في تعز قتل وتشريد وخراب ودمار، يذكرنا بما لحق بغزة العزة من القتل والتدمير والتشريد والحصار، كما عرفت تعز المقاومة بصمود وإصرار يذكرنا بذلك الصمود الغزاوي المدهش والمفرح لأحرار العالم، والمخزي والمذل للمتكبرين المحتلين من بني صهيون أولا، ولمن ناصرهم أو وقف معهم من فاسدي الضمير في هذا العالم أجمع. غير أن المحزن والمخجل أن القتل والخراب الذي يحدث في تعز هو على يد من يجمعك وإياه وطن واحد ودين قويم حرم دم المسلم وماله، وجعل هدم الكعبة حجراً حجرا أهون عند الله من إراقة دم مسلم لو كان البغاة الانقلابيون يفقهون.
لأنها عند الحوثيين أدارت ظهرها لقرين القرآن وضيعت الثقل الأصغر، وهي عند الحوثي المستفيد الأكبر من ثورة 26سبتمبر شأنها شأن اليمن الأسفل في المصطلح السلالي المناطقي المسموع عن هذه السلالة الطائفية، فهي-أي تعز- إذا بالتضييع والتدمير عند هذه الطائفة أولى.
يقول حسين الحوثي في ملزمته من تفسير سورة آل عمران ص12: "الشوافع هم الآن في اليمن أرقى منا، أهل تعز أرقى منا، لديهم خدمات أكثر منا ... تجد اليمن نصفين نصف فيه خدمات كثيرة وفيه أشياء كثيرة والموظفين منه والمسئولين منّه والقواد والوزراء منه، ونصف آخر لا يلتفت إليه يعني أننا أصبحنا ضائعين حتى أمام من هم مضيعين للثقلين"، وعند الموغلين في تقديس ذواتهم لا يشفع لمن ينكر قداستهم، ومن لا يؤمن بأن الامامة فيهم-كما تعز- ايمانه بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه واله وسلم، ولا تشفع له أيضا تقواه أو وطنيته عند هؤلاء.
وهذا الغلو الذي نجده في حسين الحوثي مرض قديم حذرهم منه بعض المعتدلين منهم أمثال الإمام عزالدين بن الحسن المتوفي عام 900ه رحمه الله، الذي أنكر عليهم هذا الغلو والتساهل مع من وافقهم على رأيهم في مسألة الامامة، والتفريط في أخوة من خالفهم من أهل السنة فيها فقال: "شاهدنا كثيرا من المتدينين-أي الشيعة- في هذا الزمان...... يتلقون كثيرا من قطاع الصلوات، والمدمنين على الخمر في أكثر الأوقات، والمجترئين على قتل النفوس المحرمات، بالبشاشة والاستبشار، وخفض الجناح ومجانبة الانكار، إذا أنسوا منهم الانقياد إلى مذهبهم في هذا الشأن-أي الامامة-، ويعاملون أهل المعرفة الصحيحة، والأديان القويمة الصريحة، المخالفين لهم في العقيدة-مسألة الامامة- بالمجانبة والمباينة، وعدم المحاسنة والملاينة، حتى كأنه لم يشرع من الدين ولا بعث سيد المرسلين إلا لهذه المسألة، وأما بقية الأركان فمغفلة مهملة" عن كتاب حوار في الإمامة ص12.
وهذه الشهادة من هذا الإمام تفسر شدة عداء الحوثيين اليوم لتعز ولليمنيين جميعاً، وتحالفهم مع عفاش الجريء على قتل الأنفس المحرمات.
ولأن تعز في عيون عفاش رأس الحربة وطليعة ثورة 11 فبراير الشبابية التي أطاحت به، كما أن تعز اليوم ممانعة وبقوة لعودته مهما حاول التخفي لما لها من عيون تلسكوبية، ومن يقف في طريق المستبدين هذه المواقف الصلبة، فمما لاشك فيه أن المستبد يصب جام غضبه على أصحاب تلك المواقف شخصا كان أو حزبا، أو مدينة كما يحكي لنا التاريخ، ولا يمكن التخلص من هذا البطش إلا بتحقيق سيادة الشعب على السلطة من خلال وجود الدولة المدنية التي نسعى في المقاومة إلى التأسيس لها بإذن الله.
كلي أمل بانتصار تعز، لأنها تحمل كغيرها من المقاومين في ربوع اليمن مشروعا يمنيا خالصا يسمى (الدولة المدنية) هي الأقدر على تحقيق أكبر قدر من السعادة، لأكثر عدد من اليمنيين، كما هو حال الدول المتقدمة من حولنا.
ولأن تعز تقف في وجه مشاريع ضيقه أسرية ومصلحية حكمت اليمن قبل وبعد سبتمبر ولم تفلح، وزاد أصحاب تلك المشاريع المقيتة -الحوثي وعفاش- أن بغيا على اليمن واليمنيين، والله تعالى يقول: "ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله". وبغيهم ليس تهمة من خصم، بل قد شهد بجرمهم وانقلابهم العالم.
ولأن تعز دفعت الثمن باهضاً، وأدهشت العالم-كغزة- بصمود ها الأسطوري، هذا الصمود الذي لم يأتِ من فراغ، بل يدل أن سكان هذه المدينة وتكتلاتها الاجتماعية والسياسية مشبعة بثقافة متكاملة وناضجة، وتمتلك قيادة متفانية وحكيمة، وما الشيخ حمود المخلافي إلا رمزاً من رموز رجالات تعز وقياداتها.