو الدخيل لقتل أخيه وقريبه؛ لأنَّ أخاه وقريبه قد استبدا به, وأستئسدا عليه! ومن ثّم لجأ, بالمقابل, للخارجي وعدوانه لدرء خطرهما. وهكذا غدا الدخيل قريبًا, والقريب دخيلا! وهنا تكمن مأساتنا؛ حيث حضرت ما يمكن تسميته ب(عقدة الأخوَّة القاتلة) أو (عقدة الأخوَّة الثأرية)! إنَّهُ خللٌ في التفكير, وانحدارٌ في الوعي!
ولذا, فإنَّ عقدتنا المعاصرة أعقد وأخطر, حيثُ أضحى الأخ والقريب عدوًا, والأجنبي والغريب صديقّا دائمًا! عذرًا ذو يزن, فرغم مثلبة عقدتك , فإنَّ عقدة أخوتنا أعقد وأخطر! يا ذو يزن, لقد تحاور بعض أحفادك في (فندق الموفنبيك) بالعاصمة صنعاء ما يربو على شهورٍ عشرة, زاعمين توحدهم عبر (دولة اتحادية), لكنهم خذلوا التوحد, وعادوا لسيرة تمزقهم وحروبهم الأولى ! لقد طالبناهم الإخلاص في (حوار البرامج والفنادق), بينما كانوا منهمكين في الإعداد ل(حوار البنادق والخنادق)!
فمنهم من استئسد على أخيه, وتملكته نشوة الانتصار المؤقت, ومنهم من انحنى وتقبل الانكسار, وثالث حوصر وطورد, فأستنجد بالشقيق والدخيل ؛ لنجدته من عسف الأخ والقريب وغطرستهما وظلمهما!
والأدهى والأمر, أنَّ المتقاتلين يزعمون أنهم الشعب! والشعب ليس هم ؛ فهم جزءٌ والشعبُ كل. فكيف يغدو (الجزء) كلا, و(الكل) جزءًا؟!
إننا نحتاج لعودة العقل, وغرس ثقافةٍ تصحح المعادلة المعكوسة, بحيث يتم رد الاعتبار للأخوَّة والقرابة , وعدم مرادفتهما بالعداوة. لا بد من عودة الرشد للمستئسدين على ذويهم, وأن يتراجع المستنجدون بغير أخيهم, كمدخلٍ لصلاح الأمر من كل جانب.