لا تزال حملة الإيذاء والتضييق الممنهجين تطال صحيفة «المصدر» وطاقم التحرير منذ أكثر من عام، وبلا توقف. فإلى المنع المتكرر من الطباعة، وإيقافها القسري عن الصدور لمدة 3 أشهر، وسحبها من الأسواق أكثر من مرة، تأتي المحاكمات الجماعية والأحكام القاسية، ناهيك عن حجب الموقع الإخباري (المصدرأونلاين) حتى هذه اللحظة، وفرض نوع من الرقابة المسبقة على مضمون العدد الأسبوعي في بعض الأحيان. فقد واصلت محكمة الصحافة النظر في القضية المرفوعة ضد «المصدر» من قبل وزارة الإعلام على خلفية مقالات وتقارير صحفية تناولت الأوضاع في المحافظات الجنوبية منتصف العام الماضي، حيث وجهت النيابة العامة التهم التالية: "إثارة النعرات المناطقية وبث روح الشقاق والكراهية والتفرقة وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد, وبما يمس الوحدة الوطنية, والتحريض على العنف والإرهاب, كما تضمن التقرير نشر أخبار كاذبة ومغرضة من شأنها تكدير السلم والأمن العام"، لكل من: سمير جبران صاحب الامتياز، ومحمد العلائي مساعد رئيس التحرير، وسامي الكاف، وعوض كشميم (اختطفته الأجهزة الأمنية في حضرموت نهاية مارس وتم إخلاء سبيله أثناء زيارة رئيس الجمهورية للمحافظة)، وعبدالرزاق الجمل، وعبدالملك المثيل. وفي جلسة اليوم (السبت)، برئاسة القاضي منصور شايع، التي مَثُل فيها سمير جبران، ومحمد العلائي، وعبدالرزاق الجمل، طلب محامي الدفاع الدكتور حسن مجلي من المحكمة إعطاء موكليه الوقت الكافي للرد على التهم وتقديم الدفوعات. وبينما اعترضت النيابة العامة وطالبت بإغلاق المرافعات وحجز القضية للحكم، فقد قرر القاضي تأجيل النظر في القضية إلى 27 إبريل الجاري. وكانت المحكمة في جلسة سابقة قد رفضت الدفوع التي قدمها محامي الدفاع وأستاذ القانون في جامعة صنعاء حسن مجلي، إلى المحكمة الدستورية، في المواد 108 من قانون الصحافة التي قال إنها تتعارض مع الدستور الذي يجعل المسؤولية الجنائية شخصية، بينما قانون الصحافة افترض مسؤولية رئيس التحرير افتراضاً، وهو ما يخالف مبدأ "عدم جواز افتراض المسؤولية الجنائية"، والمادة 293 (مرافعات) التي تعطى الحق لرئيس الجمهورية، وهو رئيس السلطة التنفيذية، "أن يعترض على أي حكم بات صادر عن المحكمة العليا ويطلب تعديله أو إلغاءه، وهذا نص شاذ لا مثيل له في أي قانون في العالم". وكذا المادة 201 من قانون الجرائم والعقوبات. ودفع الدكتور مجلي ببطلان قرارات الاتهام وإجراءات المحاكمة فيما يخص أية شكوى مقدمة من "الرئيس أو السلطة التنفيذية التي هو رئيسها أو مجلس القضاء الأعلى الذي يتبعه"، وفقاً لنص عريضة الدفع. وقال في تصريحات سابقة ل «المصدر»: "حتى الأئمة اليمنيين لم تكن لهم هذه السلطة المطلقة في مواجهة القضاء، بل إن النص القانوني المذكور المتعارض مع الدستور، جعل الرئيس هو الوحيد الذي يقرر ما هو صواب أو خطأ أو ظالم أو عادل في الأحكام القضائية الابتدائية والاستئنافية أو أحكام النقض". من جهة أخرى نصبت المحكمة محامياً عن الزميل عبدالملك المثيل، وهو يمني مقيم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، باعتباره فاراً من وجه العدالة رغم عدم إشعاره بطريقة قانونية صحيحة من قبل النيابة. يذكر أن وزير الإعلام حسن اللوزي كان قد رفع في منتصف 2009 شكوى للنائب العام اتهم فيها «المصدر»، وصحف أخرى هي «الأيام»، و«النداء»، و«الشارع»، و«الديار»، و«الوطني»، بعدة تهم، طالباً التحقيق مع هذه الصحف. المواد، محل التهم، المنشورة في «المصدر» هي: تقرير نشر في الصفحة الأولى في العدد 72، بعنوان "صيف ساخن يبدأ من زنجبار"، ومقالات نشرت داخل العدد ذاته، للزملاء محمد العلائي، عوض كشميم، عبد الرزاق الجمل، بالإضافة إلى مقالين نشرا في العددين 65، و68، للزميلين سامي الكاف، وعبد الملك المثيل. وكانت المحكمة التي أنشأتها السلطات قبل نحو عام لمحاكمة الصحفيين قد دانت الزميلين سمير جبران، رئيس التحرير السابق، ومنير الماوري الكاتب في الصحيفة بإهانة رئيس الدولة، وعاقبت جبران بالحبس لمدة سنة كاملة مع وقف التنفيذ، والماوري بالحبس لسنتين كاملتين مع النفاذ، كما حرمته من الاستمرار في مزاولة الصحافة بصفة دائمة، في حين قضت بحرمان جبران من أن يكون رئيساً للتحرير أو مديراً للتحرير أو ناشراً أو محرراً في إحدى الصحف لمدة سنة كاملة، وقررت شمولية الحكم بالنفاذ المعجل. على صعيد متصل، دانت محكمة الصحافة والمطبوعات اليوم السبت المحرر في الاشتراكي نت خالد عبدالهادي بتهمة إهانة موظف عام. وحكمت المحكمة برئاسة القاضي منصور شائع بتغريم عبدالهادي 30 ألف ريال منها 10 آلاف لخزينة الدولة و20 ألفاً للشاكي عبدالملك العرشي الذي كان قاضياً لمحكمة القبيطة الابتدائية ونشر الاشتراكي نت خبراً عن احتجاج شعبي ضده في المنطقة. واحتفظ عبدالهادي بالحق في نقض الحكم، في حين كان محامي الاشتراكي نت قد دفع بعدم قبول دعوى نيابة الصحافة لعدم خضوع الفعل المنسوب إلى الصحفي خالد عبدالهادي لنص شرعي جنائي استناداً إلى المادة السابعة والأربعين القاضية بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو قانوني". وأوضحت المرافعة انعدام أي أقوال أو عبارات يمكن وصفها بأنها أفعال مجرمة كسند لصحة تحريك ورفع الدعوى الجزائية.