تأثر الوضع المالي اليمني من الأزمة المالية العالمية بسبب عاملين هامين ارتبطا أساساً بالنفط.. وقدم وزير المالية تقريراً بهذا الوضع على أساس تراجع أسعار النفط عالمياً. على أن الوضع ظل يزداد سوءاً بسبب ترافق ذلك مع انخفاض إنتاج النفط المحلي.. وجعل التقرير أهم الحلول: رفع الدعم عن المشتقات النفطية. لكن القرار لم يتخذ بعد. ربما بسبب تدخل عامل أكثر أهمية: الاضطرابات الحاصلة في البلاد.
بالنسبة للحكومة..ما يحدث ليس بالأمر الجيد إطلاقاً. "إن الوضع المالي العام للبلاد محرج". هكذا قال وزير المالية في تقريره الذي قدمه للحكومة "عن الأوضاع المالية، خلال العامين 2009، 2010". التقرير المذكور كان طلب رسمياً من الوزير نعمان الصهيبي، بأمر مجلس الوزراء رقم (32) لعام 2009م إعداد تقرير شامل عن الوضع الحالي للمالية العامة، عطفاً على توجيهات الأخ/ رئيس الجمهورية للحكومة بتاريخ 3/3/2009، المعطوف هو الآخر على الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي برزت في أواخر العام المالي 2008 من حيث نتائجها وآثارها على أوضاع بلادنا المالية والاقتصادية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. يوضح الطلب أعلاه: إعداد تقرير شامل. غير أن ما قدمه الوزير، يعد تقريراً معيباً في حق البلاد – بحسب متخصصين – كونه لم يشمل كافة الجوانب التي من الممكن أن تؤثر في الوضع المالي للبلاد، واقتصر على توضيح جانبين فقط هما: تأثير انخفاض أسعار النفط عالمياً، إلى جانب تأثر الإيرادات العامة بانخفاض إنتاج النفط خلال المرحلة القادمة، وتطرق إلى تأثير الدين المحلي العام (أذون الخزانة) والدين العام الخارجي، على الوضع المالي.. وجملة أهم ما خلصت إليه حلول التقرير الحكومي، هو تسوية الأوضاع في هذين الجانبين: رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ومحاولة خفض نفقات خدمة الدين العام المحلي، خلال العام 2009، بحوالي (20) مليار، وذلك بعدم تجديد أذون الخزانة الخاصة بمؤسسات وهيئات وشركات القطاع العام والصناديق المختلفة. بالطبع كانت هناك حلول جانبية أخرى لكنها اتسمت بالعبارات والمصطلحات العامة بدون تفاصيل واقعية.. جمل وعبارات مكررة في كل تقارير عمليات الإصلاح السابقة.
رفع الدعم عن المشتقات النفطية: إن قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، لهو قرار خطير، على الرغم من أنه بات قيد اللازم القيام به، غير أن اتخاذ مثل هذا القرار بدون دراسة واقعية للأضرار والحلول المناسبة من كافة الجوانب، يمكن أن يجعل منه قراراً قاتلا في كل الأحوال. إن ما جعل الحكومة تتريث كثيراً في اتخاذ مثل هذا القرار حتى الآن، لم يكن بسبب قيامها في الوقت الحالي بدراسة التأثيرات المترتبة على اتخاذ قرار كهذا، بل يمكن التأكيد أن ذلك ارتبط بالأحداث الأخيرة والتداعيات التي تمر بها البلاد. (جاء ضمن التقرير اختيار الفترة ما بين ابريل/ ديسمبر 2009 لرفع الدعم عن المشتقات النفطية..) ولكن كان من المستحيل في مثل هذه الأوضاع المضطربة أن تثير الحكومة مثل هذا الأمر، وتقدم للناقمين، سلاحاً فتاكاً للنيل منها واستغلال القرار لمزيد من الاضطرابات. صحيح أن الاتحاد الأوروبي - في تقرير له قدم مؤخراً للحكومة بخصوص الإصلاحات الضرورية – ضغط في اتجاه رفع الدعم عن المشتقات النفطية.. لكن الصحيح أيضاً أن قرارا مثل هذا اتخذ في مرحلة سابقة (سميت المرحلة الأولى لرفع الدعم عن المشتقات النفطية 2005) أدى إلى ثورة شعبية غاضبة كادت تصل بالأمور إلى ما لا يحمد عقباه آنذاك؛ حدثت مظاهرات شعبية في أهم محافظات الجمهورية، أدت إلى مواجهات مع الأمن، وقتل فيها قرابة 31 شخصاً، بينما جرح أكثر من 200 آخرين، واعتقل حوالي 851 مواطناً عفي عنهم لاحقاً بعفو رئاسي. اليوم قد يحدث مثل ذلك، بل أسوأ منه، إن لم تحتط الحكومة من كافة الجوانب.. وكافة الجوانب هنا ليس كما ذكر التقرير بالتنسيق فقط مع وزارات: التخطيط، النفط، الصناعة والتجارة، النقل، الداخلية، الدفاع.
الموازنة الأولى قبل هبوط أسعار النفط: كان لدى الوزير حوالي 7 دكاترة. في وزارة يقال أنهم متخصصون في الاقتصاد والمال. وكان يفترض العودة إليهم لتجهيز وإعداد دراسة متكاملة شاملة لكافة الجوانب. أما إذا كان هذا العمل قد تم عبر هؤلاء الدكاترة المتخصصين، فهي الكارثة بعينها! جاء في تقرير وزارة المالية للحكومة، إن الإيرادات العامة، قدرت في الموازنة العامة للدولة لعام 2009، بنحو: ( تريليون) و(537) مليار و(168) مليون ريال. في حين قدرت النفقات العامة بنحو: (تريليون) و(963) مليار و(995) مليون ريال. بصافي عجز نقدي بلغ (426) مليار و(827) مليون ريال. أي بنسبة عجز قدره (7,4%) من الناتج المحلي الإجمالي. مفصلة بحسب الجداول رقم (1): الإيرادات العامة للدولة . (2): النفقات العامة للدولة.
ملاحظات: جاءت هذه الملاحظات في التقرير:- - إن تلك التقديرات بنيت على أساسين: تقديرات عوائد النفط خلال العام 2009 – تقديرات عوائد الغاز خلال الفترة :مايو – ديسمبر 2009 أ- بالنسبة لإجمالي إنتاج النفط خلال العام 2009 وفقاً لما ورد من وزارة النفط بالمذكرتين رقم (و.ن.م/44-455) وتاريخ 15/3/2008 ، ورقم (و.ن.م/44-926) وتاريخ 9/6/2008 ، وفيهما قدر إنتاج النفط بحوالي(110,9) مليون برميل، حيث تبلغ حصة الدولة منه حوالي (65,8) مليون برميل عند سعر (55) دولار/برميل، وبقيمة قدرها (3.621) مليون دولار، وبما يعادل (720.521) مليون ريال (عند سعر الصرف المقدر بالموازنة (199) ريال/ دولار) ب- قدرت عوائد الحكومة من الغاز الطبيعي المسال للفترة من مايو 2009م، موعد بدء تصدير الغاز حتى ديسمبر 2009م بنحو (47.3) مليار ريال.
العجز المضاف والتقليص الأول: قبيل البدء بتنفيذ هذه الموازنة هوت أسعار النفط (في ديسمبر 2008) إلى مادون (44) دولار للبرميل. الأمر الذي استدعى وزارة المالية بتدارس الوضع المالي– حسب التقرير الوزاري – وخرجت بمقترح إجراء خفض لبعض بنود النفقات غير الحتمية، وإجراء إصلاحات أخرى – وصفها التقرير بأنها - هامة تؤثر في النفقات العامة والإيرادات العامة، وتقدمت به إلى مجلس الوزراء وأسفر عن صدور قرار المجلس رقم (467) لسنة 2008 بشأن ضبط الإنفاق والمواءمة بين تدفق الموارد وحدود النفقات. وعلى ضوء ذلك أعيد احتساب الإيرادات العامة والنفقات العامة على أساس سعر (35) دولار للبرميل وتحديد العجز الصافي بحسب الجدولين: (3) الإيرادات العامة، (4) النفقات العامة:-
العجز المضاف والتقليص الثاني: لكن وفي بداية العام المالي 2009 تفاجأت وزارة المالية بوجود خفض في حصة الدولة من النفط الخام. فبحسب إفادة وزارة النفط توقعت بأن إنتاج النفط لعام 2009 قد تغيرت من حوالي (110,9) مليون برميل/سنة إلى حوالي (103,7) مليون برميل/سنة. وأن حصة الحكومة قد انخفضت من (65,8) مليون برميل إلى (59,5) مليون برميل. بالإضافة إلى انخفاض آخر – حسب التقرير - تمثل في إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال – الذي لم يبدأ تصديره بعد – بحوالي (3,3) مليون طن متري، وذلك ما يعادل – وفقاً للأسعار الجديدة للنفط – حوالي (74,4) مليار ريال خفض في إيرادات النفط والغاز.
- وكما جاء في تقرير الوزارة، فإن ذلك أدى حتماً إلى تغيير كبير في عجز موازنة النقدي الصافي، وارتفاع نسبة العجز إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي إلى (11%) - ويوضح الجدول رقم (5) التقلص الحاصل في إيرادات الدولة بعد توقع انخفاض إنتاج النفط والغاز.
- ومع ذلك التقلص الحاصل في الإيرادات، فقد افترضت الوزارة عدم حدوث تغييرات جديدة في جانب النفقات العامة. وفيما إذا لم تحدث أية زيادة في الإيرادات، وذلك نتيجة تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم (467) لسنة 2008 بتقليص الإنفاق إلى النصف. - فإن موقف المالية العامة سيكون على النحو التالي (حسب ما جاء في التقرير):
علينا هنا أن نضع في اعتبارنا أمرين بالنسبة لإيرادات النفط والغاز: - أولاً: أن أسعار النفط بدأت بالتصاعد عالمياً إلى أعلى نسبة لها خلال ستة أشهر إلى حوالي 65 دولار للبرميل، فيما أن آخر وضع مالي أقرته وزارة المالية هو سعر(35) دولار للبرميل الواحد. أي أن هناك زيادة تقدر ب 50% الأمر الذي سيتيح مجالاً لزيادة الإيرادات العامة عما هي عليه في آخر وضع مالي إلى النصف تقريباً. - ثانياً: أن ذلك سينسحب بدوره على إيرادات الغاز المرتبطة بأسعار النفط عالمياً. وبتوقع عدم وجود أي انخفاض إضافي آخر في إنتاج النفط المحلي خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، فإن فائضاً كبيراً سيحدث في الإيرادات العامة للدولة، من الممكن خلاله تغطية نسبة لا بأس بها من العجز الحاصل.. ولكن علينا أن نشدد هنا على ضرورة أن لا تقوم الحكومة في زيادة نسبة الإنفاق على الباب الثالث في بند النفقات غير المبوبة، التي يقال أنها المبالغ التي تصرف عبر القصر الجمهوري مباشرة! إن الوضع حرج جداً بالنسبة للاقتصاد الكلي والمالية العامة والسياسات النقدية، غير أن هناك من يتحدث عن صرفيات مهولة لمواجهة تحديات الاضطرابات السياسية الحاصلة في المناطق الجنوبية. مئات الملايين تصرف على الاستقطابات عبر بعض الرؤؤس القيادية والمشيخية هناك. إلى جانب تلك الملايين التي تصرف على الاحتفالات الوطنية في المحافظات، وتلك التي خصصت - بالترافق معها - لزيادة جرعة الوطنية وغيرها..
الموقف المالي أمام الدين العام: بعد تلك التوضيحات والتقليصات على الوضع المالي نتيجة التأثر من انخفاض أسعار النفط، عالميا، وانخفاض الإنتاج المحلي، انتقل تقرير الوزارة للحديث عن الموقف من الدين العام، وجاء على النحو التالي: - بلغ إجمالي الدين العام المحلي (أذون الخزانة) حتى 31/12/2009 (639) مليار و(293) مليون ريال. - بينما بلغ إجمالي الدين العام الخارجي حتى نفس الفترة (5) مليار و(886) مليون دولار. بما يعادل: (تريليون) و(171) مليار و(314) مليون ريال. عند سعر صرف الموازنة المقدر ب 199 ريال/دولار. - وعليه: - تقدر نفقات خدمة الدين العام المحلي ب (90) مليار ريال للسنة الواحدة (تمثل مدفوعات الحكومة للفوائد). - بينما تقدر نفقات الدين العام الخارجي ب (46) مليار و(530) مليون ريال (منها: 15 مليارو863 مليون ريال مدفوعات فوائد، و 30 مليار و 667 مليون ريال أقساط القروض). - بالنسبة لنفقات خدمة الدين العام المحلي، اتخذت الحكومة إجراءات معينة لخفضه بحوالي (20) مليار ريال فقط، من (90) مليار، خلال العام الحالي. وذلك من خلال إشعارها البنك المركزي اليمني، بعدم تجديد أذون الخزانة الخاصة بالمؤسسات وهيئات وشركات القطاع العام والصناديق المختلفة، وعكس المبالغ الخاصة بتلك الجهات في تواريخ استحقاقها أولا بأول إلى حساباتها الجارية، واستحداث آلية جديدة لتمويل عجز الموازنة من مصادر حقيقية غير تضخمية (الدين العام المحلي) عن طريق إصدار سندات حكومية متوسطة المدى (ثلاث سنوات) بفائدة قدرها (7%) بدلا من الفائدة التي كانت تدفع مقابل إصدار أذون خزانة لتلك الجهات بأكثر من (15%).
- العدد القادم: في العدد القادم سيتم تناول بقية ما جاء في التقرير وسيتطرق إلى النقاط التالية:- - أهم المتغيرات على مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2010م: سيحدث تغيير وتعديل إضافي على الموازنة الجديدة بخفض آخر للإيرادات بسبب توقع انخفاض إنتاج النفط. - استدامة المالية العامة على ضوء ذلك الخفض الإيرادي، والحلول التي قدمتها الوزارة والتي بضمنها ضرورة اتخاذ قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية بعد أن قدمت الوزارة جدولاً بالأرقام المهولة التي تقدمها الدولة في هذا المجال.. وخلاصة بالدعم المتوقع توفيره خلال الفترة ابريل /ديسمبر 2009.