فيلم هندي .. عبارة مُعلبة تُشهر كثيرًا حين يختلط الواقع بالخيال والحقائق بالأوهام .. ! تجدها حاضرةً ومتأنقة في كل مناسبة يكون التهويل فيها ضيف الشرف ومحور الاهتمام .. تستطيع أنت أو أنا أو أي متحذلق أن يمتشقها حُسامًا مُهندًا في وجه من يمتهن الشطحات أو يُطرّز بها أحاديثه ومغامراته .. وقد يكون رد الفعل إيجابًا أو سلبًا من طرف الموصوف حديثه بهاته العبارة ؛ إذ أنها تحتمل الدعابة كما احتمالها للجد . لا أعلم تاريخاً محددًا يؤرخ ولادة هذه العبارة؛ ولكني أجزم أنها واكبت غزو الأفلام الهنديّة للعالم العربي في السبعينيّات؛ حين أحدثتْ ثورة نوعيّة في عالم السينما برغم إمكاناتها المتواضعة في حال مقارنتها بالسينما الهوليوديّة، وتحوّلت هذه النوعيّة من الأفلام إلى قِبلةً يؤمها حشد كبير من المريدين لفترة امتدت حتى منتصف التسعينيّات ، وكانت أحداثها تشغل شريحة كبيرة من الناس بمختلف مشاربهم ؛ ويمكن إرجاع ذلك إلى قصص الحُب اللتي تؤطّر جميع الأفلام الهنديّة ، تتوجها الأغاني العاطفيّة التي تأسر قلب المشاهد العربي ، والأهم من ذلك قصة المبالغات والشطحات اللتي امتازت بها هذه الأفلام، وانطلائها على المشاهد في بداية انتشارها ، ولكن الإغراق فيها ولّد نوعًا من التشبع والإحساس بوجود نوع من الاستخاف بعقل المشاهد ، نتج عن ذلك مقاطعة شبه شاملة هذه الأفلام، وساعد على ذلك انتشار الفضائيّات وكسرها للدائرة الضيّقة اللتي حشر المشاهد العربي نفسه داخلها . العام 2009 شهد حدثًا استثنائيًا تمثل في اكتساح الفيلم الهندي Slumdog Millionaire (المليونير المتشرد) لثمانِ جوائز أوسكار، متجاوزًا كل التكهنات والمراهنات باختيار أفلام هوليوود كما جرت العادة ، وحركت هذه الواقعة - ولو جزئيّاً- الانطباع الذي ساد طويلاً عن الأفلام الهنديّة . عن نفسي لم يتمكن فيلم المليونير المتشرد من إقناعي بتغيير وجهة نظري حول سذاجة الأفلام الهنديّة . 4 مارس 2010 ، دعاني أحد الأصدقاء لحضور عرض فيلم هندي اسمه My Name Is Khan (إسمي خان) ، ولولا أنه كان متحمسًا لمشاهدته وسخيًا في تدبير نفقات الدعوة لكنتُ اعتذرت عن عدم الحضور ؛ لأني غير مستعد لأن أكون مستغفلاً لفترة تتجاوز ثلاث ساعات و أكثر . وعلى قرمشات حبّات الفيشار ورشفات الكولا "الساقعة" بدأ الفيلم يضخ أحداثه على صدر شاشة السينما العملاقة ، وبدأ بطل الفيلم "شاروخان" بكتابة تاريخ ولادته من جديد . لديّ قناعة هنا أنني مهما نمّقتُ في الكلام وأسرفتُ في المديح فلن أرتقي إلى وصف الدهشة اللتي غمرتني من قدرة الفيلم على إيصال رسالته للعالم عن سماحة الإسلام وبراءته من الإرهاب بأبسط الإمكانات ، وفي اعتقادي أن أساطين السينما العربية وعرّابيها لن يستطيعوا إيصال هذه الرسالة المؤثرة والنافذة حتّى لو أنتجوا مئات الأفلام ؛ طبعًا باستثناء رائعتي الشهيد مصطفى العقّاد الرسالة وعمر المختار .. !! ساعتان ونصف إلا ثلاث دقائق كانت كافية لإعادة الحميميّة إلى علاقتي بالأفلام الهنديّة ، لن أتحدث عن الأداء الأسطوري للنجم "شاروحان" وتجسيده لشخصية المريض بالتوحد، ولن أتحدث عن مجاهدته وصموده العجيب لإيصال رسالة للرئيس الأميركي نصّها : "إسمي خان ولستُ إرهابيًا" كما وعد زوجته الهندوسيّة "مانديرا" ؛ بعد أن ذهب ابنها الصغير "سام" ضحيّة لموجة العنف اللتي طالت المسلمين في أميركا والعالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، متهمةً زوجها "شاروخان" المسلم بأنه السبب في مقتل ابنها لأنه ارتبط باسمه، وبأنها لن تعود إليه إلا بعد أن يقول للرئيس الأميركي وللعالم أن ابنها ليس إرهابيًا. لن أتحدث عن المزج البديع بين أغاني الفيلم وتصوير الأحداث وخصوصًا في أغنية Noor E Khuda "نور الله" ، لن أتحدث عن اختزال أحداث الفيلم في أقل عدد من المشاهد وكسر عادة التطويل المميزة للأفلام الهنديّة ، كما أنني لن أتحدث عن الدموع التي لم أتوقف عن سكبها معظم لحظات الفيلم تأثرًا بأحداثه، حتى أنني عاتبتُ صديقي على عدم التزوّد بمناديل تتكفل بوقف فيضان الدموع . لقد تعمدتُ هنا عدم سرد قصة الفيلم كاملة حتّى لا أخدش حبكتها وأهرق روعتها؛ هي مجرد دعوة لا تحتمل التأخير لسرعة اقتناص الفيلم والتهامه مثنى وثلاث ورباع كما فعلتُ أنا .. ولا يفوتنكم حشر جيوبكم بأوراق المناديل ، ستحتاجونها حتمًا .